الحرة بيروت ـ خاص
بعد ساعات من توليه منصبه، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراراً يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، في خطوة استغرقت عاماً لإتمامها وأثارت جدلاً واسعاً على المستوى الدولي. هذا الانسحاب شجّع بعض القوى السياسية في دول أخرى على إعادة النظر في التزاماتها المناخية، وسط دعوات مماثلة للخروج من الاتفاقية.
سويسرا على خطى واشنطن؟
في أعقاب رفض الناخبين السويسريين لمبادرة المسؤولية البيئية، صعّد حزب الشعب السويسري (SVP) من مطالباته بالانسحاب من اتفاقية باريس، معتبراً أن الالتزامات المناخية المفروضة تشكل عبئاً اقتصادياً غير مبرر. وأكد الحزب في بيان رسمي أن الاتفاقية تمثل “مجموعة من الأهداف المثالية” التي تؤدي إلى فرض قيود جديدة وتكبد المواطنين تكاليف إضافية بمليارات الفرنكات.
وفي مقابلة تلفزيونية، انتقد زعيم الحزب مارسيل ديتلينج تصديق الحكومة على الاتفاقية دون استشارة البرلمان أو إجراء استفتاء شعبي، مطالباً بانسحاب فوري على غرار النموذج الأميركي.
التحديات القانونية أمام انسحاب سويسرا
رغم هذه الدعوات، فإن انسحاب سويسرا من الاتفاقية لن يكون بهذه السهولة. فقد صادق المجلس الاتحادي السويسري على الاتفاقية عام 2017 بعد موافقة البرلمان، ولم يتم الطعن في القرار شعبياً خلال المهلة الدستورية. وبموجب القوانين السويسرية، فإن أي انسحاب مستقبلي سيستلزم موافقة البرلمان، وربما استفتاءً عاماً جديداً، وهو ما يعقّد عملية الخروج.
ويرى خبراء قانونيون أن مثل هذه الخطوة قد تضر بالمصالح الدبلوماسية للبلاد، حيث يقول سيباستيان دويك، مدير حملة حقوق الإنسان والمناخ في مركز القانون البيئي الدولي، إن الانسحاب “لن يعفي سويسرا من التزاماتها المناخية، لكنه سيحرمها من دورها في صياغة القرارات البيئية الدولية”.
المزاج الشعبي والالتزامات المناخية
على الرغم من موقف حزب الشعب السويسري، فإن التوجه العام لا يزال داعماً للعمل المناخي. فقد صوّت 60% من الناخبين في يونيو 2023 لصالح قانون جديد يعزز تحول البلاد إلى الطاقة المتجددة، ويهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وأكد وزير البيئة ألبرت روستي، وهو عضو في حزب الشعب السويسري، أنه رغم رفض الناخبين لمبادرة المسؤولية البيئية، إلا أن ذلك لا يعني رفض حماية المناخ، مشيراً إلى أن التصويت على قانون المناخ والابتكار لعام 2023 يعكس التزاماً واضحاً بالأهداف البيئية.
هل تنسحب دول أخرى من اتفاقية باريس؟
حتى الآن، تبقى الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي نفذت انسحاباً رسمياً من الاتفاقية، قبل أن تعود إليها لاحقاً في عهد الرئيس جو بايدن. ومع ذلك، فإن دولاً أخرى بدأت تلوّح بإمكانية اتخاذ خطوات مماثلة.
في الأرجنتين، أبدى الرئيس خافيير ميلي اهتمامه بالخروج من الاتفاقية، واصفاً الجهود المناخية الدولية بأنها “كذبة اشتراكية”. وظهر ميلي إلى جانب ترامب في لقاء خاص بعد الانتخابات الأميركية الأخيرة، ما عزز التكهنات حول تقارب مواقفهما بشأن قضايا المناخ.
أما في إندونيسيا، فقد برزت نقاشات حول مدى “عدالة” استمرار البلاد في التزاماتها المناخية، في ظل انسحاب دول صناعية كبرى مثل الولايات المتحدة. ويرى مسؤولون إندونيسيون أن البلاد تتحمل أعباءً تفوق مسؤولياتها، خاصةً أن انبعاثات الفرد من الكربون في إندونيسيا أقل بكثير مقارنةً بالدول المتقدمة.
بينما تتصاعد النقاشات حول مستقبل اتفاقية باريس، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه الدعوات ستتحول إلى قرارات رسمية، أم أنها مجرد مناورات سياسية تستهدف قواعد انتخابية معينة. ومع ذلك، فإن التحديات البيئية الملحة والضغوط الدولية قد تجعل مسألة الانسحاب أكثر تعقيداً مما تبدو عليه.