الإثنين, يناير 20, 2025
1.7 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

الدكتور عبد الرؤوف سنّو. جردة حساب لحزب الله: سلاح شرعي وحيد، حياد لبنان ورعاية الأمم المتحدة له (الجزء الخامس)

بقلم: الدكتور عبد الرؤوف سنّو، مؤرخ وباحث في الشؤون اللبنانية

في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، قرّر حزب الله إسناد غزة عبر جنوب لبنان، من دون سؤال الحكومة اللبنانية عن قرار يسلبها سلطتها وسيادتها على البلاد لمصلحة قوة خارجية هي حماس، ومن يقف وراءها. وكان تنظيمَي حماس والجهاد الإسلامي قد اخترقا في اليوم السابق من الإسناد الجدار الإسرائيلي العازل بين غزة وإسرائيل، وقاما بعملية نوعية غير مدروسة عُرفت بـ”طوفان الأقصى”.

تبعية حزب الله لإيران تحت مسمّى “تحرير القدس”؛ غياب أسس توازن القوى بين فرقاء النزاع؛ أهداف حزب الله “الإيراني” الساعي للقضاء على الدولة اللبنانية؛ وسبل عودته إلى كنف الدولة. جردة حساب تفصيلية تناولناها في الأجزاء السابقة، لنسأل في الجزء الخامس والأخير: ما المطلوب اليوم لبناء لبنان الذي نريد؟

لقد كشفت الأحداث بين التشرينين 2023 و2024، الآتي:

  1. عجز إسرائيل عن القضاء على تطلعات الفلسطينيين إلى إقامة دولة مستقلة ذات سيادة. وبالرغم من تداعيات طوفان الأقصى الكارثية على غزة ولبنان، فقد حصلت القضية الفلسطينية على تعاطف جماهيري دولي، وعلى دعم سياسي وإنساني وأخلاقي من دول أوروبية وأفريقية وأسيوية وفي أميركا الجنوبية، كلها تؤيد حق الفلسطينيين بدولة مستقلة، وليس حماس والجهاد الإسلامي. ولن تستطيع إسرائيل العيش في سلام في المنطقة، طالما تتنكر لحقوق الفلسطينيين بفائض قوتها العسكرية، وستبقي المنطقة في حالة صراع. نضال الشعب الفلسطيني لم يتوقف منذ إنشاء الكيان الصهيوني، وسوف يستمر، طالما أنه لا يعيش ضمن دولة مستقلة ذات سيادة.
  2. ليس هناك صراع في التاريخ من دون هدف سياسي. لا يستطيع الفلسطينيون إرجاع الزمن إلى الوراء والمطالبة بطرد اليهود من المنطقة، أو محو إسرائيل من الوجود في ضوء عدم توافر مقولة الرئيس عبد الناصر: “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”. يجب على كلا الجانبين اعتماد نهج سياسي واقعي، يركز على التعايش السلمي الذي يوازن بين مصالح الطرفين، كي لا يشعر أي من الجانبين بأن التسوية تُقوض تطلعاته. ولن يتحقق ذلك من دون جهود الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتضامن الدول العربية، ووعي إسرائيل بأن العيش في سلام أفضل من حروب مستدامة.
  3. تسبّب تدخل إيران الأيديولوجي -الجيوسياسي في المنطقة في تفاقم الأزمات، وبخاصة في لبنان وسورية والعراق واليمن. والمطلوب قيادة إيرانية جديدة تتبع سياسة واقعية وتوقف طموحاتها الاستراتيجية والجيوسياسية التي دمرت اقتصادها وأفقرت شعبها وأرهقت المنطقة. عكس ذلك، فعلى مجلس الأمن الدولي أن يجد حلّاً بعيداً عن المصالح الأمريكية الضيقة التي تفاقم أزمات المنطقة بسياستها الخرقاء. ولا وجود لحلول وسط هنا وهناك.
  4. إن الإسلام على المذهب الشيعي هو الرابط الروحي بين حزب الله وإيران، لكنه ليس رابطاً سياسياً أو عسكرياً، ولا يجب أن يكون ذلك. إن روابط الموارنة والكاثوليك بالفاتيكان، وروابط السنّة بالأزهر وبالسعودية التي تحتضن الأماكن المقدسة، لا تصل إلى السياسة. لبنان هو وطن الجميع إذا شاء الحزب العودة الصادقة عن الخطأ التي هي فضيلة، وإذا نبعت من العقل. لامن “تقية” اشتهر بها. نحن اللبنانيون طلاب حياة، نعيش لنحيا بسعادة وعزة، وما وجودنا على هذه الأرض إلا للسعادة والاستمتاع بالحياة. أما الموت المكتوب علينا في غير موعده ومكانه فلا نريده إلّا في وقته، ودفاعاً عن لبنان الوطن الغالي، وليس عن مصالح الولي الفقيه أو غيره.
  5. تعرّض لبنان منذ استقلاله إلى أزمات، بسبب مشاريع الوحدة العربية، واحتضان المقاومة الفلسطينية، وهيمنة سورية عليه خلال حرب لبنان وبعد الطائف. فالتوازنات الطائفية والمذهبية فيه المتأثرة بالخارج لا تحتمل أبداً الإخلال بها وتفاقم الوضع بشكل كارثي ومصيري بسيطرة إيران على لبنان من خلال حزب الله. وبالإضافة إلى ذلك، تعرّض لبنان لأربع كوارث داخلية/خارجية بين العامين 2019 و2023، وهي: سرقة ودائع اللبنانيين من قِبل السياسيين الفاسدين والقيّمين عليه؛ إفلاس الدولة اللبنانية؛ تفجير مرفأ بيروت في العام 2020؛ وتدخل حزب الله في حرب إسرائيل على غزة منذ سنة. وقد آن الأوان للاتحاد ضد تدخلات الخارج، وإعلان حياد لبنان دستورياً، أو وضعه تحت وصاية الأمم المتحدة إلى أن يتجاوز الكارثة الآنية، ويتم تثقيف الشعب اللبناني وتربيته على المواطنية والولاء والانتماء للوطن ونبذ الطائفية والمذهبية.
  6. في موضوع الصراع مع إسرائيل، فمخططات الأخيرة تجاه لبنان بعد احتلال بعض المناطق من الشريط الحدودي من قِبل جيشها خلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2024، لا تزال غير واضحة. وفي كل الأحوال، على لبنان أن يبني جيشاً وطنياً قوياً يستطيع الدفاع عن أرضه، إلى جانب ضمان سلامة أراضيه من قبل الأمم المتحدة كدولة حيادية. لكن تبقى أفضل مساندة له، هي تضافر كل اللبنانيين وراء دولة لبنانية عادلة تمثل اللبنانيين كلهم.

أخيراً، أعلن نعيم قاسم في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2024 عن موقف جديد للحزب يخرج عن سياسة الإسناد لغزة، وهو “مواجهة تصعيدية جديدة” أو حرب مفتوحة مع إسرائيل. وفي اليوم التالي عقدت قمة روحية في بكركي لمقاربة أوضاع لبنان الراهنة. وقد رفض “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” البند السادس من البيان الصادر عن القمة والمتعلق بـ”تأكيد سيادة لبنان وحريته واستقلاله وحق الدولة في تحرير أراضيها التي تحتلها إسرائيل”، وأصر المجلس على الثلاثية: “جيش وشعب ومقاومة” التي تعني احتفاظ حزب الله بسلاحه، وبالتالي بقاء الدولة اللبنانية مهمشة وجيشها ضعيفاً، واستمرار مغامرات الحزب الخارجية والداخلية.

لهذا، لم تعد دعوتنا إلى الحزب إلى العودة إلى الوطن ذات فائدة أو قيمة. من هنا، لن يكون هذا المقال سوى موقف سياسي ووطني وأخلاقي وإنساني لكاتبه، وليس نداءً للحزب إلى العودة إلى أحضان الوطن.

https://hura7.com/?p=36838

 

 

الأكثر قراءة