أمل خليل
جريدة الحرة ـ بيروت
يتوجّس اللبنانيون عموماً، والمودعون خصوصاً، من كل حديث يدور حول “تسوية سياسية” يُقال إنها حصلت، وتتعلق بالقطاع المصرفي والتعيينات المالية. وهذا توجّس مبرَّر، لأن من أبرز الدروس المستخلصة من الانهيار المالي الذي وقع قبل ستّ سنوات، وما زلنا عالقين في تداعياته، هو أن المنظومة السياسية-المصرفية لعبت دوراً أساسياً في تبخّر أموال المودعين من المصارف، وهي المسؤولة عن تهريب أموال النافذين إلى الخارج، على حساب أموال باقي اللبنانيين.
في الأسبوع الماضي، حصل تطوران مهمّان على صعيد قانون إصلاح المصارف، الذي يُدرس في مجلس النواب، والتعيينات المالية في مصرف لبنان.
في التطور الأول، تخطّى مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف (إصلاح المصارف) أبرز العراقيل، إذ تمّت تسوية الخلاف بين الحكومة والمصرف المركزي حول الجهة التي ستدير عملية إعادة الهيكلة. الحلّ الوسطي يقوم على الإبقاء على خيار الاعتماد على الهيئة المصرفية العليا، وفقاً لطرح الحكومة، مع توزيع عمل الهيئة على غرفتين (كما اقترح حاكم مصرف لبنان كريم سعيد):
- غرفة أولى تتولى فرض العقوبات على المصارف المخالفة، وهو ما يُعرف بالدور التأديبي الموكل أساساً إلى الهيئة اليوم.
- غرفة ثانية تختصّ بأعمال إعادة الهيكلة، أي تصفية المصارف، أو فرض إصلاح أوضاعها، أو إعادة تنظيمها. أي كل ما يتعلق بالأوضاع الطارئة والاستثنائية، كالتي يعيشها القطاع المصرفي حالياً.
في التطور الثاني، أي التعيينات المالية في مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، فقد أُنجزت بوضوح وفقاً لمعايير المحاصصة الطائفية ورعاية المصالح المصرفية، فيما رُميت الآلية التي أعدّتها حكومة الرئيس نواف سلام لإتمام التعيينات في سلّة المهملات.
لذا، يُصبح من المشروع التساؤل: ما هي الضمانات التي يمكن أن يستند إليها المودعون، ليطمئنّوا إلى أن الحلول التي ستقترحها الهيئة ومصرف لبنان، لن تكون – هذه المرّة أيضاً – على حسابهم؟

ضو: الهيئة المصرفية لا تملك صلاحية البتّ في إعادة أموال المودعين
يؤكد عضو لجنة المال والموازنة النيابية، النائب مارك ضو، في تصريح لجريدة “الحرة”، أن الاتفاق حول الهيئة المصرفية العليا يستند إلى الآليات الواردة في قانون النقد والتسليف، وأن ما تقوم به اللجنة هو تحسين تلك الآليات في ضوء الأزمة المالية الراهنة، مشدداً على أن قانون إصلاح المصارف الجاري درسه، والذي تُشكّل الهيئة المصرفية العليا عماده الأساسي، يهدف إلى تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في القانون، ولا يمنح الهيئة صلاحية البتّ في مسألة إعادة أموال المودعين.
ويُوضح أن “المسؤول عن هذا الملف هو قانون الفجوة المالية. فـقانون إصلاح المصارف يتعلق فقط بإعادة انتظام القطاع المصرفي، أي تحديد المصارف التي ستُصفّى وتخرج من السوق وتلك التي ستستمر، وهو ما لا يمكن تنفيذه إلا بعد إقرار قانون الفجوة المالية، الذي يحدّد المستحقات المالية الواجب على كل مصرف تأمينها. عندها، تتضح الإمكانيات المالية لكل مصرف، وفي حال تبيّن أنه عاجز عن تسديد التزاماته، تُباشَر عملية تصفيته، وهنا يأتي دور الهيئة المصرفية العليا في تحديد آلية التصفية”.
ويجزم ضو بأن أي مودِع معنيٌّ مباشرة بإقرار هذا القانون، لأنه يضع الآلية اللازمة لإعادة هيكلة المصارف، يليها احتساب وفحص الوضع المالي لكل مصرف. وانتقد ضو “التعيينات المالية الأخيرة”، معتبراً أنها لا تتمتع بالشفافية الكافية، خصوصاً في ما يتعلق بالآلية المعتمدة لاختيار المرشحين، سائلاً: “من غير المقبول أن يُجدد لنصف نواب الحاكم، ويُغيَّر النصف الآخر. السؤال يُوجّه إلى مجلس الوزراء: على أي أساس تمّت هذه التعيينات؟”.
ويطالب ضو الحكومة بالإسراع في إنجاز قانون الفجوة المالية، مشيراً إلى أن “حاكم مصرف لبنان، خلال مشاركته في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، صرّح بأنه لن يتم إعداد مسودة لهذا القانون قبل إنجاز التدقيق في أوضاع المصارف، وبعدها يمكن بناء أرضية تشريعية له. وحتى الآن، لم يكتمل التدقيق، والكرة في ملعب الحكومة ومصرف لبنان”.
ويختم بالقول: “من شروط صندوق النقد الدولي إنجاز تدقيق شامل في 14 مجموعة مصرفية كبرى تمثل 92% من مجمل الودائع. ولتحقيق ذلك، يجب إجراء مناقصة والاستعانة بشركات تدقيق عالمية متخصصة، لوضع تقارير مفصلة عن أوضاع هذه المصارف وحجم الفجوات المالية فيها. بناءً على هذه التقارير، يمكن إعداد قانون الفجوة المالية وتحديد ما قد ينتج عنه، ليتمكن مجلس النواب من فهم تأثيراته على المودعين قبل التصويت عليه”.

حمود: إقرار “إصلاح المصارف” و”الفجوة المالية” يجب أن يسبق الانتخابات
من جهته، يُوضح مستشار وزير المالية، الدكتور سمير حمود، في حديث لـ”الحرة”، أن الهيئة المصرفية العليا ليست طرفاً في النزاع بين المودعين والمصارف، بل هي هيئة أنشئت عام 1967، وتولّت صلاحية فرض العقوبات المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف (المادتان 108 و109)، والتي كانت سابقاً منوطة بلجنة الرقابة أو المصارف نفسها في حال وجود مخالفات.
وأضاف أن دور الهيئة شمل تنفيذ العقوبات، أو إيجاد حلول للمصارف المخالفة من خلال تعيين مدير مؤقت أو تطبيق القوانين السارية، ولا سيما القانون 110/91.
ولفت حمود إلى أن وزارة المالية كانت ترغب في أن تكون الهيئة موحدة ضمن قانون إصلاح المصارف، في حين اقترح الحاكم تقسيمها إلى غرفتين: واحدة مختصة بالإصلاح والثانية بالعقوبات. وبهدف تسهيل الأمور وتسريع إقرار القانون، تم التوافق على هذه الصيغة، معتبراً أن “هذا التعديل لا يؤثر على جوهر الصلاحيات، طالما أن الهيئة تمتلك سلطة اتخاذ القرار بشأن إصلاح المصرف أو تصفيته، وفقاً للقانون”.
ويضيف: “المصارف المتعثّرة، والتي لا تغطي موجوداتها مطلوباتها، لن تستمر ويجب أن تخضع للقانون، وهذا أمر معمول به في جميع دول العالم. وعند تنفيذ التصفية، نحن حريصون على أن تغطي الموجودات المطلوبات، بدءاً بالمودعين، على أن يتحمل الخسائر أولاً المساهمون وليس المودعون”.
ويُشدّد على أن وزارة المالية هي الجهة المسؤولة عن إعداد قانون الفجوة المالية، فيما يلعب مصرف لبنان دوراً في ذلك، خصوصاً بعد استكمال التعيينات المالية فيه، إذ من المفترض أن يُقدّم تصوّره حول كيفية إعادة الأموال.
ويتابع: “يُثار تساؤل حول ما إذا كان للمجلس النيابي دور في إقرار القانون بالشكل الذي قد يحمّل المصارف والمودعين بعض الخسائر، خصوصاً أننا على أبواب انتخابات نيابية، أم سيتم تأجيل الملف إلى ما بعد الاستحقاق الانتخابي؟ وهناك من يرى أن للمجلس الحالي مصلحة في إقرار قانون يُقدّم حلولاً عادلة للمودعين والمصارف على حدّ سواء”.
ويختم بالتأكيد على أن هذا النقاش لا يزال سابقاً لأوانه، إلا أن الأولوية الآن هي في إقرار قانون إصلاح المصارف في أقرب وقت، ثم التحضير لقانون الفجوة المالية. “أعتقد أن ذلك يجب أن يتم قبل الانتخابات النيابية المقبلة، بما يضمن، إلى أقصى حد، حماية حقوق المودعين. فعلى المدى القصير، سيتم ردّ الودائع الصغيرة، أما الودائع الأكبر فستُعتمد لها أدوات أخرى لضمان استردادها. ولا يمكن تنفيذ هذه الآلية قبل أن يضع مصرف لبنان تصوره الكامل لإعادة الودائع، لأن القانون الذي سنضعه يجب أن يكون قابلاً للتطبيق، وهدفه الأساسي هو إعادة الأموال لأصحابها”.

أفيوني: التحدي الأكبر يكمن في الاتفاق على قانون الفجوة المالية
من جهته، يؤكد الوزير السابق والخبير في الأسواق المالية، عادل أفيوني، في تصريح لـ”الحرة”، أن كل خطوة تُنجز في إطار القوانين المالية الإصلاحية، وكذلك في ملف التعيينات المالية، تُعتبر خطوة إيجابية، وتقرّبنا أكثر من الوصول إلى حل شامل وعادل لأزمة المودعين، ومن إعادة بناء القطاع المصرفي”.
ويعتبر أن الاتفاق على صيغة وسط بشأن تشكيل الهيئة العليا وصلاحياتها، إلى جانب التوافق على التعيينات المالية، يُشكّلان خطوات مهمة وضرورية وإيجابية. “شخصياً، كنت أفضل في ما يخص الهيئة العليا اعتماد حل إصلاحي جذري يتجاوز ما اقترحته الحكومة، ويذهب أبعد من التسوية التي تم التوصل إليها. فمبادئ الحوكمة المالية والمصرفية الرشيدة، المعتمدة اليوم في الدول المتقدّمة، تؤكد على ضرورة استقلالية الهيئات الرقابية والتأديبية عن المصرف المركزي”.
ويُشدّد أفيوني على أن لكل مؤسسة دورها وصلاحياتها. ولم يعد من المقبول أن يجمع المصرف المركزي كل هذه السلطات في مؤسسة واحدة. “إن حصر السياسة النقدية والمصرفية، ورقابة المؤسسات المالية، ومحاسبتها، ومراقبة أسواق المال والأدوات المالية تحت مظلة واحدة، يتعارض مع التوجهات العالمية وأبسط مبادئ الحوكمة. هذه الممارسات تنتمي إلى حقبة مضت، وقد دفعنا ثمناً باهظاً بسبب هذا التركيز في السلطة”.
هذا ويعتبر أن الخلاف على الصلاحيات وتوزيع المراكز والسلطات هو تفصيل غير مصيري، ولا يرقى لأن يكون سبباً في تأخير مسار إنجاز القانون بهذا الشكل. “لا يمكن إنكار أن هذا الخلاف والتأخر في حسمه يعكسان صعوبة إطلاق المسار الإصلاحي بسرعة وحزم، كما يتطلع إليه المودعون الذين طال انتظارهم، كما يعكسان حجم العقبات التي تواجه هذا المسار، والثقل الذي تُلقيه الحسابات السياسية والمحاصصة على مسيرة الإنقاذ. لا أتوقع الكمال، لكن المطلوب مزيد من الإلحاح في التقدم بملف الأزمة المالية، ومعالجة كارثة المودعين الذين يعانون منذ أكثر من ست سنوات. من حقهم أن تقدّم لهم السلطات حلاً شاملاً ومنفذاً من هذه المحنة، ولا يجوز أن تؤخر المصالح الشخصية والمناكفات الطائفية هذا المسار”.
ويلفت إلى أن الإصلاحات التي أُقرّت حتى الآن، وعلى أهميتها، لا تشكل سوى المرحلة الأولى من الحل. أما التحدي الأكبر، فهو الاتفاق على قانون الفجوة المالية، الذي لا يزال حتى الآن قيد النقاش وبوتيرة بطيئة. وعلى جميع الفرقاء في السلطة تعبئة طاقاتهم للتقدّم في هذا القانون بطريقة عادلة، جذرية، وشفافة، لأن الإصلاحات لن تكتمل من دونه، ولن يستعيد المودعون حقوقهم إلا بعد إقراره.
ويختم أفيوني بالتحذير: “ما أخشاه هو أن يستغرق النقاش حول قانون معالجة الفجوة المالية وقتاً طويلاً، كما حصل في موضوع الهيئة المصرفية العليا. نحن على أبواب انتخابات نيابية بعد أقل من عشرة أشهر، ومع دخول القوى السياسية في أجواء التحضير لها، ستتراجع قابليتها لإقرار إصلاحات جذرية، وقد تؤجَّل القرارات المصيرية إلى ما بعد الانتخابات. لذا، من الضروري الإسراع في هذا الملف، وفرض وتيرة أسرع للوصول إلى قانون يُعيد الحقوق لأصحابها، ويطلق عملية إنقاذ القطاع المصرفي. فنحن بأمسّ الحاجة إلى مصارف فاعلة، إذ لا نمو اقتصادي ولا انتعاش من دون قطاع مصرفي سليم”.

خوري: قانون الفجوة الماليّة مفتاح استعادة ثقة المودعين
من جهته، يؤكد الوزير السابق وعضو مجلس الإدارة التنفيذي في “سيدروس إنفست بنك”، رائد خوري، في حديثه إلى “الحرة”، أن قانون إصلاح المصارف يجب أن يُقرّ، وهو من المتطلبات الأساسية لصندوق النقد الدولي.
ويشير إلى أنه “كان هناك خلاف بين حاكم مصرف لبنان ووزارة المالية حول صلاحيات الهيئة المصرفية العليا، إلى أن تم التوصل إلى توافق بشأنها”.
ويلفت إلى وجود ملاحظات على النسخة التي تم الاتفاق عليها، من بينها مسألة المراجعات التي يمكن للمصارف تقديمها بشأن قرارات الهيئة، وما إذا كانت هذه القرارات قابلة للطعن أم لا، وهو أمر مشروع وأساسي في أي قانون. “القانون الأهم هو قانون الفجوة المالية، الذي لا نعلم متى سيُنجز، رغم وجود ضغوط كبيرة لإقراره. ومن المهم الإسراع في إنجازه لكي تستعيد المصارف ثقة المودعين، إذ إن استمرار المماطلة منذ ست سنوات لا يصبّ في مصلحة أحد. يجب إيجاد حل للمصارف: هل ستستمر؟ ما هو حجم رأس المال الذي عليها تأمينه؟ ما نسبة مساهمة الدولة؟ وغيرها من التفاصيل اللازمة لإعادة انتظام القطاع المصرفي. فمن دون هذه الشروط، لا يمكن لهذا القطاع أن يستعيد عافيته أو يؤدي دوره المطلوب”.


