خاص – تتسلخ ألمانيا وأوروبا بشكل مكثف. وهذا أمر مفهوم في ضوء تدهور الوضع الأمني في القارة العجوز بسبب حرب أوكرانيا منذ فبراير 2022 والسياسات المتقلبة لإدارة ترامب. وحتى بدون الولايات المتحدة، فإن الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تنفق بالفعل أموالاً على الجيش أكثر من روسيا. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم يمتلكون كافة القدرات لردع موسكو بشكل فعال. ورغم المبالغ الكبيرة التي تم استثمارها في الجيش لسنوات، إلا أن هناك نقاط ضعف في الاستطلاع والاتصالات والدفاع الجوي والعديد من المجالات الأخرى.
لكن من يظن أن المزيد من التسليح يؤدي تلقائياً إلى المزيد من الأمن فهو مخطئ. فإعادة التسلح لا تتطلب فقط موارد مفقودة في أماكن أخرى. أما الجانب الآخر، أي روسيا في هذه الحالة، فهو يواصل تسليح نفسه، ما يخلق سباق تسلح خطير. وهذا أمر خطير لأن تراكم الأسلحة دون ضابط يمكن أن يؤدي إلى تقويض استقرار الردع.
ضبط أثبت فعاليته في الحرب الباردة
على سبيل المثال، إذا كان من الممكن أن يؤدي الاختراق التكنولوجي من خلال نظام سلاح جديد إلى منح أحد الجانبين مزايا حاسمة، فإن ذلك يحفز الجانب الآخر على تصعيد الصراع عسكرياً قبل أن تدخل هذه المزايا حيز التنفيذ. علاوة على ذلك، فإن احتمالات الضرر تتزايد من جميع الجوانب بسبب التراكم الكمي والنوعي للأسلحة ــ ومعها المعاناة والدمار في حال فشل الردع. ومن الواضح أن روسيا، التي هي بالفعل أدنى من حيث القدرات التقليدية، سوف ترد على التسلح التقليدي لدول حلف شمال الأطلسي الأوروبية بمزيد من الأسلحة النووية.
لكن الخبر الجيد هو أن مفهوم ضبط الأسلحة يوفر وسيلة مؤكدة لاحتواء هذه المخاطر. فضبط الأسلحة لا يعني نزع السلاح. ويتفق الطرفان على فرض قيود متبادلة في ما يتعلق بجودة و/أو كمية أنظمة الأسلحة من أجل تجنب التصعيد غير المرغوب فيه، وتقليل القوة التدميرية وخفض التكاليف.
خلال الحرب الباردة، تمكنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من تحقيق هذه الأهداف الثلاثة من خلال اتفاقيات الحد من الأسلحة (على سبيل المثال، في مجال الأسلحة النووية والدفاع الصاروخي). لكن بعد ذروة نهائية في تسعينيات القرن العشرين، والتي تضمنت الاتفاق على الحدود العليا لعدد أنظمة الأسلحة الثقيلة في أوروبا، انهارت العديد من أنظمة ضبط الأسلحة.
الثقة ليست شرطاً أساسياً
سوف يزعم أنصار التسلح غير المحدود أن ضبط الأسلحة لا ينجح مع بوتين. فكيف يمكن الوثوق بشخص يتعدى على القانون الدولي بهذه الطريقة؟ لكن ضبط الأسلحة لا يأتي نتيجة للمفاوضات مع شريك موثوق به، ولا يشكل ضمانة ضد خرق العقد. إنه بالأحرى أداة ترسم حدوداً لأسلحة معينة وتستخدم آليات التحقق (مثل عمليات التفتيش) للمساعدة في التحقق مما إذا كان الجميع ملتزمين بها. وهذا يجعل من الأسهل اكتشاف أي خروقات للمعاهدة ويسمح بإمكانية الرد بجهود التسلح الخاصة في أي وقت.
إن خطر التعرض لتطورات غير متوقعة في مجال الأسلحة ينخفض من خلال الحصول على معلومات أفضل. وفي أفضل الأحوال، حتى الثقة المفقودة يمكن استعادتها ببطء وتدريجياً.
وهذه ليست مجرد نظرية رمادية. إذ هي بالضبط الطريقة التي شهدتها عملية ضبط الأسلحة خلال الحرب الباردة. هناك، لم تكن اتفاقيات ضبط الأسلحة مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بمثابة اتفاقيات بين أصدقاء بل خصوم مشبوهين لغرض تثبيت علاقاتهم الأمنية. إذ لم تكن للطرفين مصالح متضاربة فحسب، بل أيضاً مصالح مشتركة؛ وفوق كل ذلك، مصلحة مشتركة في منع اندلاع حرب نووية.
الوضع الأمني اليوم أكثر تعقيداً
لقد أصبحت منظومة القوى العالمية أكثر تعقيداً مع انهيار النظام الثنائي القطب الذي خلفته الحرب الباردة والانسحاب الجزئي للولايات المتحدة من أوروبا الذي يحدث أمام أعيننا. فماذا لو لم تكن روسيا مهتمة بالحد من جهودها التسلحية لأنها تخطط لمهاجمة دول البلطيق بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا بشكل مفيد؟
ينبغي لأوروبا أن تأخذ هذه المخاوف على محمل الجد. إذ لو كانت روسيا تسعى عمداً إلى الحرب ضد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فلن يكون هناك في الواقع أي أساس مشترك للمصلحة في ما يتصل بالسيطرة على الأسلحة. وفي ظل حالة عدم اليقين بشأن النوايا الروسية، من المستحسن الاعتماد في البداية على الردع.
في الوقت نفسه، فإن هذا الافتقار إلى الوضوح على وجه التحديد هو الذي يتحدث لصالح تعزيز الردع من خلال استراتيجية مناسبة للسيطرة على الأسلحة. وذلك لا يسمح فقط باحتواء مخاطر الأسلحة، بل بفحص نوايا روسيا أيضاً.
قد تكون نقطة البداية الجيدة عرضاً لاتفاقية ضبط الأسلحة الخاصة بالصواريخ متوسطة المدى في أوروبا، إلى جانب فرض قيود على أنظمة الأسلحة التقليدية. ومن شأن ذلك أن يعزز استقرار الأزمة في أوروبا ويجعل الجميع أكثر أماناً.
ومن ثم، فإن ضبط الأسلحة ليس أمراً ساذجاً ولا يشكل استسلاماً لبوتين. فإذا تعاملت أوروبا مع الأمر بشكل صحيح، ستُعتبر أداة للسياسة الحكيمة في مواجهة حالة عدم اليقين. ويتعين على أوروبا أن تخرج مفاهيم ضبط الأسلحة القديمة من العقول، وإزالة الغبار عنها، وتكييفها مع الوضع الأمني الجديد. أما على المستوى المفاهيمي، فهذه في المقام الأول مهمة العلم (سواء في مجال أبحاث السلام والصراع أو الدراسات الاستراتيجية). وبالنسبة للسياسيين، إنما يعني ذلك إشارة إلى الاستعداد لاستكمال عملية إعادة التسلح بالسيطرة على الأسلحة.