بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي
عادة، يتم التعريف عن الوطن بأنه سيِّد نفسه. دولته حاضرة وفاعلة تتمتّع بأفضل العلاقات مع جيرانها بسبب علاقاتها الدبلوماسية، التجارية، الثقافية وغيرها. لديها حضور سياسي فاعل وصارم على المسرح السياسي الداخلي، الإقليمي والدولي. كما لها القدرة العسكرية الشرعية للمحافظة على نظامها وأمنها وحدودها.
غير أن الجمهورية اللبنانية بتركيبتها الحالية هي جمهورية فاشلة مشلّعة، أرضها مستباحة، شعبها منقسم على ذاته، تحتلّها إرادات خارجية بالتعاون مع أركان نظامها الحالي، وتشهد راهناً حرباً على أرضها وهي عمليًا لم تقررها. وبصريح العبارة ليس بمقدور الشعب اللبناني تحمُّل وزرها.
في غمرة هذه الحرب المستعرة، والتي بدأت تأخذ عنواناً واضحاً، ربما يكون من نِتاج محادثات إقليمية/دولية، ألا وهو “القضاء على أذرع إيران في بعض مناطق الشرق الأوسط”، ووفقاً للمعطيات التي بدأت تظهر جلياًظ، يبدو من الصعب إيقافها بموجب بند يُسمى “وقف إطلاق النار”.
ومن العوامل التي تزيد الأمر تعقيداً، ومع هذه المنافسات في التدخل في شؤون الجمهورية اللبنانية، ومع ضعف الإرادة السياسية اللبنانية نتيجة الخلافات القائمة بين “القبائل السياسية المتناحرة”، سيطول أمد هذه الحرب وستكون أكثر قُبحاً على الجمهورية اللبنانية ومؤسساتها وشعبها.
لقد تظهَّرَ لنا، نحن الباحثون في “المركز الدولي للأبحاث السياسية والإقتصادية PEAC”، وجود أكثر من عامل على صعيد هذه الحرب. الأول هو أنّ توازن القوى الذي ادّعتْ إيران امتلاكه عبر “حزب الله” يشوبه الغموض والإنكسار بفعل ضربات الحكومة الإسرائيلية الموجّهة إلى كادرات وعناصر هذا الحزب تحت غطاء إقليمي ودولي .
أما العامل الثاني فهو تفريغ الساحة اللبنانية من أصحاب الشأن، في وقت تدور فيه صراعات محلية وإقليمية ودولية على المسرح السياسي اللبناني، وهي ضمن نطاق واسع على طريقة “هبج ما تريده”. وهذا الصراع على الأرض اللبنانية أصبح أشدّ فتكاً من أي وقت مضى.
أما العامل الثالث فيتمحور حول قضية توريد السلاح إلى الجمهورية اللبنانية وتعاظم هذا التوريد تحت نظر الدولة اللبنانية والدول العربية الممثّلة ببعثاتها الدبلوماسية، كما أيضاً البعثات الأجنبية وفي طليعتها البعثة الأميركية التي تُعتبر معنية مباشرة بأمن لبنان، كونها من البعثات التي تهتمّ برعاية الجيش اللبناني. وكان من نتاج تدفق هذا السلاح، الذي يتناقض وقانون الأسلحة الدولي وتغاضي المجتمعين العربي والدولي، أن تحوّل لبنان إلى مركز للإرهاب الفكري – العسكري وبات مهدِدًا للسلم المحلي الإقليمي والدولي .
وفقًا لخبرتنا في السياسة ومفاعيلها فإنّ تذليل عقبات هذه الحرب على النحو الذي تسير به أشبه بالمهمّات المستحيلة، كوننا نُعاني شحّاً في المسؤولية الرسمية في ظل غياب النظام السياسي اللبناني الفاعل، وفي ظل مرجعيات سياسية أضحت العمالة هدفها وتسعى جاهدة لتطبيق أجندة دولة إقليمية تسعى بكل مأ أوتيَتْ من ظروف للقضاء على النظام الديمقراطي وإنشاء نظام شمولي، دكتاتوري، عسكري وميليشياوي.
إنّ إعادة الإستقرار إلى الجمهورية اللبنانية لأمـر مستحيل وغير قابل للتطبيق في ظل التوازنات الحالية. إضافة إلى أنّ السياسي اللبناني الممهور بعمالته للخارج لا يمكنه أن يبتدع أو أن يشارك في رسم حلّ لأنه أقحم نفسه في العمالة السياسية وبات أداة بيَد أطراف لديها مصالح خاصة، ما يجعل التعاطي معه غير يمكن إلا من خلال إقصائه عن الشأن العام بسبب فشله وعمالته.
وفقاً لبعض المعطيات الدبلوماسية والبحثية التي وردتنا من خلال بعض البعثات الدبلوماسية ومراكز الأبحاث، من المرجّح أن عدم الإستقرار سيستمّر في الجمهورية اللبنانية طالما استمرّ وجود “أشباه رجال سياسة وعملاء”، وطالما استمرّتْ الجمهورية الإسلامية في المُضيّْ بمساعدة مكوّن لبناني يُخالف أبسط القواعد الدستورية وقانون الأحزاب والجمعيات، وطالما لم يسعَ المجتمعَين العربي والدولي عبر جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي لمساعدة اللبنانيين الشرفاء، بصفتهم سلطة إنتقالية بديلة عن هذا النموذج العميل في ممارسة السلطة والذي أحدث حالة حرب بين لبنان وباقي الدول المحيطة.
إنّ الهدف الأقرب إلى التحقيق هو دعم “سلطة إنتقالية” لاتخاذ ترتيبات لإدارة الأزمة الحالية على نحو أفضل من ضمن مبدأي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، كون لبنان عضواً فاعلاً فيهما، من أجل تقليص إحتمالات الحرب. ونعتبر، كمركز أبحاث، أنّ تأسيس آليات لتبادل المعلومات والطروحات الفكرية السياسية ومندرجاتها قد يوفّر الطرق لتخفيض خطر هذه الحرب وحدّتها .
في مقالتنا هذه وإستناداً إلى العنوان المُشار إليه أعلاه : “على من تقع مسؤولية الصراع الدائر في لبنان، ومن يكون صاحب التسوية؟”، تقع المسؤولية منطقياً على الطبقة السياسية العميلة التي حكمتْ خلافاً للأصول الديمقراطية والتي سمحت، عن سابق تصوّر وتصميم، بإقامة الدويلة ضمن الدولة تحت ستار شعارات فارغة نتنة كأصحاب الوجوه الصفراء التي حكمتْ الوطن وإلتي أدّتْ أفعالها لما نحن عليه.
أما لناحية “من يكون صاحب التسوية” أو بصريح العبارة من له الأحقية في ذلك، ففي هذا الإطار ينبغي على المجتمع الدولي وكل الفاعلين على المسرح السياسي الإقليمي إقامة تحالف استراتيجي في لبنان مع “النظام الإنتقالي”، وبذل جهود موازية لتوسيع الآليات لرسم سياسة لبنانية/ عربية/ دولية تلعب الدور الريادي سياسياً وأمنياً، كما اقتصادياً ومالياً. الأمر الذي سيُعيد الجمهورية اللبنانية إلى مسارها الديمقراطي بما فيها موضوع عدم انتشار الأسلحة وقيام الأنظمة الميليشياوية… وللبحث صلة .