الأربعاء, مايو 14, 2025
12.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

الذكاء الاصطناعي والعزلة العاطفية: حين تصبح الآلة بديلاً عن الإنسان

جريدة الحرة

بقلم: نانسي القاروط، معالجة نفسية ومدربة تربوية، رئيسة قسم علم النفس التربوي في مركز نفسانيون، مرشدة نفسية في ثانوية رفيق الحريري.

في السنوات الأخيرة الماضية، ومع تسارع وتيرة تطوّر الذكاء الاصطناعي، بدأت تظهر أنماط تفاعلية جديدة بين الإنسان والذكاء الإصطناعي، بعضها يبعث على الإعجاب، والبعض الآخر يدعو للقلق. من بين أبرز هذه الظواهر ما نراه اليوم من محتوى متداول على منصات التواصل، حيث يشارك العديد من المراهقين والشباب صوراً لمحادثاتهم مع برامج الذكاء الاصطناعي، خصوصاً ChatGPT، مشيرين إلى أنّ هذه “الآلة” تفهمهم أكثر من الناس، تُصغي إليهم، وتمنحهم شعوراً بالاهتمام والحنان، ويرفقونها بتعليقات من قبيل: “هو يفهمني أكثر من البشر”، “حنون”، أو حتى “أريد أن أرتبط به”.

ظاهرياً، يبدو الأمر طريفاً. لكن، من منظور نفسي، نحن أمام تحوّل عميق في طريقة الإنسان في بناء الروابط والعلاقات الإنسانية. فهذه الظاهرة ليست مجرّد “مزحة عابرة”، بل قد تكون، في بعض الحالات، مرآة تعكس هشاشة داخلية، أو احتياج عاطفي غير مُلبّى في الواقع.

العلاقة مع الذكاء الاصطناعي: راحة أم هروب؟

من وظائف العلاقات الإنسانية الأساسية أنها تساعدنا على النمو، وتحفّز فينا مهارات مثل التعاطف، الإصغاء، الصبر، والتفاوض مع الاختلاف. حتى النزاعات التي تحصل بين البشر تكون ضرورية لبناء العلاقات ونموها.

في  المقابل، لا تتطلّب العلاقة مع الذكاء الاصطناعي أي مجهود عاطفي. الأداة لن تُغضبك، لن ترفضك، ولن تنتقدك. وهذا ما يمنح بحدّ ذاته شعوراً زائفاً بالراحة النفسية، لكنه قد يتحوّل إلى نمط هروبي من مواجهة الواقع الاجتماعي.

هنا تكمن الخطورة: حين يبدأ الفرد، وخاصة في المراحل العمرية المبكرة، باللجوء إلى AI كشكل من أشكال الدعم العاطفي أو الإشباع النفسي، عندها تصبح قدرته على بناء علاقات حقيقية مُهددّة. ذلك لأنه، وببساطة، لن يجد في العلاقات الواقعية نفس “السلاسة” أو “المرونة” التي يجدها مع الآلة.

المراهقون في قلب العاصفة

المراهقة هي مرحلة النمو النفسي الأهم، حيث تبدأ ملامح الهوية في التشكل، وتزداد الحاجة إلى الشعور بالقبول والانتماء. إذا كان هذا الاحتياج لا يُلبّى في الأسرة أو المحيط الاجتماعي، فقد يبحث المراهق عنه في أماكن أخرى، أحياناً في ألعاب الفيديو، وأحياناً في وسائل التواصل، وأحياناً أخرى، كما نرى مؤخراً، في الذكاء الاصطناعي.

في هذه الحال تتمحور الخطورة حول قيام المراهق بتطوير شكل من أشكال التعلّق الذي ينشأ عندما يُسقِط الشخص حاجاته العاطفية على “الآخر الإفتراضي”، ما يؤدي، إلى جانب العزلة الإجتماعية وعدم القدرة على بناء علاقات اجتماعية سليمة، إلى تشويه صورة الواقع وفقدان التوازن النفسي.

دور المؤثرين: مسؤولية أم ترفيه؟

من المؤسف أن بعض “المؤثرين” يقدّمون هذا النوع من التفاعل مع الذكاء الاصطناعي على أنه تجربة مسلّية أو حتى رومانسية، من دون إدراك لتأثيرهم الكبير على جمهور شاب يبحث عن قدوة أو مَن يمنحه شرعية شعورية لتصرفاته. المزاح هنا قد لا يبقى مزاحاً، بل يتحوّل إلى ترسيخ لفكرة أن الروابط الافتراضية كافية ومُرضية، بل ومحبّذة أكثر من العلاقات الواقعية، التي تتطلب جهداً وتحمّلاً وصبراً.

التقنية ليست عدوّاً… ولكن!

ليس الهدف من هذا التحليل أن نجرّم الذكاء الاصطناعي أو نرفض استخدامه. على العكس، هو أداة مهمة عند استخدامها في السياق الصحيح. لكن المشكلة تبدأ عندما يُستخدم كبديل عن الإنسان، لا كمكمّل له.

على المستوى العلاجي، من المهم أن نُعلّم الشباب كيفية التفريق بين العلاقة الحقيقية والعلاقة الافتراضية. وهذا الأمر يجب أن يبدأ في المدارس عبر التوعية  وخلق فرص لتكوين صداقات حقيقية ومتينة. كما ينبغي علينا تشجيع بيئة أسرية وتعليمية تُوفّر الاحتواء والدعم الكافي، بحيث لا يجد الفرد نفسه مضطراً لأن يحصل على الحنان والدعم من آلة.

في الختام لا بدّ من طرح العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى وعي وتفكير. هل صُمّمت أدوات الذكاء الاصطناعي لتكون “عاطفية” فعلاً؟ كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي دون أن نفقد أنفسنا في الطريق؟ وهل نحن  فعلاً أمام تحوّل خطير في طبيعة العلاقات الإنسانية؟

https://hura7.com/?p=51646

 

الأكثر قراءة