السبت, مارس 15, 2025
3 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

بسام ضو ـ الجيوسياسية وتحدياتها على النظام السياسي اللبناني

الحرة بيروت ـ بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي

تشكلت في الفترة الراهنة مرحلة جديدة من الاستراتيجية الجيوسياسية في المنطقة وبات من المفيد أن تُعيد الإدارة السياسية اللبنانية النظر في منظومتها السياسية وفي الآلية المتبعة لمواكبة التطورات الأخيرة. لا بل من المفيد والضروري أنْ تُعيد البُنية السياسية الفكرية إنتاج رأي عام سياسي مكوّن من نخبة النخبة، لا على الوراثة السياسية كما هو حاصل في السنوات الماضية.

كل الإعتقاد لدى مراكز الأبحاث ومنهم “مركز PEAC، المركز الدولي للأبحاث السياسية والإقتصادية” أنه من المفترض، لا بل الأهم، إعادة النظر في رجالات السياسة في لبنان. وهذا الأمر ليس إنتقاصًا منهم ولا من الأدوار التي لعبوها، حيث يؤشِّر المنطق إلى أنّ أفكارهم بما أسدتْ مضى عليها الزمن. وليس من نافل القول عفى الله عمّا مضى بل الواقع الجيوسياسي يتطّلبْ ذهنية سياسية جديدة وفكرًا سياسيًا علميًا مبنيًا على قواعد “العلوم السياسية” وغيرها من العلوم القضائية – العسكرية – الإقتصادية – المالية – الإجتماعية لتأسيس مرحلة تواكب النظام السياسي الجديد.

ما حصل مؤخرًا يدعونا إلى إعادة النظر على مستوى اعتماد منظومة سياسية جديدة مبنيّة على قراءة واقعية لمسار الأمور، كما إعادة النظر في نمط السياسة اللبنانية التقليدية التي كانتْ تمارس خلافًا للنظم الديمقراطية. من الواقع الإعتراف بجوهر ما حصل في الجمهورية اللبنانية غداة انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وما رافق هذا الإنتخاب من تسمية القاضي نوّاف سلام لرئاسة الحكومة، وللتشكيلة الحكومية وللوجـوه الوزارية التي ضُمّتْ إلى الحكومة. وهذا الأمر وفقًا لعلم السياسية يفترض إعادة توجيه النظام السياسي إلى مرحلة التحرُّرْ من الإرتهان الذي كان  في زمن الوصاية.

إنّ الجيوسياسية الحالية وتأثيرها على الواقع السياسي اللبناني قد أصبحت أمرًا حتميًا ولديها كامـل التأثير كقوة شبه عُظمى على الواقع اللبناني، والمؤشرات كبيرة ومتشعبة وكل الدلائل تُشير إلى أنّ الدول العُظمى وبكافة مكوناتها الإستراتيجية والفكرية والجغرافية تسعى إلى إقامة فرض أمن مستَّتِبْ في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنه الجمهورية اللبنانية. هذا الأمر يدُّلْ على أنَّ أي فكـر رجعي – شمولي – إستعماري، الذي كان يُهيمنْ على بعض دول شرق المتوسط ومنها الجمهورية اللبنانية تراجع، إن لم يُوصّف بـ”المهزوم”. من هنا يمكن القول أنّ الجيوسياسية الجديدة تسعى إلى توسيع رقعة إمتدادها لتشمل أكثر من منطقة ونظام سياسي. هذا الأمر الحاصل يُلزم الدول المعنية على التفكير الإستراتيجي في مصير أنظمتها وحكامها وأن تُعيد النظـر في نمطيّة وسلوكية أنظمتها التي كانت تقوم على “حكم الرُعاع والإقطاع والدكتاتورية وضرب النظام الديمقراطي وممارسة الشمولية الفكرية والأصولية الدينية”.

وفق وجهة نظرنا في مركز”PEAC” البحثي، إنّ المُشاركة في المعادلة الجيوسياسية الجديدة القائمة على مبدأ إستعادة التوازن السياسي أمر بات مُلحًا، ومن المفترض أن تكون المنظومة السياسية المواكبة لهذه الجيوسياسية على درجة عالية من الوعي والنشاط والإصلاح، ومن المفيد أن تكون مخرجاتها ومبادئها أكثر جـودة وإتِّزانًا. هذا مع العلم أنّ المنظومة السياسية اللبنانية مرحليًا وسابقًا كانتْ تعاني من عدم الإستقرار وفقًا لدرجات الإختلال التي وصلتْ إليها. لذلك إنّ الجيوسياسية الحالية يجب مواكبتها بدور أساسي وتنظيم سياسي فاعل عن طريق توجيه سلوكيات سياسية جديدة بواسطة نخب فكرية متنوّرة في مختلف مجالات الحياة المجتمعية. فكلما واكبت الحياة السياسية الجديدة منظومة الجيوسياسية الجديدة وكانت قادرة على ضبط التفاعـل السياسي – الإجتماعي – الفكري يُتوّقعْ أن يكون المجتمع اللبناني أكثر إستقرارًا.

إنّ المشهد السياسي اللبناني بواقعه الحالي (نظام برلماني نتيجته مُخالفة لنظام الديمقراطية وحُسنْ سير تداول السلطة إضافةً إلى واقع أمني – عسكري – مالي – إقتصادي – إجتماعي يشوبه الخلل البنيوي)، هو نتيجة أسباب عديدة يأتي على رأسها ساسة مارسوا العمل السياسي دونما إدراك ومسؤولية وتصّدروا الدور المشهدي في النظام، بالإضافة إلى عدم محافظتهم على السيادة الوطنية وعلى أصول الممارسة السياسية الديمقراطية وعلى التفريط بمالية الدولة ممّا تسبّبَ بهدر المال العام، وهذا ما أحدث هيمنة على المشهد السياسي الداخلي اللبناني حيث كانتْ تتحكّم هذه السلطة في معظم الإمكانات والموارد المادية في الدولة.

في ظل الجيوسياسية الجديدة وتحدياتها، على النظام السياسي اللبناني كإدارة سياسية جديدة متمثّلة برئيس الجمهورية والحكومة إعادة تقييم الخيارات الجيوسياسية – العسكرية – الإقتصادية – المالية – الإجتماعية خصوصًا مع تصاعد خطاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المختلف تمامًا عن خطاب الإدارة السابقة، معطوفًا على مرحلة من سياسة الضغط التي بدأت الإدارة الأميركية الجديدة ممارستها، الأمر الذي قد يُعيد تشكيل علاقة بين الإدارة الجديدة والأنظمة في منطقة الشرق الأوسط ومنها لبنان.

إنّ التعامـل مع الجيوسياسية وتحدياتها يتطّلب دبلوماسية دقيقة ورجال قرار يؤمِّنون توازنًا دقيقًا بين تعزيز الإنفتاح على الجيوسياسية الجديدة مع الحفاظ على إستقلالية القرار الوطني وعدم الإنغماس في مشاكل المنطقة ومنها قضية الترانسفير. المطلوب اليوم من فخامة رئيس البلاد ورئيس الحكومة وأصحاب المعالي التحرُّك وفق رؤية وطنية إصلاحية تحقق أعلى قدر من المكاسب مع أقـل قدر من المخاطـر، كما تجنُّب سياسات مبنيّة على الإصطفافات الصارمة كما كان الأمر معتمدًا.

الجيوسياسية الحالية تفرض على النظام السياسي اللبناني وعلى اللبنانيين التعددية في الخيارات للمحافظة على الإستقلالية في القرار والتطبيق. إنّ تبّني سياسة ديمقراطية والمحافظة على الأمن الداخلي والإقليمي وإرساء إقتصاد وطني هم الخيار الإستراتيجي الذي يضمن للجمهورية اللبنانية تحقيق مصالها الوطنيّة في بُنية الجيوسياسية الجديدة والتي تتسّم بالحزم إزاء قضايا الأمن والسياسة والإصلاحات البنوّية. كمركز أبحاث PEAC، باعتقادنا أن هذا ما يجب أن يقوم به النظام السياسي اللبناني ولنا ملء القدرة على المساعدة.

https://hura7.com/?p=44919

 

 

 

 

 

 

 

                                          

 

 

الأكثر قراءة