الحرة بيروت ـ بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي
تُدار الإدارة في الدول وفق منظومة سياسية رشيدة بعيدًا عن المحسوبيات والكراهية والشخصنة والمصالح الخاصة، كما أنّ هذه المنظومة تسترشد دائمًا حكمًا رشيدًا بواسطة مسؤولين كفوئين أصحاب اختصاص وذوو فكر حر متحرر ينسجم مع شرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي. إنّ أي هدف من إدارة الدولة وفقًا للأطر القانونية هـو تنفيذ السياسات الإستراتيجية بكفاءة وفعالية وتقديم خدمات معينة، ويجب أن يتمّ التركيز على دعم سيادة القانون من ضمن نقاشات بنّاءة وإيجاد حلول لأي تحدّ يواجهه الحاكم أثناء ممارسته السياسة.
الإدارة الرشيدة مهمتها عقل ديمقراطي تشاركي وإستنباط حلول لأي مشكلة قد تطرأ ضمن الحياة اليومية بكافة المستويات السياسية – الأمنية – الإقتصادية – المالية – التربوية – الإجتماعية – الحياتية. إنّ أي إدارة رشيدة رسمية النهج من المفترض أن تمثِّل ترجمة ما يُعرف بـ”العقد الإجتماعي” الذي يُحافظ على القيم الأخلاقية والإنسانية وكرامة الأفراد. ومن ضمن مهمامها أيضًا صون حقوق الأفراد داخل المجتمع لأنّ كرامة الفرد مُقدّسة وفقًا لشرعة حقوق الإنسان، وأي إهمال لهذه المبادىء يمكن إعتباره خرقًا للقانون يُحاسب عليه المرجع المسؤول لدى المفوضية الإنسانية لحقوق الإنسان، أو داخل النظام السياسي الذي ينتمي إليه.
ضمن الأنظمة السياسية الديمقراطية الراقية التي تسهر على سلامة الإدارات الرسمية المدنية والعسكرية هناك سعي دؤوب على تنفيذ إستراتيجية إدارية طبقًا لخطط طويلة الأمد، كما تهدف الأجهزة الرسمية التابعة للدولة إلى خدمة أهدافها وتعمل على تطبيق القوانين بشكل علمي وقانوني لا يحمل أي جدل أو تأويل. وإستنادًا لدراسة أُجرِيت في مركز PEAC يَتَبع الوزراء والمدراء العامون والديوان الوزاري قواعد وإجراءات محددة يلتزم بها الموظفون من كافة الرتب الذين يؤدّون مهامهم الموكلة إليهم.
نستند في ابحاثنا دائمًا إلى “علم السياسة” الذي يقول “إنّ علم الإدارة نشأ وترعرع في كنف علم السياسة وقد نادى عدد من علماء السياسة والباحثين بضرورة وضع المبادىء العلمية المستقلّة والمتميِّزة لهذا العلم”. والأمثلة كثيرة ونقتبس ما ورد عند الرئيس الأميركي ولسن في مقالته الشهيرة تحت عنوان “دراسة الإدارة العامة” إذ حاول أن يجِـد معيارًا للتفرقة بين الإدارة العامة والسياسة، وحرفية ما كتبه: “إنما تعني كيفية أداء الأعمال على عكس السياسة التي تعني تحديد الأهداف وتحديد ما ينبغي القيام به من أعمال، وهذا فضلاً عن أنّ السياسة تتسِّم بالتسريع والإندفاع. ولذلك فإنّ الشؤون الإدارية تختلف عن الشؤون السياسية على الرغم أنّ السياسة هي التي تحدّدْ مهام الدولة”.
في الدول المتحضرة تحظى الإدارة السياسية بإهتمام رجال السياسة (رئيس الجمهورية – رئيس الحكومة والوزراء – رئيس مجلس النوّاب والنوّاب)، كما تحظى السياسة العامة بإهتمام رجال الإدارة (الموظفون من كافة الرتب). والتفسير العلمي المنطقي يُشير إلى أنّ السياسيين يهتمّون بالإدارة العامة بوصفهم وزراء، نوّاب، أعضاء مجلس النواب، أعضاء في الحكومة، أحزاب، فعاليات، هيئات المجتمع المدني، كما أنّ الإداريين يهتمّون بالسياسة العامة لكونهم أعضاء مسؤولين يُشاركون الوزراء في مقترحاتهم وآرائهم في رسم الأهداف العامة.
المؤسف في الجمهورية اللبنانية، ومن خلال بحث تاريخي موّثق عن الإدارة تبيّن أنّ هناك خيبات أمـل متكررة ولا أمل في هذه المرحلة من وجود فسحة أمل لولادة إدارة سياسية تنتهج الأصول الإدارية الموضوعية والسليمة. إنّ ما يدفع لهذا التوصيف مرارة ممزوجة بالخنق والتربة الخصبة التي تترعرع فيها المنظومة السياسية المنتهجة منذ سنين طويلة والأداء هو بمثابة سم في دسم الفوضى، وهذا السم الممارس هو العدو الأول لهذه الفوضى في الإدارة العامة اللبنانية، وليس من المستغرب أنّ هذا الأداء العفِنْ الدائم هو لتحطيم الضوابط التي يضعها القانون والدستور منعًا لإساءة إستخدام السلطة.
إنّ هذا النوع من الإدارة السيئة في الجمهورية اللبنانية يُعّدْ إيذانًا بالإستبداد في عدة أثواب من هذه الإدارة. في الظاهر هناك ضوابط معينة ولكنها عمليًا هي وهم وسراب وسطوة على حقوق المواطنين، في حين يرزح المواطن اللبناني تحت نير العجز لأنّ أي معاملة تستغرق سنوات وسنوات لكي تُنجز هذا إذا أنجِزَتْ ويبقى المواطن مكبلاً طوال حياته.
- في ما يتعلق بالإستحقاقات الإدارية الداهمة ولا سيّما منها لدى الموارنة: قائد الجيش – حاكم مصرف لبنان – مدير عام الجمارك – مدير عام وزارة المال – مدير عام وزارة التربية – مدير عام وزارة النفط – مدير عام الموارد المائية والكهربائية – مدير عام الأحوال الشخصية – مدير عام الدفاع المدني – رئيس اللجنة الإدارية للمشروع الأخضر – رئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان – رئيس المؤسسة الوطنية لترتيب الضاحية الجنوبية (أليسار) – نائب رئيس مجلس النواب.
- أما الشغور عند المُسلمين السُنّة: مدير عام القصر الجمهوري – مدير عام التنظيم المدني – مدير عام الطيران المدني – مدير عام المجالس والإدارات البلدية في وزارة الداخلية – مدير عام وزارة السياحة – مدير عام التعليم العالي – مدير عام النقل البري والبحري – مدير عام المنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس – رئيس هيئة التفتيش القضائي – رئيس لجنة الرقابة على المصارف – مدير عام وزارة الثقافة – رئيس مجلس الإنماء والإعمار – مدير عام قوى الأمن الداخلي.
أما الشغور عند الشيعة – الدروز – الأرثوذكس – الكاثوليك، حيث تبدو نسبة الشغور أقل من غيرها.
- الشيعة: مراكز الفئة الأولى: مدير عام الأمن العام – مدير عام وزارة الشؤون الإجتماعية – مدير عام التعليم المهني والتقني – محافظ النبطية – رئيس المجلس الأعلى للجمارك – المدعي العام المالي – رئيس إدارة بنك إنترا.
- الدروز: مدير عام وزارة الصحة – مفوض الحكومة لدى مجلس الإنماء والإعمار – مدير عام تعاونية موظفي الدولة.
- الروم الأرثوذكس: مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان – مدير عام وزارة العمل – مدير عام الصندوق المركزي للمهجرين – رئيس مجلس إدارة المركبات والآليات.
- الروم الكاثوليك: مدير عام الطرق والمباني في وزارة الأشغال العامة – رئيس مجلس إدارة ومدير عام تلفزيون لبنان – رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل – عضو المجلس العسكري في قيادة الجيش – مدير عام وزارة الصناعة.
- طائفة الأرمن الكاثوليك: مدير عام الإحصاء المركزي .
- التعيينات القضائية – القائمقامين وتطول اللائحة (المعلومات الواردة عن الشغور مستقاة من الدولية للمعلومات).
نأمل أن تأتي التعيينات وفق ما ينص عليه الدستور والقوانين النافذة، وعدم إعتماد مقاربات من شأنها أنْ توّلد إدارة هجينة لتسهيل مهام الجمهورية.