السبت, ديسمبر 14, 2024
1.3 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

بسام ضو – الدولة السيّدة تُفاوض باستقلالية تامة ولا تهاب تهديداً ولا تدخُّلاً في شؤونها

الحرة بيروت – بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي

إنّ أشرف عملية تفاوض على المستوى المحلي – الإقليمي – الدولي هي سياسة عدم الإرتهان والإستقلالية للنظام الذي يُفترض أن يُفاوض إنطلاقًا من المُسلمّات القانونية والدستورية من قبل المسؤولين الرسميين حصرًا. إنّ المفاوضات الشرعية الرسمية تقدِّم المفهوم الصادق للعدالة المحقة للدولة. وهذه العدالة التفاوضية يُعرفهّا “علم الدبلوماسية” بأنها “مجموعة من التدابير السياسية الرسمية والآليات المؤسسية الشرعية التي من المفترض أن تتبناها الدولة المفاوضة من خلال عملية إستشارية شاملة من أجل التغلُّب على حفظ الحقوق المكتسبة والإنتهاكات السيادية التي تحصل أو الحاصلة وحالات عدم المساواة في الحالات السابقة كتخطّي أصول العلاقات بين الدول، كما تهيئة الظروف لكل من التحولات السياسية – الأمنية في الدول المفاوضة”.

الدولة السيّدة تُفاوض بإستقلالية تامة ووفقًا لـ”علم السياسة” هناك توّسّعْ لتأثير المعايير الدولية. ويُنظر إلى هذه المعايير بشكل مهم على أنها تتطّلب تضمين اتفاقيات السلام القدر الكافي والمُلزمْ من المُساءلة عن الأوضاع السياسية والعسكرية والإجتماعية داخل البلد المُفاوض، وبصرف النظر عن تدخّلْ أطراف محلية – إقليمية – دولية أو مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان. في المحصّلة، إنّ أي عملية تفاوض يجب أن تلعب دورًا رائدًا في المسيرة التفاوضية كموقع مهم للتفاوض على العدالة الوطنية وصياغة القوانين الحامية لهذه عملية.

في الجمهورية اللبنانية يُحكى اليوم عن عملية تفاوض بين مجموعات سياسية فاقدة للشرعية الوطنية الدستورية إنما هي بحكم الأمر الواقع موجودة رغمًا عن كل قانون وهي باتتْ بمثابة “سلطة الأمر الواقع “. من حيث المبدأ، إن أي عملية تفاوض يجب أن تنطلق من عنوان واحد ألا وهو “السلام المرادف للعدل”. هناك العديد من العوامل التي حصلتْ إبّان هذه الحرب الناشئة أولاً عن سوء إدارة وطنيّة وعن تدخل في شؤون الجمهورية اللبنانية، وثانيًا عن حرب حصلت بالإنابة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمعية حزب الله ودولة إسرائيل على الأرض اللبنانية. وعملية المفاوضات هذه التي قد تُسْفِرْ عن اتفاق هش لوقف لإطلاق النار بين المتحاربين محفوفة بالتحديات وذات الصلة بالوضع القائم والمخالف لأبسط قواعد السيادة الوطنية. إنّ التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية وما أسفر عنه من أمور غير شرعية له العلاقة المتأصلة بالتوّتر واستباحة القرار الوطني والسيادة بين منطقي العدل والسلام.

إنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الفترة الحرجة من الأزمة الحالية يقع في لُبْ هذا التوتر وعدم التوازن بين المؤسسات الرسمية اللبنانية والمفاوضين الغربيين والإقليميين. والتوازن المطلوب لإنجاح “وقف إطلاق النار” هو كيفية الحصول على القدر الكافي من الضمانات من عدم تسعير الجبهات أو إدخال السلاح أو إستعمال المنطق الميليشياوي في أمكنة معينة باتت حسّاسة ودقيقة دونما إحباط إمكانية تحقيق ما هو مطلوب. وإنّ كيفية معالجة هذا الكم من المخالفات القائمة في الجمهورية اللبنانية يجب أن يعتمد على القوانين اللبنانية المرعية الإجراء وعلى مبادىء القانون الدولي وفقًا لصياغة أجندة للسلام تحترم الأعراف والمعايير الدولية والإستجابة لإهتمامات المعنيين بالأزمة سواء أكانوا لبنانيين أو الإيرانيين أو الإسرائيليين حيث لكل واحد أجندته المتخمة بالمطالب والتي على ما يبدو لا يسع للطرف اللبناني في واقعه الراهن من تلبية مطلب واحد منها. لذلك يجب التفكير مليًا في مسألة كيفية تناول قضية “وقف إطلاق النار” بالطرق الموضوعية السليمة من أجل إحلال السلام المنشود المبني على السيادة الوطنية اللبنانية حصراً.

يُحكى كثيرًا عن عملية تفاوض ولغرض ضمان حُسْن سير هذه المفاوضات وإستمرارها بشكل سليم والوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة. منها يفترض مبدأ “العلوم السياسية” تنظيمها أولاً ضمن الإطار القانوني الدستوري ووضع قواعد تحكمها، وثانيًا تسييرُها بمسار طبيعي وبشكل مقبول من قبل كافة الأطراف المعنية ، وثالثًا، في حالة الخلل أو الخروج عن المسار الطبيعي، فيُفترض إيجاد الوسيلة التي بواسطتها يُمكن إعادة هذه المفاوضات إلى مسارها الصحيح.

في الحالة اللبنانية التفاوضية وإستنادًا لواقع الأمور هناك على ما يبدو تعارض عميق بين الأهداف المعلنة والحالات التي تسوجب عملية وقف إطلاق النار، إلاّ أنها ليست الوحيدة على هذا الصعيد كما هو مظهّر من خلال ما يتم تداوله عبر بعض القنوات الإعلامية بالتواتر أو بالمباشر. فلا مصالح مشتركة بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا مع دولة إسرائيل التي يُصنفها القانون “دولة عدوّة” بالنظر إلى القوانين اللبنانية ومضمون ميثاق جامعة الدول العربية اللذين يعتبران إسرائيل دولة عدوة تيمنًا بالقضية الفلسطينية المحقة…

إنّ ما يحصل مبني على غريزة السيطرة وحب التملُّك وتجيير السيادة الوطنية اللبنانية والإعتقاد بأن كل من المتنازعين صاحب الحق الوحيد دون غيره ويرنو إلى تحقيق مصالحه وحده فقط، فعلاً هذا هو الواقع الذي يتهرّبْ منه الجميع ولا يخشون من عواقبه.

الدولة المستقلّة تُفاوض بإستقلالية تامة ولا تهاب أي تهديد ولا تخشى أي تدخُّلْ في شؤونها الإسترتيجية والداخلية، كي لا تسقط المساعي القائمة. وهي حتمًا ساقطة لأنّ الدولة اللبنانية الحالية ويا للأسف تفتقد لأبسط مقوماتها السيادية ولأنها تفتقد لأهم المصطلحات القانونية التي تعود أهميتها القانونية إلى إرتباطها الوثيق بمفهوم الدولة حيث لا بُـدّ أن يكون لها نظام قانوني يتوّلى إدارتها، وهذه أمور غير متوفرة في جمهوريتنا حيث أنّ السيادة الوطنية، سواء أكانتْ داخلية أو خارجية، غير مرتبطة الإرتباط الوثيق بواقع الدستور اللبناني وبالقوانين الدولية المرعية الإجراء… لتلك الأسباب وغيرها فإنّ الدولة بحالتها الحاضرة وبتنظيمها وترتيباتها الحالية لا تتوفر عندها أي ضمانة لإستمرار ضمانة وقف إطلاق النار وبالتالي فإنّ الأوضاع العامة في البلاد مرشحّة لمزيد من الفوضى.

https://hura7.com/?p=37952

الأكثر قراءة