جريدة الحرة ـ بيروت
السويداء تحت الحصار الصامت: قراءة قانونية وإنسانية
بقلم : د. رائد غانم ـ بيروت ، متخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان
تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا منذ عام 2023 موجة من الاحتجاجات المدنية والمجتمعية، يقودها أبناء الطائفة الدرزية رفضًا للفساد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، واستمرار النظام السوري في إحكام قبضته الأمنية.
في أقصى جنوب سوريا، تقع محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية (نحو 95%)، والتي تضم أيضًا مجتمعات مسيحية عريقة. وعلى الرغم من بعدها الجغرافي عن بؤر النزاع الساخنة في البلاد، تشهد المحافظة منذ منتصف تموز/يوليو 2025 واحدة من أشد الأزمات الإنسانية والقانونية، تمثلت في حصار خانق، وانتهاكات جسيمة، وممارسات تثير قلقاً دوليًّا متزايدًا بشأن إمكانية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تفاصيل المشهد الميداني
في منتصف الشهر الجاري، اقتحمت قوات تابعة للنظام السوري الجديد، مدعومة بميليشيات غير نظامية، مدينة السويداء وريفها. وأعقبت هذا الاقتحام موجة عنف غير مسبوقة، شملت:
- إعدامات ميدانية ومجازر موثّقة: حيث تم إعدام مدنيين ميدانيًا، بمن فيهم أفراد من عائلات بأكملها. وقد تمّ توثيق مجازر بحق عائلات من آل رضوان وآل سرايا، إضافة إلى ثلاثة شبان من عائلة آل عرنوس، بحسب تقارير لـ”بي بي سي” و”رويترز”.
- استهداف متعمّد للمدنيين: بما في ذلك كبار السن والنساء والأطفال، الذين تعرضوا لانتهاكات لفظية وجسدية في سياق حملة ترهيب ذات طابع طائفي صريح.
- قصف عشوائي وتدمير واسع: استعملت قوات النظام صواريخ “غراد” والأسلحة الثقيلة لاستهداف الأحياء السكنية، ما أدى إلى تدمير منازل ومنشآت حيوية، مثل آبار المياه ومولدات الطاقة.
- عمليات نهب وإحراق ممتلكات: في مشهد ممنهج، تعرّضت المنازل والمركبات للنهب، تبعها إحراق متعمّد لطمس الأدلة.
- تعطيل عمل القطاع الصحي: تمّت محاصرة المستشفى الوطني وقتل أو تهجير طواقمه، مما أدى إلى توقفه بالكامل عن العمل.
- مؤشرات تطهير عرقي: نمط العنف واستهداف الدروز على وجه التحديد يشير إلى نوايا طائفية مقلقة، ويرقى إلى مستوى التطهير العرقي.
حصار وأزمة إنسانية متفاقمة
رغم انخفاض وتيرة المواجهات، لا تزال منطقة السويداء تخضع لحصار شامل منذ أكثر من أسبوعين، تمثّل في:
- انقطاع شامل للكهرباء، تاركًا المدينة في ظلام تام.
- أزمة حادة في المواد الأساسية، من غذاء ومياه شرب وأدوية، وصولًا إلى حليب الأطفال والمستلزمات الطبية، وسط نفاد المخزون المحلي.
- مساعدات محدودة وغير كافية: لم تغطِّ المساعدات المقدّمة من الهلال الأحمر السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر أكثر من 10% من احتياجات السكان، وسط تقارير تؤكد قيام قوات الأمن بعرقلة دخول الوقود والإمدادات.
- حظر إعلامي صارم: مُنع الصحفيون الدوليون من دخول المدينة بأوامر مباشرة من أحمد الدالاتي، المسؤول الأمني في جنوب سوريا، ما يعمّق التعتيم الإعلامي المفروض.
قراءة قانونية: مؤشرات لجرائم جسيمة
تتابع الأوساط الحقوقية والقانونية بقلق بالغ تطورات الأحداث الجارية في محافظة السويداء لا سيما ما يُثار من معلومات وتقارير أولية بشأن قيام حكومة أحمد الشرع، التي تمارس فعليًا مهام السلطة في أجزاء من البلاد، بـ تدخلات أمنية وعسكرية في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، إضافة إلى استهدافات مفترضة بحق جماعات علوية داخل مناطق مختلفة.
تشير هذه الوقائع إلى احتمال ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، من بينها:
- جرائم حرب: تشمل القتل العمد، واستهداف المدنيين، وتدمير المنشآت الصحية، وهو ما يشكل انتهاكًا لاتفاقيات جنيف (الأولى والرابعة، المواد 18 و23 و32).
- التجويع كسلاح حرب: استعمال الحصار والتجويع المتعمّد ينتهك المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول، والمادة 8(2)(ب)(xxv) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
- جرائم ضد الإنسانية: الاستهداف المنهجي للطائفة الدرزية قد يرقى إلى جريمة تطهير عرقي بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي.
لماذا يجب أن يتحرك المجتمع الدولي؟
إن ما يحدث في السويداء يتجاوز كونه مأساة محلية، ليشكل اختبارًا صارخًا لإرادة المجتمع الدولي في:
- حماية المدنيين من سياسات العقاب الجماعي والتجويع الممنهج.
- ضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، من خلال تفعيل الآليات الدولية القائمة.
- كسر دائرة التعتيم وفرض فتح المنطقة أمام التغطية الإعلامية المستقلة.
- تعزيز سيادة القانون الدولي بما فيه من حماية لكافة الشعوب وحقوق الإانسان
ألموقف الأوروبي
يدعم الاتحاد الأوروبي عددًا من المبادرات السورية المحلية في جنوب سوريا، تشمل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وتمكين الإعلام المستقل. غير أن هذا الدعم يتم ضمن أطر إنسانية، ولا يُترجم إلى موقف سياسي أو دعم لحراك مجتمعي بعينه. الاتحاد الأوروبي يعارض أي خطاب أو ممارسة عنفية على خلفية طائفية، ويؤكد في مواقفه الرسمية على ضرورة وحدة الأراضي السورية، وضرورة تسوية النزاع ضمن قرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها القرار 2254.
توصيات عاجلة
- تأمين ممرات إنسانية فورية: تتيح دخول المواد الغذائية والطبية والوقود والفرق الطبية.
- إجراء تحقيق دولي مستقل: وذلك من خلال لجنة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة، توثّق الانتهاكات وتجمع الأدلّة.
- ملاحقة مرتكبي الجرائم: عبر تفعيل الولاية القضائية العالمية ودفع المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق رسمي في أحداث السويداء.
- رفع الحظر الإعلامي: عبر الضغط السياسي والدبلوماسي على السلطات السورية للسماح بدخول وسائل الإعلام الدولية للاطلاع على حقيقة الوضع الميداني في السويداء وريفها وإعداد تقارير عن الانتهاكات المرتكبة بحقّ المدنيين بناء على مشاهدات ميدانية وشهادات الناجين وأهالي الضحايا.
أن ما تشهده السويداء ليس مجرد سلسلة من الأحداث المعزولة، بل هو تكريس لنمط قمعي ممنهج يهدد أسس العدالة والكرامة الإنسانية في سوريا والمنطقة. وإن الصمت لا يبرئ، بل يُدين. إن استهداف الدروز أو العلويين في السويداء، تحت أي مبرر سياسي أو أمني، لا يُمثل فقط تهديدًا للسلم الأهلي، بل يمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي
أهالي السويداء ـ دروزاً ومسيحيين وسنّة ـ يستحقون الحماية والعدالة، ويجب أن يكون صمودهم منارة تُلزم العالم بالتحرك العاجل.
رابط نشر..https://hura7.com/?p=62960


