الأحد, يوليو 13, 2025
28.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

الناتو ـ ماذا يعني الانسحاب العسكري الأمريكي بالنسبة للأمن الأوروبي؟

خاص ـ أعلن الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي، ماثيو ويتيكر، في 16 مايو 2025 أن واشنطن ستبدأ مشاورات مع الحلفاء الأوروبيين بشأن خفض القوات الأمريكية. وأكد في حديثه في مؤتمر الأمن في إستونيا أن العملية ستتكشف بعد قمة الناتو في لاهاي في يونيو 2025. وفي أعقاب حرب أوكرانيا عام 2022، نشرت الولايات المتحدة أو مددت حوالي 20 ألف جندي إضافي من القوات المسلحة إلى أوروبا.

اعتباراً من ديسمبر 2024، بلغ إجمالي تمركز القوات الأمريكية في أوروبا، بما في ذلك القوات المتمركزة بشكل دائم، حوالى 80 ألف عسكري. ويشمل ذلك النشر الدوري لما يصل إلى فريقين قتاليين من اللواء في وسط وشرق أوروبا وحوالى 10 آلاف جندي في بولندا، بما في ذلك 800 جندي تم نشرهم في مجموعة قتالية تابعة لحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة. ويُعد الوجود العسكري الأمريكي المتزايد جزءاً من تعزيز موقف الدفاع والردع لحلف الناتو في الجزء الشرقي من التحالف. وقد انتشرت قوات الحلفاء في المنطقة لأول مرة في تاريخ حلف الناتو بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2014.

على الرغم من جهود ويتيكر لطمأنة الشركاء الأوروبيين بأن أي تغييرات في القوات ستُنسّق بعناية لتجنب أي ثغرات أمنية، إلا أن تصريحاته أثارت مخاوف في أوروبا بشأن التزامات الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، فإن هذه المخاوف ليست جديدة، فقد صرّح وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، لحلفاء الناتو في فبراير 2025 بأن “الحقائق الاستراتيجية الصارخة تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من التركيز بشكل أساسي على الأمن في أوروبا “.

لقد أجّجت هذه التعليقات، إلى جانب تهديدات ترامب بعدم حماية أعضاء الناتو الذين ينفقون القليل جداً على الدفاع، وتردده في مواصلة دعم حرب أوكرانيا ضد روسيا، مخاوف أوروبية بشأن التزامات الولايات المتحدة طويلة الأمد تجاه التحالف عبر الأطلسي، وأعادت إشعال النقاشات حول الردع النووي الأوروبي.

مع تزايد الشكوك حول موثوقية الولايات المتحدة وخطاب إدارة ترامب العدائي تجاه أوروبا، بدأ الأوروبيون يشعرون بالقلق من احتمال سحب واشنطن لأسلحتها النووية المنتشرة في الدول الأوروبية. هذه الأسلحة منتشرة في قواعد في عدة دول (بلجيكا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، وتركيا) كجزء من اتفاقية تقاسم الأسلحة النووية مع حلفاء الناتو.

تشير التقديرات إلى وجود ما بين 100 و480 قنبلة جاذبية من طراز B-61 منتشرة في أوروبا. لم تقترح الولايات المتحدة حتى الآن سحب أسلحتها النووية من أوروبا، إلا أن تصريحات الرئيس ترامب التي تشير إلى افتقاره إلى العزم على دعم الحلفاء الأوروبيين في الأزمات تُثير الشكوك حول قدرة الردع الأمريكية.

إن المخاوف بشأن قوة الردع الأوروبية مفهومة في ظل خطر عودة ظهور الأسلحة النووية بشكل لم نشهده منذ ذروة الحرب الباردة. ومع ذلك، فإن الحلول التي اقترحها بعض القادة الأوروبيين حتى الآن لا تبدو عملية.

في الخامس من مارس 2025، أعلن الرئيس ماكرون أن فرنسا ستفتح حواراً استراتيجياً حول إمكانية توسيع نطاق ردعها النووي لحماية دول أوروبية أخرى، وكيفية ذلك. وجاء إعلان ماكرون رداً على اقتراح المستشار الألماني فريدريش ميرتس بأن فرنسا والمملكة المتحدة يمكنهما معاً توفير ضمانات ردع موسعة لأوروبا، إلا أن ميرتس حذّر من أن الأسلحة الأوروبية لا يمكن أن تكون سوى مُكمّل للترتيبات الأمريكية القائمة.

من المهم التأكيد على أن الترسانات النووية الفرنسية والبريطانية تختلف عن الترسانة الأمريكية من حيث الحجم ومنصات الإطلاق. إذ تمتلك فرنسا أسلحة نووية تُطلق من الجو ومن الغواصات، بينما ثمة في حوزة المملكة المتحدة أسلحة نووية تُطلق من الغواصات فقط. علاوة على ذلك، تعتمد الترسانة النووية البريطانية بشكل كبير على التكنولوجيا الأمريكية.

وبدلاً من ذلك، فإن الترسانة النووية الفرنسية، التي تُقدَّر بحوالى 290 رأساً حربياً، مستقلة تماماً عن الولايات المتحدة. ويمكن لفرنسا إنتاج جميع المكونات محلياً. وفي حين أن ترسانة نووية مكونة من 290 رأساً حربياً تُشكل تهديداً كبيراً، إلا أنها تتضاءل مقارنة بالترسانات الأمريكية والروسية التي يزيد حجمها بحوالى 20 مرة عن الترسانة الفرنسية. بدورها، تمتلك المملكة المتحدة أسلحة نووية أقل، لكنها توفر بالفعل ضمان ردع موسعاً لأعضاء الناتو الآخرين من خلال كونها عضواً في مجموعة التخطيط النووي التابعة لحلف الناتو (NPG).

قد خصصت المملكة المتحدة أسلحتها النووية لحماية أوروبا. وعلى النقيض من ذلك، فإن فرنسا ليست عضواً في مجموعة التخطيط النووي، وعقيدتها النووية مصممة لحماية أراضيها فقط. كما لن يكفي نقل الأسلحة والطائرات النووية الفرنسية إلى دول أخرى لتوفير مظلة نووية. لذا، سيتعين على الحلفاء الأوروبيين حلّ مشكلة التنسيق الاستراتيجي واتخاذ القرارات في أوقات الأزمات.

في صميم هذه القضية، ثمة سؤال أساسي: من يضمن الأمن الأوروبي في نهاية المطاف: الناتو أم الاتحاد الأوروبي؟ فالأول تحالف عسكري مبني حول القيادة الأمريكية، بينما الثاني بمعظمه تكتل سياسي واقتصادي بقدرات عسكرية محدودة. ودون الانضمام إلى مجموعة دول الناتو، يتحدى اقتراح ماكرون النووي الانقسام التقليدي ويُجبر أوروبا على مواجهة سؤال غير مريح: إذا انسحبت الولايات المتحدة، فهل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتقدم؟ لطالما دافعت فرنسا عن فكرة الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا : فكرة أن أوروبا يجب أن تطور قدراتها الدفاعية الخاصة بشكل مستقل عن الولايات المتحدة.

إن توسيع فرنسا لمظلتها النووية يتوافق مع هذه الرؤية. لكنه يتعارض مع تفضيلات دول أخرى مثل ألمانيا التي فضلت تاريخياً إبقاء الناتو والولايات المتحدة في قلب الأمن الأوروبي. ويثير عرض ماكرون أسئلة مهمة أخرى حول الردع ومصداقية الناتو والاتحاد الأوروبي، واستجوابات أوسع نطاقاً حول الأمن الأوروبي. لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه خطوة نحو أوروبا أكثر استقلالية أم مجرد رد على عدم يقين ترامب. وهل المظلة النووية الفرنسية شيء تحتاجه أوروبا، أم هي مجرد لفتة دبلوماسية؟

يعتقد بعض المحللين أن الخطوة الأكثر عملية لتعزيز الردع الأوروبي تتمثل في انضمام فرنسا إلى مجموعة أدوات الردع النووي التابعة لحلف الناتو، وإلزام أسلحتها النووية بالدفاع الجماعي للحلف. وهذا من شأنه أن يسمح لأوروبا بلعب دور أكثر تكاملاً في صياغة السياسة النووية، مع تعزيز مصداقية موقف الناتو الرادع.

ومع ذلك، فإن روسيا ليست مترددة في اتخاذ موقف متفرج؛ فقد وصف بوتين اقتراح ماكرون بأنه تصادمي للغاية، متهماً فرنسا بإثارة خطر حرب نووية. وفي سياق الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتصاعد التوترات في بحر البلطيق، والتخفيضات المحتملة للقوات الأمريكية في أوروبا، ينبغي على أعضاء الناتو التركيز على تعزيز الهياكل القائمة والاستثمار في القوات التقليدية التي لا تزال ضرورية للردع والدفاع.

وبدلاً من السعي وراء طموحات نووية مكلفة ومزعزعة للاستقرار، فإن الخطوة الأكثر عملية للقادة الأوروبيين تتمثل في الاستثمار في القدرات العسكرية التقليدية، وخاصة أنظمة الضربات بعيدة المدى والدفاع الجوي. فالاستثمار الجماعي في هذا النوع من القدرات من شأنه أن يضمن وضع ردع أكثر مرونة للقارة في المستقبل.

https://hura7.com/?p=57631

 

الأكثر قراءة