الحرة بيروت – بقلم: عفيف شراره، النقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان
الآن وقد توقف إطلاق النار، انهزم من لم ينتصر وانتصر من لم ينهزم. نقاش يطول ولكل طرف وكل فرد في لبنان رأيه ووجهة نظره. لكن النتيجة الثابتة التي لا تقبل النقاش أن آلاف البيوت تدمرت أو تضررت وآلاف العائلات أصبحت بلا مأوى أو مسكن يسترها أو متجر يعيلها. “سنبني ما تهدّم”. تصاريح كثيرة استمعنا إليها من جهات عديدة أو مسؤولين كل حسب موقعه أو بما لديه. ولكن الواقع يختلف عن عام 2006 بنواحِ جوهرية كثيرة إذا كان ذلك العام هو المقياس.
دولتنا العزيزة وقيادتها ومسؤوليها قياساً لما مضى من السنوات برعوا كثيراً بتحويل مآسي الناس إلى تحقيق مكاسب شخصية لهم، إن على المستوى المادي أو السياسي.
الآن ساعة الحقيقة. هل سيتخلى كل شخص مسؤول حسب موقعه عن الأنانية ويكون مسؤولاً فعلاً يعمل لمصلحة الإنسان ومصلحة الوطن دون النظر إلى أي مكاسب شخصية أو فئوية وعلى كافة المستويات؟
المطلوب اليوم كفكفة دموع الناس وأحزانهم بعد دفن الشهداء. المطلوب أن نحافظ على كرامة الذين تحمّلوا وصبروا وأذلّوا وخسروا. المطلوب مسؤولون هم رجال المرحلة بكل معنى الكلمة يعتز لبنان وأهله بهم. المطلوب تشكيل لجنة على رأسها قاض أثبت خلال مسيرته المهنية أنه لم يرتهن إلى مسؤول ولم يكن همّه مذهب أو مرجعية ولم يغتنِ على حساب أحكامه بالعدل. لجنة تضمّ نخبة ممثلة من النقابات (المهندسين، خبراء المحاسبة، المحامين، ممثلين عن وزارة الأشغال، الدوائر العقارية، وزارة المالية)، كلّ حسب اختصاصه. لجنة تستعين بأفراد على نسق رئيسها، تتولى الإشراف على الإعمار وعلى تأمين مقوّمات الاستمرار وحفظ كرامات الناس الساكتين الصابرين الحامدين رب العالمين. ولتباشر بالعمل المهني والعلمي ليل نهار لإزالة الدمار أولاً والتخطيط لإنجاز الإعمار ثانياً وتنفيذه والمحافظة على حقوق الناس ثالثاً بدون سمسرات وعمولات ورشاوى ومضاعفة الكلفة بغض النظر عمن سيموّل هذا الإعمار.
هل من الممكن حصول ذلك في لبنان؟ لا يسعنا لتحقيق ذلك إلّا التوجه إلى رب العالمين والقول: “اللهم أبعد عنا في هذه المرحلة الحرجة السماسرة والتجار وأصحاب المصالح الشخصية والفئوية من المسؤولين. اللهم ارحمنا وأرسل لنا رجالاً عزتهم من عزة الناس وكرامتهم من كرامتهم. فكما أكرمتنا بشباب قدّموا الروح والدم وأغلى ما يملكون بدون سؤال أو منّة، أكرمنا بمسؤولين ورجال لا همّ لهم سوى كرامة الإنسان وصيانة الوطن”.