الحرة بيروت ـ خاص
لطالما شكّل اتفاق باريس للمناخ خطوة جوهرية في الجهود الدولية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، حيث جمع الدول الكبرى والصغرى على هدف مشترك يتمثل في الحدّ من الانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري. ومع ذلك، فإن الالتزام الجماعي بهذا الاتفاق واجه تحديات سياسية واقتصادية عديدة، كان أبرزها انسحاب الولايات المتحدة، التي تعدّ أكبر مصدر للغازات الدفيئة عالمياً، ما يعكس تصاعد النزعات القومية في مواجهة الأولويات البيئية. يأتي هذا القرار ليعيد إلى الواجهة الجدل القائم حول دور الدول الصناعية الكبرى في مكافحة تغير المناخ، وأثره على التوازنات الاقتصادية والسياسية العالمية.
فقد أعلنت الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء الماضي، أن الولايات المتحدة ستنسحب رسمياً من اتفاق باريس للمناخ في 27 كانون الثاني/يناير 2025، وذلك بعد أن أخبرت واشنطن الأمين العام أنطونيو غوتيريش بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب.
وكان ترامب قد أصدر، يوم الاثنين الماضي، أولى قراراته بعد توليه منصبه، معلناً انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، ما يضع أكبر مصدر عالمي للغازات المسببة للاحتباس الحراري خارج الاتفاقية الدولية التي تهدف إلى دفع الدول نحو مواجهة التغير المناخي.
وفي هذا السياق، شدد سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، على أن التحول نحو طفرة الطاقة النظيفة يحمل فرصاً اقتصادية ضخمة وملايين الوظائف في قطاع التصنيع، إضافةً إلى تحسين جودة الهواء. وأضاف: “تجاهل هذه الفرصة لن يؤدي إلّا إلى تحويل هذه الثروة الهائلة إلى الاقتصادات المنافسة، بينما تتفاقم الكوارث المناخية مثل الجفاف، وحرائق الغابات، والعواصف العاتية، ما يؤدي إلى تدمير الممتلكات والشركات، والتأثير سلباً على إنتاج الغذاء، ورفع معدلات التضخم”. وأكد ستيل أن الباب لا يزال مفتوحاً أمام الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق، مشيراً إلى ترحيب الأمم المتحدة بأي مشاركة بنّاءة من قبل جميع الدول.
وفي تعليقها على القرار الأميركي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ: “تشعر الصين بالقلق إزاء إعلان الولايات المتحدة انسحابها من اتفاق باريس. تغير المناخ تحدٍ مشترك يواجه البشرية جمعاء، ولا يمكن لأي دولة أن تبقى بعيدة عنه أو بمنأى عن تداعياته”.
من جانبه، أعرب مفوض الاتحاد الأوروبي للمناخ ووبكي هوكسترا عن أسفه للقرار، قائلًا: “إنه تطور مؤسف أن ينسحب أكبر اقتصاد في العالم، وأحد أقرب حلفائنا في مكافحة تغير المناخ، من اتفاق باريس. ورغم هذه النكسة، نؤكد التزامنا بالعمل مع الولايات المتحدة وشركائنا الدوليين لمواجهة التحديات البيئية. إن اتفاق باريس يتمتع بأسس قوية وهو باقٍ”.
أما علي محمد، رئيس مجموعة إفريقيا في مفاوضات الأمم المتحدة بشأن المناخ ومبعوث كينيا لقضايا المناخ، فقد شدد على أهمية الدور الأميركي في دعم التمويل المناخي وتعزيز التحولات نحو الطاقة النظيفة، مؤكدًا أن “القيادة الأميركية تلعب دوراً محورياً في تحقيق الأهداف المناخية العالمية، كما أن تعزيز التعددية ضروري لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية العالمية”.
يمثل قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاق باريس ضربة كبيرة للجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي، خاصةً في ظل الأزمات البيئية المتزايدة عالمياً. ورغم التأكيدات على إمكانية العودة إلى الاتفاق مستقبلاً، إلا أن هذا التحرك يثير مخاوف حول مصداقية الالتزامات الدولية، ويعزز التساؤلات حول مدى قدرة العالم على مواجهة التحديات المناخية دون التزام أكبر الاقتصادات العالمية. وبينما تؤكد الدول الأخرى تمسكها بالاتفاق، فإن غياب واشنطن يضعف التعاون الدولي ويهدد استدامة الجهود المناخية العالمية، ما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة في تحديد ملامح النظام المناخي العالمي.