الخميس, نوفمبر 6, 2025
23.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

الفشل في الدفاع عن الدستور خيانة… والاستقالة واجب

بسام ضو

 

جريدة الحرة ـ بيروت 

إنّ مفهوم “الوطنية الخالصة” يخضع لمؤثرات عدّة، ويتطوّر بتأثيرها تطورًا ملحوظًا. ومع ذلك، ينبغي أن يحتفظ، رغم الظروف المحيطة، بجملة من المبادئ الدستورية والقانونية التي تشكّل ركائز ثابتة لمبدأ حفظ الأمن الوطني.

ومن واجب كل مسؤول، بدءًا برئيس الجمهورية وفريق عمله، بمن فيهم المستشارون المتخصصون، مرورًا برئيس الحكومة والوزراء، وصولًا إلى رئيس مجلس النواب والنواب، أن يحدّدوا الموجبات القانونية للركائز الأمنية الشرعية التي تنهض بمسؤولية حماية الوطن. فلا يجوز تسييس هذه الركائز بحسب متطلبات ظرفية قد تكون مدمّرة للأمن الوطني.

يا أصحاب المسؤولية، يا من أقسمتم، يا أصحاب الضمائر الحيّة،
لم يكن الوطن، في نظر المشرّعين والمواطنين وأصحاب الشأن، إلا مجالًا حيويًا يستوجب السهر على سيادته، وصَون مؤسساته الشرعية، مدنية كانت أم عسكرية.

إنّ اختزال مفهوم السيادة الوطنية في بُعدٍ سطحي أو ظرفي، لا يتعدى الشعور بأن الوطن مجرّد مورد يُستفاد من خيراته عند الطلب، هو أمر مرفوض تمامًا. كذلك يُرفض استباحة السيادة الوطنية باسم مبادئ آنية أو مصالح ظرفية ناجمة عن عجز أو تردّد في مقاربة السيادة التامة والناجزة.

يا أصحاب المسؤولية، يا أصحاب الضمائر، يا من أقسمتم، إنّ تجاوز مفهوم السيادة الكاملة تحت تأثير عوامل سياسية–ميليشياوية ظرفية، هو خيانة للميثاق الوطني والدستور. لقد دخلنا، في ظل هذا الانفلات الأمني المموّه بمنظومات فكرية أصولية شمولية غوغائية، مرحلة تدميرية خطيرة؛ مرحلة هدّامة اجتثّت كل مقومات السيادة الوطنية، وفق منطق توتاليتاري شمولي. وقد بلغنا حقبةً من الخراب والدمار والفوضى السياسية، التي قضت على كل أواصر الديمقراطية، وأفرغت مفهوم الدولة السيدة من مضمونه، لمصلحة دويلة ميليشياوية خرّبت القوانين، وسطت على مقدّرات الدولة، وقوّضت مركزيتها، وهشّمت شخصيتها، وطمست قوميتها الوطنية، وهدّدت تاريخها ومصيرها.

ما يجري اليوم في كواليس المفاوضات بشأن السيادة الوطنية أمرٌ مخزٍ، وما يُنقل عن وسائل إعلامية تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية يكشف عن مطالب بلغت حدّ الوقاحة والفجور في مضمونها. ومن هذه المطالب، ما ورد في مؤتمر “سان كلو”، الذي عُقد بتاريخ 14 تموز 2007 في فرنسا، تحت عنوان “حوار مغلق”، بمبادرة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، عبر وزير خارجيته آنذاك برنار كوشنير، وبمشاركة دول إقليمية معنيّة مباشرة بالأزمة اللبنانية.

اللافت حينها أنّ ما يُعرف بـ”قيادات الصف الأول” امتنعت عن المشاركة لأسباب مختلفة. أما المشاركون عن الطائفة الشيعية، المحسوبون على ميليشيا “حزب الله”، فقد اعتبروا أن أي اتفاق قد يُبرم سيكون مجحفًا بحقهم. والأخطر أنهم حملوا مسوّدة مطالب تتضمن بنودًا غير مسبوقة، منها على سبيل المثال: تعيين نائبٍ لرئيس الجمهورية من الطائفة الشيعية؛ إجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي؛ تعديل جوهري على مبدأ المناصفة؛ وتقاسم قيادة الجيش. أي أننا أمام مطالب ميليشياوية تهدف إلى السيطرة على مواقع أساسية في بنية الدولة، وهو ما يُعاد طرحه اليوم بوسائل مختلفة، عبر أوراقٍ حملها عدد من الموفدين الدبلوماسيين العرب والدوليين.

مفهوم السيادة لدى هذه الميليشيا مشوبٌ بارتباطات إقليمية وولاءٍ مطلق للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفق ما يعلنه مسؤولوها جهارًا. وهي تتبنى نهجًا يتماشى مع السياسات الإيرانية في المنطقة، متحرّرة تدريجيًا من الأنظمة والقوانين اللبنانية. هذا التوجه ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى ما فُرض من شروط خلال مؤتمر “سان كلو”.

إنّ المنطق القانوني يفرض الولاء للوطن، والاعتراف المطلق وغير المشروط بسيادته، والالتزام بالقوانين المرعية الإجراء، لا ضرب الصيغة، ولا التنكّر لما تَمثّله وثيقة الوفاق الوطني من مرجعية. وأي مسّ بهذه الصيغة في ظل الضعف الحالي للزعامات الوطنية يُعد أمرًا بالغ الخطورة، ويستوجب المعالجة العاجلة، شكلًا ومضمونًا.

الولاء للجمهورية اللبنانية ليس شعارًا، بل هو إنتاجٌ وطني دائم، وبناءٌ هيكلي مستمر. وأي مكوّن سياسي يستوفي شروط المواطنة، وفق قانون الأحزاب والجمعيات وتعديلاته، وخاصة في ما يتعلق بالولاء للوطن ومؤسساته، له وحده، حصريًا، الحق الدستوري والقانوني في المطالبة بالتغيير، بناءً على قدراته الوطنية والشرعية، وإمكاناته في الدفاع عن الحقوق.

أما من لا يستوفي هذه الشروط، وتتميّز مسيرته بالارتهان للخارج، فلا يحق له دستوريًا أو أخلاقيًا رفع أي مطلب. ونُعدد بعض الأسباب الدامغة لذلك:

  • ارتهانه لجهات أجنبية وممارساته الخارجة عن الشرعية
  • عدم حصرية تمثيله لبيئته، وممارساته المخالفة داخل هذه البيئة نفسها
  • امتلاكه للسلاح تحت ذريعة الدفاع عن لبنان، في حين يُناقض الواقع هذا الادّعاء، خصوصًا بالاستناد إلى وثيقة الوفاق الوطني التي نصّت على حصرية السلاح بيد الدولة، وقانون الدفاع الوطني

فهل يدرك المسؤولون الرسميون، ومن يعاونهم، ورؤساء الأحزاب، وكل المقامات الروحية، أنّ للدستور سيادة يجب صَونها في جميع الظروف؟

هل يعلم هؤلاء، من الرسميين والروحيين، أن النصوص الدستورية تسمو على كل القوانين؟ وأن من أبرز أحكام الدستور: الجمهورية اللبنانية دولة مستقلة، موحدة، ذات سيادة تامة؛ الحدود معترف بها دوليًا؛ حقوق اللبنانيين وحرياتهم مضمونة نصًا؛ الحريات الشخصية، وحرية المعتقد، والفكر، والتعليم محفوظة بالدستور.

وللذين يزايدون باسم الحريات نقول: إن القانون نفسه ينص على الآتي: “لا يجوز إبداء الرأي بالقول أو التأليف أو النشر بما يمسّ أمن الدولة الداخلي، كإثارة العصيان المسلح ضد الحكومة، أو تحريك النعرات الدينية والعنصرية، أو إشاعة الذعر بين الناس في ما يتعلق بمكانة الدولة…”

أيها المسؤول، طبّق القانون ولا تتهاون. وإن لم تكن قادرًا على تنفيذ ما التزمت به، فلك خياران لا ثالث لهما: إما الاعتراف بالفشل، والسعي الفوري إلى تعديل سياساتك من خلال تشكيل حكومة جديدة أو تقديم استقالتك، وفسح المجال أمام نظامٍ انتقالي قادر على إنقاذ الدولة.

كاتب وباحث سياسي

https://hura7.com/?p=62756

الأكثر قراءة