الأحد, فبراير 9, 2025
0.2 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

المحكمة العسكرية اللبنانية: لحماية الأمن أم لقمع المعارضة؟ بقلم: طوني بولس

الحرة بيروت

toni boulos

إندبندنت ـ شهدت المحكمة العسكرية في لبنان أخيراً تغييرات لافتة، أبرزها التعيينات التي أجراها رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون بعد أيام على انتخابه، من دون استشارة القوى السياسية، وعلى رأسها “حزب الله”، ضمن خطوة غير مسبوقة، إذ كثيراً ما ارتبطت تعيينات المحكمة العسكرية بالمحاصصة الطائفية والحزبية.

ويعتبر المراقبون أن أهمية إصدار مرسوم تعيين رؤساء وأعضاء المحكمة العسكرية لعام 2025، ليس مجرد تغيير في الأسماء أو المناصب، بل هو مؤشر إلى توجه جديد في بداية العهد الجديد، يعيد تشكيل هذه المحكمة بعيداً من السياسة والمصالح الحزبية، إذ كثيراً ما شكت القوى السياسية المعارضة في السنوات الماضية من أن تلك المحكمة باتت أداة لتصفية الحسابات السياسية واستخدامها للترهيب وتقويض الديمقراطية في البلاد، وفبركة الملفات القضائية تحت مسمى “إرهاب” أو عمالة لإسرائيل.

وكثيراً ما كانت المحكمة العسكرية في لبنان محطّ انتقادات قانونية شديدة، بخاصة في ما يتعلق بصلاحياتها الواسعة، التي تتجاوز في بعض الأحيان اختصاصات المحاكم العسكرية المعترف بها دولياً، ومنها محاكمة المدنيين المتهمين بقضايا الإرهاب والتعامل مع إسرائيل، وغيرها من الملفات الحساسة والمعقدة التي تحتاج إلى محاكم متخصصة.

صلاحيات غامضة

وفي هذا السياق، تكشف الناشطة الحقوقية المحامية ديالا شحادة عن أنه على مدى الأعوام الـ10 الماضية، قُدّم ما لا يقل عن ثلاثة مشاريع قوانين لتعديل قانون القضاء العسكري، معتبرة أن قضية المحكمة العسكرية في لبنان تعتبر واحدة من القضايا الحقوقية الملحّة التي تستدعي تدخلاً سريعاً لإصلاح الواقع القانوني والقضائي القائم.

وتشير إلى أن اختصاص المحكمة العسكرية لا يزال غامضاً إلى حد كبير، بسبب وجود مادة في قانون القضاء العسكري تنص على أن أي هجوم ضد المؤسسة العسكرية يحاكم في هذه المحكمة. وبموجب هذه المادة يمكن للمفوض العام لدى المحكمة العسكرية، أي رئيس النيابة العامة العسكرية، إحالة أي قضية يعدّها هجوماً على المؤسسة العسكرية إلى المحكمة العسكرية، مما يسهل استغلال هذه الصلاحية وتحويل المحكمة إلى أداة سياسية بيد السلطات.

وبرأيها، كان من المفترض أن تكون محكمة استثنائية تختص بالنظر في القضايا التي تتعلق بأفراد المؤسسات العسكرية مثل الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، عندما يرتكبون جرائم أثناء تأدية مهامهم. ولكن، مع مرور الوقت، توسعت صلاحيات المحكمة لتشمل جرائم متنوعة تتراوح ما بين إطلاق النار والجرائم الإرهابية، مما يتناقض مع هدفها الأساس ويثير تساؤلات حول مشروعية هذه التوسعات.

وتؤكد شحادة أن المحكمة العسكرية تتعامل مع قضايا تتعلق بالأمن الوطني ورفاهية الناس، مثل حوادث خلدة والطيونة (جنوب بيروت) (اشتباكات بين مواطنين و”حزب الله”)، وقضايا الإرهاب مثل أحداث “نهر البارد” وصيدا (المخيمات الفلسطينية)، وقضية ميشال سماحة (متهم بالقيام بتفجيرات في لبنان لمصلحة النظام السوري)، وكذلك مطاردة الخلايا الإرهابية. وتتعامل المحكمة مع قضايا متعلقة بالثورة السورية والنزاع المسلح الداخلي في سوريا. وشهدت هذه القضايا زيادة ملحوظة بعد تدخل “حزب الله” في النزاع السوري مما أدى إلى استهداف الجماعات المسلحة داخل لبنان.

وتلفت شحادة إلى أن هناك كثيراً من التجاوزات في تعامل المحكمة العسكرية مع حقوق الإنسان، إذ يعاني المعتقلون انتهاك حقوقهم القانونية والإنسانية. ففي كثير من الحالات يُحرم المعتقلون من الوصول إلى محام أو التواصل مع عائلاتهم، فضلاً عن استخدام التعذيب لاستخراج اعترافات كاذبة. وتؤكد أن هناك مشكلات عديدة تواجه المدنيين الذين يلجأون إلى المحكمة العسكرية للمطالبة بمحاكمة الجنود الذين ارتكبوا جرائم في حقهم، إذ يحرم هؤلاء من حق تمثيلهم بمحام أو المشاركة في الدعوى، مما يجعلهم عاجزين عن الطعن في الأحكام الصادرة ضدهم.

وتشير إلى أن النيابة العامة العسكرية تتمتع بسلطة واسعة تتيح لها متابعة أي شخص في أي مكان، كما حدث مع المعتقلين في انتفاضة الـ17 من تشرين الأول/أكتوبر. في ذلك الوقت، كان العذر هو منع المتظاهرين من قطع الطرقات أو تعطيل الوصول إلى المؤسسات الدستورية، ومن ثم عُوملت حرية التعبير والتجمع والاحتجاجات الغاضبة على أنها جرائم يجب التعامل معها بشدة.

“النظام” والحزب

وأُسست المحكمة العسكرية في لبنان كجزء من الهيكلية القضائية الخاصة بالقضايا العسكرية، إلا أنها تطورت لتصبح مؤسسة ذات طابع سياسي بامتياز، كما يقول منتقدوها، خصوصاً في ظل الهيمنة السورية التي استمرت حتى عام 2005.

وبعد انسحاب القوات السورية انتقل النفوذ إلى “حزب الله”، الذي وجد في المحكمة العسكرية وسيلة لتثبيت سيطرته وترهيب خصومه السياسيين، وأحكم السيطرة عليها من خلال تعيينات القضاة وضباط التحقيق، مما أثار شبهات حول استقلاليتها ودورها في تعزيز العدالة.

ووجهت انتقادات واسعة للمحكمة العسكرية في شأن دورها في تقويض الديمقراطية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الاعتقالات التي طاولت ناشطين وصحافيين تحت تسميات فضفاضة مثل “إضعاف الشعور الوطني” أو “المساس بأمن الدولة”. وأثارت هذه الممارسات استياءً شعبياً وحقوقياً، إذ اعتبرت المحكمة أداة للتنكيل بالخصوم السياسيين بدلاً من كونها مؤسسة تهدف إلى تحقيق العدالة.

وفي هذا الإطار وصف النائب أشرف ريفي، الذي كان قد تولى وزارة العدل، وكان من أبرز المطالبين بإلغاء المحكمة العسكرية، وصفها بأنها “محكمة سياسية أكثر من كونها قضائية”، ودعا إلى تقليص صلاحياتها وحصرها بالقضايا العسكرية فحسب، معتبراً أنها استخدمت كذراع قضائية لمعاقبة معارضي “حزب الله” تحت ذريعة “الإرهاب”، أو “التعامل مع إسرائيل”، وغالباً ما استخدمت بصورة مفرطة وغير مدعومة بأدلة دامغة، كانت كفيلة بتقويض الثقة العامة بالمؤسسة وتحويلها إلى وسيلة قمع سياسي.

إلغاء القضاء العسكري

من جانبه أكد المحامي والناشط الحقوقي محمد صبلوح ضرورة إلغاء القضاء العسكري بصورة نهائية “لأن هذا القضاء لا يطبق العدالة بصورة حقيقية، بل يسهم في خلق بيئة من الظلم والتعسف في حق المدنيين”، مشيراً إلى أن القضاء العسكري في لبنان شهد كثيراً من التجاوزات في معالجة القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، وذكر كثيراً من الحالات التي تعرض فيها المواطنون للتعذيب والظلم تحت يد هذا القضاء.

وتحدث صبلوح عن التلاعب بالملفات القضائية من قبل الأجهزة الأمنية، إذ فُبركت القضايا في عديد من الأحيان، وقال: “اتهمت الأجهزة الأمنية بخلق التطرف، وهذا ما فعله القضاء العسكري، إذ يلفق القضايا ويحولها إلى قضايا إرهاب من دون وجود دليل حقيقي”، مضيفاً أن هناك كثيراً من الشباب من مناطق معينة في لبنان، مثل طرابلس (شمال)، يُستهدفون بصورة غير مبررة، “إذ يُتهمون بالإرهاب لمجرد أنهم من تلك المناطق”. واعتبر أن هذا الأمر يشير إلى وجود سياسة تمييزية وتجاهل لحقوق الإنسان، مما يعمق الفجوة بين اللبنانيين ويزيد من تعقيد الأوضاع الاجتماعية.

ووجه صبلوح انتقادات لاذعة إلى السلطات اللبنانية، مشيراً إلى أن القضاء العسكري أصبح أداة لتثبيت السلطة وحماية مصالح القوى المسيطرة. وقال: “من يحاول تغيير هذا الوضع، يعتبر عميلاً أو إرهابياً. هذا هو الواقع المؤلم الذي نعيشه في لبنان اليوم”، وطالب بتفعيل القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والعمل على تطبيقها في لبنان، مؤكداً أن التزام لبنان الاتفاقات الدولية يجب أن يترجم إلى إصلاحات حقيقية في النظام القضائي، وعلى رأسها إلغاء القضاء العسكري.

الأمن القومي

في المقابل دافع مصدر قضائي مسؤول في المحكمة العسكرية (غير مصرح له بالتصريح) عن دور المحكمة، معتبراً أنها استطاعت حماية لبنان من كثير من الأخطار المحدقة عبر ملاحقتها شبكات إرهابية وشبكات تجسس معادية. وأشار إلى أن المحكمة العسكرية لعبت دوراً حاسماً في التصدي للأعمال التي تستهدف استقرار الدولة وأمنها، خصوصاً في ظل الظروف الأمنية المضطربة التي يمر بها لبنان، وبعد الانتظام اللبناني في الصراع السوري الذي أدى إلى تهديدات مباشرة من الجماعات المتطرفة داخل الأراضي اللبنانية.

وأوضح أن القضاء الجزائي العادي لا يستطيع ملاحقة القضايا التي تمس بأمن الدولة، مثل قضايا الخيانة والتجسس أو التورط في شبكات إرهابية. فهذه الجرائم تتطلب اختصاصاً خاصاً يفهم طبيعة هذه القضايا الحساسة ويعمل ضمن إطار أمني يضمن حماية المعلومات والأدلة. والمحكمة العسكرية، وفقاً لهذا الرأي، تعتبر ضرورية لاستمرار الحفاظ على استقرار البلاد في وجه التهديدات المتزايدة، فهي توفر بيئة قانونية متخصصة لملاحقة الجرائم التي تهدد الأمن الوطني وتحاكم الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم تمس بسيادة الدولة وأمن مواطنيها، مع الحفاظ على المعايير القانونية والحقوقية الدولية، لا سيما في تسريع الإجراءات القانونية، مما يمنع التأخير في التحقيقات والمحاكمات، خلافاً للوضع السائد أمام محاكم القضاء العدلي.

ولفت إلى أن المحكمة العسكرية لا تعمل بمعزل عن المبادئ الأساسية التي تحكم العدالة، إذ توجد ضمانات قانونية للمعتقلين والمتهمين، ومنها الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة. إلا أن المحكمة، حسب قوله، تخصص، بالدرجة الأولى، في النظر في الجرائم التي تتعلق بالأمن الوطني، وهي قادرة على التعامل مع القضايا التي تشكل تهديداً كبيراً للبنان.

https://hura7.com/?p=42889

 

الأكثر قراءة