الثلاثاء, أبريل 22, 2025
17.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

انتخابات بلدية ومخاتير في جبل لبنان: اختبار للشرعية وسط الانهيار الشامل

الحرة بيروت ـ خاص

وقّع وزير الداخلية والبلديات، أحمد الحجّار، مراسيم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب المجالس البلدية والمخاتير والمجالس الاختيارية في أقضية محافظة جبل لبنان، على أن تُجرى الانتخابات في 4 أيار 2025. هذه الخطوة تأتي في ظل أزمة حوكمة خانقة تطال مؤسسات الدولة المركزية والمحلية، وتزيد من حدّة انعدام الثقة بين المواطن والدولة، لا سيما في مناطق استراتيجية كجبل لبنان، حيث تتقاطع الأبعاد السياسية والطائفية مع التحديات المعيشية والاقتصادية.

ثلاثية انتخابية تحت ضغط الانهيار

تشمل المراسيم انتخاب المجالس البلدية المسؤولة عن إدارة الشؤون اليومية في المدن والقرى، إلى جانب المخاتير المكلّفين بالسجلات المدنية والخدمات الإدارية، والمجالس الاختيارية التي تضطلع بأدوار مساندة في بعض المناطق. وتُجرى هذه الانتخابات في بلدٍ يعيش انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، منذ تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية بأكثر من 90% منذ عام 2019، وسط تضخم حاد وانهيار خدماتي يشمل الكهرباء والمحروقات.

صناديق اقتراع في بيئة لوجستية هشّة

حددت القرارات الوزارية أماكن مراكز الاقتراع ضمن أقضية جبل لبنان، في مهمة معقدة نظراً لتضاريس المنطقة وصعوبة البنية التحتية. الطرق الجبلية الرديئة والمرافق المتدهورة تتطلب تنسيقاً دقيقاً بين وزارة الداخلية والبلديات والسلطات المحلية، لضمان وصول الناخبين في قرى الشوف وكسروان وغيرها، رغم الظروف الصعبة.

جبل لبنان… مختبر أزمة حوكمة

تضم محافظة جبل لبنان أقضية بعبدا وعاليه والشوف وكسروان وجبيل والمتن، وهي مناطق تتشابك فيها التوترات السياسية والطائفية مع غياب الحكم الرشيد. وقد تم تمديد ولاية المجالس البلدية منذ 2016 عدة مرات بسبب الأزمات المتلاحقة، ما ساهم في تأجيج الاستياء الشعبي من أداء المجالس الحالية التي فشلت في تلبية أبسط الاحتياجات في ظل غياب الإصلاحات ودعم الدولة المركزية.

موعد انتخابي ضمن روزنامة مفخخة

يُشكّل تاريخ 4 أيار انطلاقة لمسار انتخابي متدرج على مستوى المحافظات اللبنانية، وُضِع لمواجهة التحديات الأمنية والتنظيمية في بلدٍ هش. ويواكب هذا الاستحقاق تحديث للوائح الشطب، وسط حركة نزوح واسعة من القرى إلى بيروت أو خارج البلاد، ما يعقّد المهمة الإدارية ويطرح تساؤلات حول دقة السجلات الانتخابية.

الإعداد لهذه الانتخابات يتم على وقع عجز إداري مزمن، إذ تواجه الإدارات المحلية تقشّفاً حاداً وانخفاضاً في أعداد الموظفين وتدني أجورهم، ما ينعكس سلباً على جودة التحضير للانتخابات. وتواجه لوائح الشطب خطر عدم التحديث، ما قد يتسبب بإشكالات يوم الاقتراع، خاصة في ما يتعلق بالناخبين المتوفين أو المغتربين.

هذا وستواجه المجالس المنتخبة المقبلة تحديات قاسية في بيئة شبه مفلسة. فالمداخيل المحلية تقلّصت بشكل دراماتيكي، ما حدّ من قدرة البلديات على تأمين خدمات أساسية كجمع النفايات التي تحوّلت إلى أزمة دائمة منذ الانهيار المالي في 2019. أما المخاتير، فباتوا في واجهة طلبات الهجرة التي تتزايد في ظل اليأس الاقتصادي، في مشهد يعكس تحوّلهم إلى صمّام ضغط شعبي.

توازن طائفي دقيق يفرض معادلات معقدة

تتسم محافظة جبل لبنان بتنوع طائفي حاد، يشكّل عنصراً حاسماً في المعادلات الانتخابية. فكسروان ذات الغالبية المارونية تختلف في تركيبتها عن الشوف حيث يتقاسم الدروز والمسيحيون والمسلمون المشهد. وتضيف عاليه وبعبدا، القريبتان من بيروت، أبعاداً إضافية لهذا التنوّع، ما يجعل من الاستحقاق الانتخابي مناسبة محتملة لتجدد التنافس بين الأحزاب التقليدية كالقوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، والحزب التقدمي الاشتراكي، في ظل ضغوط سياسية وشعبية متزايدة.

أمن الانتخابات في مهبّ الأزمة

يواكب تحديد مراكز الاقتراع مخاوف أمنية مشروعة، رغم أن جبل لبنان بقي نسبياً بمنأى عن العنف مقارنة بمناطق أخرى. إلا أن التوترات السياسية والاجتماعية تُبقي احتمال التصعيد وارداً، ما استدعى استعداداً أمنياً لحماية العملية الانتخابية، لا سيما بعد انتفاضة 2019 التي أظهرت عمق الغضب الشعبي تجاه الطبقة السياسية.

رغم قتامة المشهد، يُتوقع أن تشهد الانتخابات إقبالاً لافتاً في بعض القرى، حيث تلامس القضايا الحياتية مثل المياه والنفايات والإنارة الهمّ اليومي للناخب. لكن من جهة أخرى، قد يُثقل الإحباط كاهل شريحة واسعة، خصوصاً الشباب الذين يشعرون بانقطاع الأمل في التغيير ضمن منظومة ما تزال عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من العدالة والفعالية.

الحكم المحلي في اختبار حاسم

ستواجه المجالس المنتخبة في أيار معركة بقاء في ظل غياب الدعم المركزي، إذ إن الدولة المفلسة منذ 2020، وعاجزة عن دفع مستحقاتها، لن تستطيع تقديم العون المادي أو اللوجستي. وهذا ما يفرض على البلديات التعويل على مبادرات محلية وإمكانات محدودة لتلبية حاجات متفاقمة، وسط بنى تحتية منهارة وشبكات مياه وكهرباء متهالكة.

استحقاق 4 أيار يُعدّ اختباراً جوهرياً لشرعية المؤسسات اللبنانية. فالانتخابات البلدية التي تمّ تأجيلها مراراً منذ 2016 بحجج أمنية وصحية واقتصادية، تحوّلت إلى عنوان لانعدام ثقة المواطنين بالسلطة، التي تُتّهم بالسعي إلى الإبقاء على الوضع القائم. لذا، فإن إجراء الانتخابات في موعدها يشكّل مؤشراً على مدى قدرة الدولة على تنظيم استحقاقات ديمقراطية شفافة، رغم الأزمات المستعصية التي تطال بنيانها.

https://hura7.com/?p=48576

الأكثر قراءة