بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي
بصفتي باحث سياسي وعضو المركز الدولي للأبحاث السياسية والإقتصادية PEAC، ونظراً لما يصل إلينا من دراسات وتحذيرات محلية، إقليمية ودولية، في بعديها السيادي والإجتماعي من مخاطر هذا النظام السياسي القائم في لبنان خلافاً للمنظومة الديمقراطية التي يرتكز إليها الدستور اللبناني. وهنا نتكلم عن مخاطــر أمنية وسياسية واجتماعية وحتى إقتصادية، كما المُساهمة في تعريض المواطنين وأجهزة الجمهورية للخطــر.
وبما أنّ هذا الوضع يشي في عدم الإستقرار على المستوى الداخلي كما الإقليمي والدولي، أصبح من الواجب، لا بل من الضرورة، التوجه إلى مجلس الأمن الدولي في محاولة لإعادة الإستقرار للجمهورية اللبنانية المُشلّعة من قِبل هذه الطبقة السياسية الفاقدة للشرعية التمثيلية وللحس المؤسساتي.
الأسباب التي تجعلنا كباحثين وناشطين سياسيين نتوجه إلى مجلس الأمن عديدة. ولكن نكتفي في هذه الدراسة بذكر بعضها:
- تواجه الجمهورية اللبنانية أزمات غير مسبوقة تجمع بين الإنهيار السياسي، الأمني، المالي، الإقتصادي والإجتماعي، وانعدام الثقة السياسية بالمسؤولين العملاء والجمود المؤسسي.
- إن شرعية البرلمان اللبناني الحالي وتمثيله للّبنانيين كافة، لطالما كان مشكوكاً فيه وخصوصاً بعد انتخابات أيار/مايو 2018 لأسباب عدة أبرزها:
- عدم ديمقراطية القانون الإنتخابي الصادر تحت الرقم 44/ 2017 ، والذي لم يُساوِ بين المواطنين والمواطنات الناخبين منهم والمرشحين، ولم يحترم المعايير الدولية لديمقراطية الإنتخابات.
- تقويض حرية العديد من الناخبين والناخبات عبر إرساء علاقة زبائنية مع الأطراف الموجودة في الحكم وتهميش الدولة ومؤسساتها كمصدر أول للحصول على الخدمات.
- التدخلات الخارجية في الحياة السياسية اللبنانية لدعم أطراف على حساب أطراف أخرى سواء أكان مادياً أو معنوياً.
- عدم حيادية الإنتخابات ونزاهتها.
- الممارسات التي رافقت الحملات الإنتخابية للمرشحين من محاولات رشاوى وضغط على الناخبين.
- سوء إستغلال السلطة وموارد الدولة لمن هم في الحكم لغايات إنتخابية.
- تراكم عدم رضى اللبنانيين عن أداء من هم في الحكم ليعلن العديد منهم سقوط الشرعية البرلمانية وأركان السلطة منذ ما عُرِف بـ”حَراكْ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2017″.
أما في أسباب مطالبنا الشعبية نحو التحرر من الطبقة السياسية الحالية، نذكر:
- إنّ إجراء إنتخابات رئاسية وفق وضعية المجلس النيابي الحالي – حتى لو أدّت الأحداث الأخيرة إلى تغيير طفيف معيّن على مستوى وضعية مجلس النواب الحالي – سيبقى غير ديمقراطي لأنّ المجلس الموجود حالياً غير شرعي وغير دستوري بناءً على ما أسلفناه.
- إنّ أي إنتخابات سُتجرى في ظلّ هذا المجلس ستبقى ناقصة لجهة صحة تمثيل الشعب عملاً بما يرد في مقدمة الدستور اللبناني، الفقرة د، التي تنص على أن “الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية”.
- بناء لخبرتنا السياسية والإجتماعية، لا يتوّفر في هذه المرحلة أي مرجعية مارونية قادرة على الترشح لرئاسة الجمهورية. فجميع المرشحين المطروحين يوالون أطراف معينة وهم أدوات بين أيديهيم، وحتماً سيُشاركونهم النظام وبالتالي سنقع في نفس المشكلة التي نعاني منها حالياً.
لذا فالمطلوب في هذه المرحلة الحرجة:
- تأمين إستقلالية العمل السياسي اللبناني، إذ لا يمكن أن يكون من يُدير أو ينتخبْ طرفًا في الانتخابات، وخصوصا إذا كان فاقداً للشرعية التمثيلية.
- إشراك الرأي العام الحـرّ في إيجاد المخــرج اللائق للأزمة الرئاسية.
- تصحيح صحة التمثيل عبر تعديل النظام السياسي الذي تشوبه العديد من الإشكاليات الجوهرية.
وفي الأسباب الموجبة لقيام نظام إنتقالي نذكر:
- الإنتقال الديمقراطي (Democratic Transition) وهو مفهوم يشير في أوسع معانيه إلى العمليات والتفاعلات المرتبطة بالإنتقال أو التحــوّل من صيغة نظام حكم دكتاتوري أو إرتهاني إلى صيغة نظام ديمقراطي.
- من المتعارف عليه أن هناك عدة أشكال أو أنماط لنظم حكم غير ديمقراطي ويمكن أن يكون: شمولي تسلطي مغلق، أو نظام شبه ديمقراطي يأخذ شكل الديمقراطية، وهذا ما ينطبق على نظام لبنان الحالي.
من جهة أخرى، فإن الآلية الدستورية اللبنانية/ الإقليمية/ الدولية لقيام هذا النظام يجب أن تكون على الشكل التالي:
- إنّ الإنتقال إلى النظام الإنتقالي الديمقراطي، أو ما يُعرف بالجناح الإصلاحي، يكون بمبادرة من قوى المعارضة مدعومة بتأييد شعبي واسع ومن خلال تفاوض بين المعارضة والمجتمع الدولي من خلال مشروع أممي.
- إنّ مفهوم النظام الإنتقالي يُشير من الناحية النظرية إلى مرحلة وسيطة (تشهد في الأغلب أهم المراحل الفرعية) حيث يتم تفكيك النظام غير الشرعي القائم وبناء نظام سياسي جديد.
أما الغاية من النظام الإنتقالي الديمقراطي الجديد فهي تشمل إنتقال مختلف عناصر النظام السياسي مثل البُنية الدستورية، القانونية، القضائية، والأمنية كما المؤسسات والعمليات السياسية. إنّ مرحلة الإنتقال إلى الديمقراطية السليمة يجب أن تشهد عملياً تشكيل حكومة إنتقالية تتضمن الوزارات السيادية كمرحلة إنتقالية. على هذه الحكومة الإنتقالية أن تمتلك القدرة على ممارسة السلطة وإقرار سياسات جديدة تعكس حالة الإنتقال إلى الديمقراطية.
وتكون مهام هذه الحكومة:
- تعيين قائد جديد للجيش اللبناني
- نشر الجيش والقوات المسلحة الشرعية بمؤازرة القوات الدولية على كامل التراب الوطني.
- سحب ما تبقّى من سلاح غير شرعي بأيدي كل اللبنانيين وخصوصاً سلاح حزب الله.
- الإسراع في وضع ستراتيجية سياسية وقضائية ضمن صلاحيات واختصاصات معينة.
- دراسة وإقرار قانون للإنتخابات النيابية يُعيد إعادة بناء السلطة بشكل ديمقراطي والعودة إلى الدستور اللبناني.
نرجو أن نتمكن من هذه الدراسة من تعزيز مفهوم الديمقراطية في ممارسة العمل السياسي ونشر الثقافة الديمقراطية. كما الإضاءة على أهمية تدعيم دور المجتمع المدني بما يتفق وأسُس النظام الديمقراطي، على أن يتم ذلك بشكل تدريجي ومن خلال التفاوض وإجراءات بناء الثقة بين اللبنانيين كافة.