السبت, ديسمبر 14, 2024
0.7 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

بسام ضو ـ الجمهورية اللبنانية: نظامها السياسي متعثِّرْ

بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي

تبرز في هذه المرحلة الأمنيّة الخطيرة أصوات كثيرة من المجتمعَين العربي والدولي ومن مختلف الدول المحيطة بالجمهورية اللبنانية، مطالبة بوضع حدّ نهائي لسلطة تحدّتْ الأطر الديمقراطية وحكمتْ بالسطوة الميليشياوية مخلّفة دماراً وقتلاً ومتسببة بالاعتداء على السيادة الوطنية.

هذا النظام القائم خلافاً للديمقراطية أغدق طوال فترة عشرين سنة بشعارات ومقولات التحرير باعتبار أنها التحديات الأساسية التي تواجه الجمهورية اللبنانية في سعيها لأمرين: تحرير مزارع شبعا ودعم القضية الفلسطينية.

وفي هذه الحالة، لم يشغل الذين توالوا على النظام السياسي مراكزهم بالدرجات المناسبة بل كانوا مجرّد دُمى تُحرّكها هذه المنظومة. وبدا وكأنّ مسألة الإرتهان والتبعية باتت تحتلّ محورية في الخطابات والأداء السياسي، لا بل في ما كان يُدرج في البيانات الوزارية والتي كانت، من حيث المضمون، مخالفة لأبسط القواعد الدستورية المتفق عليها فور إقرار وثيقة الوفاق الوطني.

في توصيف هذه الفترة العِجاف، يصحّ القول بأنّ مسألة ممارسة النظام طوال فترة السطوة والإرتهان للمحور الإقليمي باتت لدى كثير من الذين تعاقبوا على ممارسة العمل السياسي، خلافاً للأصول الديمقراطية، “تنافساً وتشاطراً”. وربما أولوية الانصياع لأولياء الأمر المتعلقة بقضم القوانين والدساتير والقرارات الدولية، كما قضم محاولات بعض الدول العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر من دعم مُطلق للمؤسسات الشرعية وفي طليعتها الجيش اللبناني، حيث لا حاجة للتذكير بالهبة السعودية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني مادياً ومعنوياً، إضافة إلى ما أعلنته روسيا على لسان رئيسها عن استعدادها لتزويد الجيش اللبناني بطائرات حربية حديثة الصنع. لكن كل هذه التجارب والمُساهمات باءت بالفشل لأنّ نظام الجمهورية اللبنانية محكوم بسلطة هجينة قمعية دكتاتورية عميلة، أولوياتها تنفيذ أجندة إقليمية ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.

فعلاً هناك خلل بنيوي في النظام السياسي اللبناني وهناك، في ثناياه، تناقضات عميقة بين الواقع والمرتجى. ومن حق الشعب اللبناني أن يعيش عيشاً كريماً مادياً ومعنوياً، كما يجب أن يتمتّع اللبناني بالحرية والكرامة الإنسانية مثله مثل كل الكائنات البشرية. ولكن كيف تستقيم هذه الأمور في ظل واقع هذا النظام والخلل البنيوي القائم؟

لم يعد منطق العلوم السياسية ومبادئها يقبل باستمرار صيغة كالتي تحكم لبنان. ولا شك أن بحثنا كمركز أبحاث PEAC في قضية النظام السياسي المتعثِّرْ وقضية الإستبداد الفكري وحكمْ الغلبة في واقعنا اللبناني يكتسب أهميته من حقيقة أساسية مؤداها أن منطق العمل السياسي الرصين لم يعُد يقبل إستمرار صيغة مفتعلة لواجهة شبه دراماتيكية ترتكز على قضم المؤسسات الدستورية والمرتكزة على نمط عسكري ميليشياوي إستبدادي في صورته المقيتة .

لا يجوز أن تبقى الأمور على ما هي عليه من فوضى وقضم للمؤسسات الرسمية، وبات على مراكز الأبحاث اللبنانية، وبالتنسيق مع مراكز أبحاث عربية ودولية، التفتيش عن صيغة لنظام سياسي قويم. يعتبر علم السياسة، وفقاً لوجهة نظر فقهاء القانون، أن “النظام السياسي أي نظام الحكم  الكيفية – الآليات التي تدار بها المؤسسات السياسية والدستورية وتلك المؤسسات الدستورية الشرعية (سياسية – أمنية – قضائية – تشريعية) هي مؤسسات الدولة، وتعرف بالإنكليزية على الشكل التالي:Political System ، وفي أغلبيتها غير قائمة في عِداد هذا النظام القائم.

في إحدى وثائق الأمم المتحدة تحت عنوان “القيادة بعد انتهاء النزاعات” اعتبرت أنه لا سبيل إلى تحقيق السلام والطمأنينة دون قادة متنوّرين، حيث تتمثل المهمة الحيوية للقادة الشرفاء في المرحلة التي تعقب النزاعات (كالحاصل في لبنان اليوم)، في تحقيق التوازن بين الحاجة إلى ترسيخ الإستقرار السياسي وبين متطلبات حكم ديمقراطي نزيه من خلال التأثير على فكر وسلوكية الخارجين على القوانين وأتباعهم. ويتطلب الأمر التحلّي بصفات القيادة الحازمة والإستعداد لتقبّل واقع تباين المصالح وتقاسم التطلعات. إن الطريق السليم لبناء مجتمع قائم على سيادة القانون هو إتِّباع قادة الرأي الطريق القويم ومراعاة الإنضباط في السلوكية والتصرفات الشخصية عوضاً عن إستخدام السلطة والقوة للتشبث بكراسي الحكم .

المطلوب اليوم نظام سياسي متزّن قائم على مبادىء الديمقراطية تُمارسه قيادة واعية واعدة تنجح في توطيد السلام في أعقاب هذه الحرب والإستفادة من الدروس الماضية السابقة التي نشبت منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني. والمطلوب أيضاً إلتزام قادة الرأي بخدمة المصلحة اللبنانية العليا وصون هوية ووحدة الجمهورية اللبنانية.

ربما سيطرح القارىء سؤالاً جوهرياً يتمحور حول الآلية المفترض إتباعها لقيام هذا النظام. وفقاً لعلم السياسة، فإنّ مرحلة الإنتقال السياسي هي عملية سياسية  شبه متدرجة تسمح من حيث المنطق والقانون في عملية تحوّلْ من نظام سياسي غير سليم إلى نظام ديمقراطي من المفترض أن يقوم على التعددية وعلى الحرية وحُسْن الإختيار وعلى الشرعية الشعبية إستناداً لما ورد في مقدمة الدستور: “الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية”.

لدى مراجعتنا، كمركز أبحاث، العديد من الوثائق تبيّن لنا أنّ دولاً كثيرة (فرنسا – إسبانيا – أميركا اللاتينية – برلين – روسيا – وبعض الدول العربية كالسودان وموريتانيا) اعتمدت صيغة النظام الإنتقالي. ويُعرّف العلم السياسي عملية الإنتقال السياسي على الشكل التالي: “تشمل عملية الإنتقال السياسي مختلف عناصر النظام السياسي مثل البُنية الدستورية والقانونية والمؤسسات والعمليات السياسية، وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مرحلة الإنتقال إلى الديمقراطية قد تشهد صراعات ومساومات وعمليات تفاوض بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين”.

سنسعى بكل ما أوتينا من جهود وصداقات إلى السعي لدى المرجعيات الداخلية والفاعلين على المسرح السياسي الإقليمي والدولي لطرح فكرة النظام الإنتقالي لفترة سنتين لإعادة ترتيب الأوضاع العامة في البلاد من خلال منظومة سياسية ثلاثية الركائز: سياسية، أمنية وقضائية. وللبحث صلة.

https://hura7.com/?p=37549

 

الأكثر قراءة