د. بول الحامض
جريدة الحرة ـ بيروت
يمتلك مجلس النواب اللبناني دورًا مميّزًا في أداء “المهزلة التمثيلية”، فهو، كما يبدو، مجلس قائم على الشتائم وتبادل الألفاظ السوقية بين مكوّناته، وهذا لا يشرّف الشعب اللبناني، الذي بلغت نسبة مقاطعته للانتخابات الأخيرة نحو 59%.
مؤسفٌ ما شهدناه خلال الأيام الأخيرة: مجلس “الدُمى” سجّل فصولًا من الفوضى والانفعالات والمشادات التي كادت تتطور إلى صدام بالأيدي، ترافقت مع تبادل الشتائم والنبرة العدائية، ما لا يليق أبدًا بمن كُلّفوا بتمثيل الشعب تحت قبّة البرلمان.
ما حدث كان مشهدًا مخزيًا وساخرًا بكل ما للكلمة من معنى. وقد تابع العالم هذه السجالات المخجلة التي صدرت عن “نواب الدمى”، في وقت توالت فيه الأسئلة إلى الحكومة، وكأنّ هؤلاء النواب نسوا أنهم منحوا هذه الحكومة ثقة غير مشروطة، وعلى أساسها باشرت عملها التنفيذي وفق الدستور.
فهل يصحّ أن يكون هؤلاء ممثلي الشعب اللبناني؟ هؤلاء الذين يسيطرون على البرلمان دون وجه حق، هم مجموعة من المضلّلين، لا يلتزمون النظام الداخلي لمجلس النواب، ولا يتمتعون بالحكمة أو الأخلاق. هذه هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها.
نوابٌ يجب أن يرحلوا، ليُتاح انتخاب ممثلين يحسنون أداء دورهم النيابي، ويملكون الكفاءة التشريعية والرقابية، ويشكّلون لجانًا برلمانية كما نصّ عليه النظام الداخلي، لوضع برامج في مختلف الميادين: السياسية، الأمنية، الاقتصادية، المالية، التربوية، والاجتماعية، والدفاع عن المؤسسات الشرعية وحقوق المواطنين.
نحن أمام مجلس فاشل بكل المقاييس، ونوابٍ يكذبون من أعلى منبر تشريعي. بعضهم يهاجم الحكومة التي هي جزء من تركيبتها، ويتنصل من مسؤولية الأداء الفاشل، فيما يصف نائبٌ آخر الحكومة بأنها “فاشلة”، ووزراءها “إقطاعيون إقصائيون” لا يملكون الجرأة على مواجهة سلطة أمر واقع، تخالف الدستور، وتنتهك قانون الأحزاب والجمعيات، وتتهرّب من المسؤولية تحت ذريعة: “إذا طُبّق القانون سنصل إلى حرب أهلية”.
لكن هل تطبيق القانون يُفضي فعلًا إلى الحرب الأهلية؟ لا يا سادة، استمراركم بهذا المنطق هو ما يقود إلى الحرب، أنتم الحرب الأهلية المؤجّلة، التي تدمّر الدولة ومؤسساتها وتفكك المجتمع.
إننا فعلًا في برلمان يستحق التوصيف: “برلمان المكذبين الخائنين”. نواب لا يجمعهم سوى تقويض المصلحة الوطنية. يختلفون في كل شيء، لكنهم يتوافقون على إعادة تفعيل أدوارهم العقيمة. والمؤسف أن السلطات الدينية، المسيحية والإسلامية، تتراخى وتتغاضى، وبعضها يرتبط بمصالح آنية: “يمشون مع الماشي، ومن يدفع أكثر”. وفي هذا المشهد، تنمو القصور الفخمة، المحميّة، بذريعة الراحة، على حساب كرامة شعب.
ظلّ الرأي العام خلال الجلسات يتساءل: ماذا يحصل؟ وهل هؤلاء فعلًا يمثّلوننا، أم يمثلون علينا؟! لقد دخلنا نفق “برلمان الفاشلين”، وما ذلك إلا انعكاس لضعف بنية الدولة ومؤسساتها، ومن بينها القضاء الذي فشل في استدعاء المسؤولين عن جريمة مرفأ بيروت، ومحاسبة من سرق أموال الناس، ومحاكمة من فقد السيطرة على الحدود، ومقاضاة من ارتكب جرائم القتل وخزن السلاح، ومحاكمة من أفسد علاقات لبنان مع العالم العربي والمجتمع الدولي، ومعالجة الانقسامات الداخلية بين القضاة أنفسهم.
هذا البرلمان فاشل بالأدلة الدامغة: عجزه عن فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها؛ تهالك مؤسسات الدولة مقابل تمدد الدويلات؛ والفشل الذريع في تقديم أبسط مقومات انتظام الحياة العامة.
مهزلة التشريع في لبنان لم تأتِ مصادفة، بل نتيجة نواب بلا ضمير، بلا وعي وطني. وإن عاد هؤلاء إلى البرلمان، فلن يقع اللوم على أحد سوى الشعب الذي انتخبهم.


