الخميس, نوفمبر 6, 2025
23.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

السويداء: قراءة مغايرة

محمد علي مقلد

 

جريدة الحرة ـ بيروت 

لماذا السويداء الآن؟ ما الذي حدث واستجد؟ من المسؤول؟ وما الحل؟ تعددت الإجابات. من محاكمة سايكس بيكو إلى الإشادة بمن طمس الصراعات  وأخفاها عقوداً من الزمن، إلى إدانة كل أنواع التعصب الديني، إلى الإجماع على مسؤولية إسرائيل في إشعال الحرائق وتعطيل المطافئ.

قيل هي اشتباكات بين الدروز والبدو. لكن ما الذي حوّل طائشاً من شمال لبنان إلى بدوي في جنوب سوريا؟ وما الذي أيقظ في الرؤوس الحامية نسباً يعود إلى عصر الصحراء، ولماذا  استعصت الصحاري وسكانها على التمدن؟ هل لأن الحاكم سلك الطريق المعاكس وعمل على تصحير المدن؟

دوّن كلود ليفي شتراوس، عالم الاجتماع الفرنسي، مشاهداته في البرازيل التي لجأ إليها هرباً من وحشية الحرب العالمية الثانية، وهي من أوائل البلدان التي استعمرت في العالم ومن أوائل التي تحررت ونالت استقلالها. ابتكرت القبائل المتنازعة فيها حلاً يقضي بأن يختار الرجل زوجته من القبيلة الأخرى وينتقل إلى السكن معها. عند نهاية القرن انتخبت البرازيل رئيساً من صفوف اليسار وفي نهاية ولايته دخل السجن ثم خرج ليعود اليوم إلى القصر الجمهوري رئيساً للمرة الثانية. خمسون عاماً كانت كافية لتنتقل القبائل إلى المدنية والبرازيل إلى الديمقراطية.

خلال الفترة ذاتها مضى الحاكم في بعض بلدان عالمنا العربي في طريق معاكس. قضى على بذور الديمقراطية في سوريا والعراق ومصر بانقلابات عسكرية، ورفع الفكرة القومية التي استلهمها من الغرب إلى مستوى القداسة، مع أن القومية أسوأ ما أنتجه الغرب والرأسمالية.

نقرأ في التاريخ عن الأخلاق والقيم البدوية. إن كان المحاربون في السويداء من البدو فقيمهم وأخلاقهم مما قبل الإسلام. بدوي يمتطي محمولة ويطلق النار من أسلحة حديثة هو أقرب إلى الداعشي بل إلى الميليشيوي منه إلى البدوي. هي أخلاق مسلحين مولودين من رحم أنظمة الاستبداد في سوريا الأسد وعراق صدام وليبيا القذافي ويمن الحوثي وصومال “الشباب” وغيرها من الجمهوريات الوراثية وسلالات الجهل المقدس.

البدوي الذي لم يتعلم من قيم الحضارة الإقطاعية نزوع الإنسان إلى الاستقرار ولا من الرأسمالية الاستثمار في العلم، وظل متمسكاً بالغزو مصدراً للثروة، هو بدوي ما قبل الحضارات، ما قبل الدولة، ما قبل الحداثة. لكن لماذا بعث هذا الصنف من البداوة حياً في بلاد الشرقين العربي والإسلامي دون سواهما؟ بالتأكيد، الدين ليس مسؤولاً، بل متدين باللحية والعمامة أو علماني حكم باسم الدين.

الرأسمالية قدمت حلاً وحشياً لظاهرة البداوة في أميركا باستئصالها الهنود الحمر. لكنها في سائر بلدان العالم، عملت بمضمون الآية، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ومنحت الإنسان الحق في أن يختار على هواه، حياة البداوة أو ناطحات السحاب، التسكع أو الكد أو الاستثمار في الطبيعة وفي العلم، لكن أقدس الحقوق هو الحق في الاختلاف، وأقدس الواجبات واجب الاعتراف بالتنوع والتعدد، أي بالآخر المختلف، وهذه مصطلحات ليست من قاموس الاستبداد.

مدينة حلب في شمال سوريا أنجبت الكواكبي الإصلاحي. هو أول من سلط الضوء على الاستبدادين الديني والسياسي وأدانهما. بعد خمسين عاماً على حكم قومي علماني أقيمت دولة داعش الدينية على الحدود بين سوريا والعراق وتحول الاختلاف بين البعثين إلى حق بإحياء قيم بالية للبداوة.

https://hura7.com/?p=62146

الأكثر قراءة