الأربعاء, مايو 21, 2025
14.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

السلام المفقود بين أوكرانيا وروسيا

جريدة الحرة

د. خالد العزّي

الخطة السياسية التي تتبعها روسيا بشأن الهدن المتتالية، وآخرها  الهدنة التي أعلنتها بمناسبة فترة الأعياد وتنتهي  بانتهاء احتفالات “أيام النصر على النازية”، لن تغير في مسار الحرب، وذلك باعتراف مدير مكتب الرئيس الأوكراني أندريه يرماك، الذي قال: “على أوكرانيا أن تكون حذرة وألّا تقدم تنازلات مسبقة من أجل التقدّم السريع نحو التسوية”.

الكرملين يواصل التلاعب من أجل تجنب العقوبات 

ويؤكد يرماك أن روسيا تشتري الوقت لأن خطط النظام الروسي تهدف إلى متابعة الحرب، لا إيقافها. بل يسعى النظام إلى تجميدها مؤقتًا عبر رفع مطالبه للولايات المتحدة، التي تتضمن رفع العقوبات ورفع الحصار عن صناعة الطيران التي باتت على وشك الانهيار. تسعى روسيا إلى تخفيف القيود المفروضة عليها وتجميد الصراع مؤقتًا، لا إنهاء الحرب، لأنها ترغب في الالتفاف على العقوبات. في المقابل، تصر أوكرانيا والولايات المتحدة على ضرورة أن تكون الهدنة لمدة شهر، ويفضّل أن تمتد إلى ستين أو تسعين يومًا لإنهاء الحرب. بينما يسعى الأوكرانيون إلى التوصل إلى اتفاق سلام شامل، لا إلى هدنة مؤقتة في فترة الأعياد والمهرجانات.

إذن، روسيا تتجنب تقديم ضمانات لأوكرانيا في محاولة لتجميد الصراع، بهدف إعادة تجميع قواها لشن هجوم جديد ضد الأراضي الأوكرانية بعد رفع العقوبات. الطريق الوحيد للسلام، بحسب الأوكرانيين، هو تعزيز قدرات أوكرانيا في هذه الحرب، بهدف الجلوس على طاولة التفاوض. كما يجب زيادة العقوبات على روسيا. ويقول زيلينسكي إن الحلول الفعلية للسلام تأتي بعد القضاء على الهجمات، والتفكير في وقفها.

المفاوضات تتطلب من روسيا وقف الحرب

يجب على روسيا أن تذهب إلى مفاوضات فعلية بعد إسكات أصوات المدافع، كما يشير المبعوث الأميركي “كيث كيلوغ” في مقابلته على قناة “فوكس نيوز”، حيث أكد أن “روسيا لم تستطع إنهاء الصراع في أوكرانيا بسرعة كما ادَّعت، ولم تحقق سوى انتصارات محدودة طوال العامين والنصف الماضيين. النجاحات التي حققتها روسيا لا تزال بعيدة جدًا عن الحقيقة، فلم تستولِ القوات الروسية على العاصمة كييف، ولم تسيطر على مدينة أوديسا، ما كان سيسمح لها بغلق البحر الأسود، كما تكبدت خسائر كبيرة في العتاد والأرواح.”

من هنا، نلاحظ أن الحديث الإعلامي المنقول عن المسؤولين الأميركيين بدأ يتغير تدريجيًا في ما يخص التعامل مع روسيا، التي خيبت آمالهم. ربما يكون حديث الرئيس السابق دونالد ترامب الأخير دليلاً على هذا التغيير، حيث بدأ يتعامل مع روسيا بطريقة مختلفة، متفكرًا في تشديد العقوبات عليها. يأتي ذلك بالتزامن مع مشروع قُدّم إلى مجلس الشيوخ الأميركي، تضمَّن توقيع 72 عضوًا، من قبل حليف ترامب السناتور الجمهوري “ليندسي غراهام”. المشروع يقترح فرض عقوبات شديدة على روسيا إذا طال بوتين أمد المفاوضات والتلاعب بها، وعدم إعطاء إشارات جدية للجلوس على طاولة المفاوضات، التي تسعى الولايات المتحدة للوصول إليها بين روسيا وأوكرانيا. ومن المفترض أن يتضمن المشروع فرض عقوبات جمركية على الدول التي تشتري موارد الطاقة الروسية وغيرها من المنتجات. 

الاتفاقية بين الدولتين تمهد لمرحلة جديدة

توقيع الاتفاقية المشتركة بين الدولتين (أوكرانيا وأميركا) للتنقيب واستثمار ثروات باطن الأرض يشير إلى إنهاء مقنّع، والذي تعول عليه واشنطن كخطوة نحو إنهاء الحرب وإحلال السلام. لكن، هل ستنتهي الحرب بعد توقيع هذه الاتفاقية؟ وهل ستكون هذه الخطوة التالية لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا؟

من خلال التوقيع على الاتفاقية، حصلت أوكرانيا على تعهدات من الجانب الأميركي بأن واشنطن لن تطالب بتسديد الأموال التي دفعتها لأوكرانيا كمجهود حربي، وهذه نقطة خلاف نظراً لطبيعة المبلغ الذي تطالب إدارة ترامب باستعادته، فيما كانت أوكرانيا ترفض كونه هبة ومساعدة حربية وليست ديونًا.

وبالتالي، توصل الطرفان إلى شطب هذا المطلب، وتقاسم أموال الثروات مناصفة بينهما. كذلك، تم الاتفاق على عدم خضوع أوكرانيا إلى التعريفات الجمركية، كما هي الحال مع باقي الدول. وهذه ورقة للطرفين يمكن استغلالها شعبيًا أثناء توقيع الاتفاقية في البرلمان الأوكراني “الرادا” والكونغرس الأميركي. يُمكن القول إن زيلينسكي لن يقبل بأن تذهب أموال بلاده وثروتها لسداد ديون لأميركا، بينما سيقول ترامب إن الاتفاقية ستجلب عوائد أكبر بمرّات من الهبات التي قدمتها لأوكرانيا. إذًا، هناك صندوق استثماري بين الطرفين مناصفة، وكل المناطق التي يتم الاستثمار فيها ستكون تحت السيادة الأوكرانية حصريًا.

النقطة الثانية أن الإدارة الأميركية ستستمر في تسليح أوكرانيا وتجهيزها لوجستيًا واستخباراتيًا، ما يعني أن السلاح سيتدفق مجددًا إلى كييف. لكن طبيعة هذا السلاح، سواء كان دفاعيًا أم هجوميًا، لا تزال غير واضحة.

النقطة الثالثة أن توقيع الاتفاقية الاقتصادية، والتي تشترط إنهاء الصراع العسكري، يعني أن أميركا قدّمت نفسها لأوكرانيا كضامن أمني غير مباشر. فهذه المنطقة ستكون تحت الحماية المباشرة للولايات المتحدة، ما يجعل روسيا غير قادرة على توجيه ضربات مباشرة إلى مناطق الاستثمار، خشية الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن.

لكن المشروع الذي تم الاتفاق عليه، بعد حصول تباين في وجهات النظر بين الجانبين الأميركي والأوكراني، كان في الأساس مشروع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. هذا المشروع قُدِّم للإدارة الأميركية، وهو قائم على مبدأ الضمانة الأمنية وتقديم المساعدات العسكرية مقابل توقيع اتفاقية ثنائية لاستخراج المعادن.

إلا أن الأميركيين حاولوا إظهار القوة، والتأكيد على قدرتهم على ترويض زيلينسكي، مع توجيه رسالة غير مباشرة إلى الروس مفادها أن بإمكانهم الدخول في تسوية واقعية تؤدي إلى إيقاف الحرب، بهدف جرّهم إلى طاولة المفاوضات. 

التواصل الأميركي – الأوكراني ينجح في “شق الجلد

يمكن القول إن توقيع الاتفاقية من شأنه تحسين العلاقات المضطربة بين كييف وواشنطن. وقد لعب الأوروبيون، ولا سيما فرنسا، وبريطانيا، وبولندا، وألمانيا، دورًا محوريًا في التأثير على الطرفين، وربما كانت ثمرة هذا الدور اللقاء القصير والمثمر بين الرئيسين على هامش جنازة البابا في الفاتيكان. خلال هذا اللقاء، أعلن الطرفان عن تحول إيجابي في مسار العلاقات، عبر إظهار أوكرانيا رغبتها في السلام واستعدادها للجلوس إلى طاولة المفاوضات بدعم أوروبي، في وقتٍ تواصل فيه روسيا التهرب، لا سيما بعد القصف الدموي الذي تعرّضت له كييف.

وبات الامتعاض الأوروبي واضحًا، وخصوصًا من الجانب الأميركي، إزاء سلوك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يواصل التلاعب بمسألة إيقاف الحرب والانخراط في عملية تفاوضية جدية.

بالنسبة للولايات المتحدة، فقد باتت الرسالة واضحة: روسيا مصمّمة على مواصلة الحرب، كما يظهر من خلال إعادة تجميع قواتها العسكرية. في ضوء ذلك، باتت واشنطن ترى أن التوصل إلى اتفاق سلام مع موسكو يبدو شبه مستحيل. وبالتالي، قد يكون الخيار الأكثر واقعية هو الدفع نحو تجميد النزاع، وهو ما قد يصب في مصلحة جميع الأطراف، بانتظار تطورات الأيام المقبلة التي من شأنها تحديد ملامح مستقبل الحرب.

الاتفاقية الأميركية – الأوكرانية بشأن استخراج الثروات الباطنية قد تشكّل نقطة تحوّل، بما تحمله من ضمانات أمنية غير مباشرة تعزز من قدرة أوكرانيا على ردع الطموحات الروسية المعروفة بالعنف والبطش. تدرك موسكو اليوم أنها لم تنجح في استمالة دونالد ترامب أو دفعه إلى التخلي عن دعم زيلينسكي، وربما كان اللقاء العابر في جنازة البابا كفيلاً بتغيير قواعد التعامل المقبلة مع الأزمة الأوكرانية.

الاتفاق وإخفاء التفاصيل

لكن في هذا الاتفاق الكثير من النقاط والزوایا المخفية التي لم يذكرها الإعلام، ولم يطّلع عليها أحد. وسيتمّ المصادقة عليه بشكله الظاهري، لكن المضمون هو ما يحمل الثقل الحقيقي، والذي ستبقى بنوده عرضةً للاعتراضات الروسية.

زيلينسكي قال إنه مستعدّ لتقديم تنازلات مؤلمة من أجل السلام، لكن الأوروبيين تساءلوا: لماذا التنازل؟ ومن طلب منك التنازل؟ إن وجود أراضٍ تحت الاحتلال لا يعني الاعتراف بضمّها، فالأراضي التي ضمّتها روسيا ستكون بحكم الواقع تحت السيطرة الروسية بقوة السلاح، لا أكثر.

روسيا اشترطت استعادة كورسك قبل الاحتفال بعيد النصر، وفي المقابل، عرضت الانسحاب من المفاعل النووي في مدينة زاباروجيا وتسليمه للدولة الأوكرانية، لكن بشرط أن يكون الإشراف عليه أميركيًا، مع الاستمرار في تزويد المناطق المحتلة بالطاقة.

أوكرانيا تطالب بالسيطرة على “سد كاخوفسكايا” الذي دمرته روسيا، كما تطالب بأن يبقى نهر دنيبر يشكّل الرافد الأساسي للاقتصاد الأوكراني دون فرض عراقيل على ضفافه.

الزيارات الأميركية إلى روسيا من قبل المبعوثين الأميركيين جمعت العديد من النقاط، وطرحت سؤالًا جديًا: هل بات الروس والأوكرانيون على عتبة توقيع اتفاقية سلام… من خلال اتفاق “باطن الأرض”؟

شروط السلام الروسية غير المقبولة

تُصرّ روسيا على شروطها للسلام، وهي بطبيعتها تتناقض في مجملها مع خطة ترامب، ومع موقف أوكرانيا الرافض للاستسلام والمُصرّ على مواصلة الحرب. يمكن الوقوف عند أبرز هذه المطالب التي تروّج لها موسكو، والتي تنتشر في معظم وسائل الإعلام العالمية:

  • نزع السلاح و”النازية” من أوكرانيا.
  • منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
  • الاعتراف الدولي بضمّ جزيرة القرم والمقاطعات الخمس (زابوروجيا، دونيتسك، خيرسون، ولوغانسك).
  • رفع العقوبات المفروضة على روسيا الاتحادية وإعادة الأصول المجمدة.
  • رفض الاقتراح الأميركي القاضي بنقل السيطرة على محطة زابوروجيا للطاقة النووية إلى واشنطن وكييف.
  • إلغاء القوانين الأوكرانية التي تقيّد استخدام اللغة الروسية، ولا سيما في مجالي الثقافة والكنيسة.
  • تقليص حجم الجيش الأوكراني، وتفكيك وحداته، ومنع تسليحه.

السلام المنتظر أم تجميد الحرب؟

لا أحد يتنبأ بأنّ الحلّ قريب، إذ إن الحديث عن السلام لا يزال معقّدًا ومليئًا بالعقبات التي لا حلول واضحة لها، وأبرزها:

  • الرفض الأوكراني والغربي للاعتراف بالأراضي المحتلة.
  • رفض الشروط الروسية بشأن تقليص الجيش الأوكراني وتسليحه.
  • التساؤلات حول مصير الأسلحة الأميركية التي تتدفق إلى أوكرانيا بعد الاتفاق، ومهمتها المقبلة.
  • الديمقراطية “المزعومة” التي تسعى روسيا إلى فرضها في أوكرانيا، ونوع الانتخابات، ودور اللغة الروسية في الدولة.

كلها قضايا تجعل مقترح السلام في مهب الريح. وبالتالي، تُطرح فكرة تجميد الحرب كحلّ واقعي أكثر فائدة للطرفين في المرحلة الحالية.

خطورة الاتفاق الاقتصادي بالنسبة لموسكو

الاتفاق المحتمل يعني عمليًا نشوء توازن جديد في ميزان القوى، مما يُقلّص هامش المناورة أمام موسكو لفرض شروطها من دون تقديم تنازلات. كما يمنح هذا التقارب فرصة حقيقية لإعادة تسليح أوكرانيا، وتزويدها بالمعدات والصواريخ المتطورة، خاصة بعد تفوّقها تكنولوجيًا على روسيا، وتوجيهها ضربات مؤلمة إلى مواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومصافي نفط ومستودعات غاز.

اليوم، باتت أوكرانيا أقرب إلى إدارة ترامب منها إلى روسيا، التي أضاعت فرصة ثمينة للاستجابة المبكرة لمقترحات ترامب. وقد فتحت هذه الفجوة المجال أمام الأوروبيين لاحتضان كييف، ما زاد من قلق موسكو من الشراكة الأميركية الأوكرانية، التي بدأت تتجلى بوضوح في اتفاق “المسار الأرضي”.

تشعر روسيا الآن بأنها تخسر امتيازاتها في المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الحرب، وأنها تفقد القدرة على فرض شروطها. وفي المقابل، فإن تنشيط الاستثمارات الاقتصادية الأميركية يبدو وكأنه غطاء دبلوماسي لمخطط أكبر، فيما الحديث الروسي عن “هدنة مؤقتة” يؤشّر إلى أنّ نهاية الحرب ليست قريبة، وأن التجميد المؤقت سيبقى الحل الأنسب، ريثما تتبلور تسويات واقعية قد تنهي الحرب في المستقبل، بشرط تعديل شروط موسكو وإدراكها أن النصر لن يتحقق دون مقابل.

https://hura7.com/?p=52247

 

 

 

 

 

 

 

الأكثر قراءة