الحرة بيروت
يُشير علم الإعلام إلى دراسة الترابط المتبادل بين وسائل الإعلام وإنشاء المعرفة العلمية، فضلاً عن تأثير وسائل الإعلام على الخطاب المتدوال والذي يُفترض أنْ يُميِّز بين الحق والباطـل. علم الإعلام هو مصدر التطورات البِنائية – الفِكرية التي من المفترض أن تشهدها المجتمعات المتحضِّرة – المتطوِّرة وتنمو بفعل تطوّر وتحديث التكنولوجيا الحديثة التي تعتمدها وزارات الإعلام ووسائل الإعلام الحرّة التي تُساهم في توضيح وإكتمال ما يُعرف بـ”معادلة الإعلام الصادق بأبعاده الإخبارية – التحليلية – التنموّية”. كما أنّ الرأي العام الإعلامي واقع سليم صادق وممارسة يتضمّن سلسلة مفاهيم ومنظومات علميّة تكشف العلاقة الوطيدة مع مفهوم الحقيقة الصرف.
من الشروط الرئيسية والمركزية لأي مسؤول إعلامي ومتعاطٍ في الشأن الإعلامي الإحتكام دائماً إلى الرأي العام حيث لا إعلام قوي أو حُر من دون وجود إرادة شعبية متحرِّرة غير مرتهنة وجريئة، والإعلام الحر هو وليد إرادة رأي عام صادق يحمل همومه ومطالبه ويُترجمها على أرض الواقع إستناداً لمبادىء شرعة حقوق الإنسان وما ورد في مقدمة الدستور اللبناني الفقرة /د/ “الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبرَ المؤسسات الدستورية”. ومتى كان الرأي العام والإعلام أحراراً تعظم المسؤولية وتكُثُرْ حركات الوعي.
ليكُن معلوماً لدى جميع الساسة والرأي العام أنّ حرية التعبير وحرية الرأي وحرية التفكير كرسهم الدستور اللبناني، كما لا بُدّ من تذكير القُراء الكرام أنّ الرأي العام والإعلام في الجمهورية اللبنانية من المفترض أن يتمتّعا بالحرية المسؤولة والديمقراطية الشفّافة الصادقة وهما النموذج الصالح لمقاربة موضوع الرأي العام والإستحقاق الإنتخابي بكل أبعادهما، إنطلاقاً من أنّ الإعلام الصادق والحر هو المنبر الذي يُعبِّرْ من خلاله الرأي العام عن رأيه وتطلعاته بحرية ملحوظة ومضمونة فكراً ونهجاً وقانوناً شرط أن تتماهى مع القوانين المرعية الإجراء وإلاّ تأخذ منحى فوضوياً. إنّ الرأي العام هو محض خصوصية فكرية حضارية متنوِّرة وممارسة ديمقراطية له أبعاد سياسية – فكرية ذات أهمية فكرية بعد مناقشات مستفيضة تحمل الطابع الديمقراطي لا الإلغائي الإقصائي إلى جانب موقف الهدف منه الصالح العام لا الصالح الخاص على ما هو قائم حالياً على المسرح السياسي اللبناني.
لا يُمكن لأي إستحقاق إنتخابي أنْ يلتزم الأصول الديمقراطية ويتعهد حقوق الإنسان وكرامة الإرادة الشعبية إنْ لم يكُن الجو الإنتخابي العام بمسؤوليه وناخبيه (الرأي العام) مُلتزمين القيم الوطنية والخُلقية ومتفهمّين واقع الناس ومعاناتهم ومطالبهم وقضاياهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر (حقوق المودعين – المطالب الشعبية الإجتماعية المحقّة – الحرية والسيادة الوطنيّة) حيث لا يجوز لأي مسؤول عن الإستحقاقات الإنتخابية التغاضي عن مطالب اللبنانيين ويمرّ عليها مرور الكرام، كما أيضاً على الرأي العام أنْ يكون حُـراً في خياراته مبتعداً عن التضليل الذي يُمارس أثناء الحملات الإنتخابية والذي يهدُف إلى تجيير الأصوات لصالح المنظومة السياسية الحاكمة.
في المقالة نود، كمركز أبحاث PEAC، التأكيد على ضرورة وجود نظام سياسي رشيد قوي خاضع للقانون، حيث من المتعارف عليه علمياً ودستورياً أن يقوم النظام السياسي على مبدأ الديمقراطية، أي على مشاركة الشعب في السلطة وخضوعه للقانون. لا بُدّ من التذكير بما قاله الباحث في العلوم السياسية Jams Young في معرض تحديده من هو الرأي العام: “الحكم الإجتماعي لجماعة ذات وعي ذاتي على موضوع ذو أهمية بعد مناقشة عامة ومقبولة”. إنّ الرأي العام من المفترض أنْ يكون الأداة المعبِّرة الحرّة عن آراء الناخبين بالنسبة إلى المسائل العامة المختلف عليها على أن تكون درجة إقتناع الناخبين بهذه الآراء وثباتهم عليها كافية للتأثير على السياسة العامة والأمور ذات المصلحة العامة بحيث يكون هذا التعبير ممثلاً لرأي الأغلبية ورضى الأقلية.
الرأي العام والإعلام والإستحقاق الإنتخابي في زمـن ومجتمع وواقع معيشي ما هم إلاّ وجهة نظر الأكثرية العامة من الشعب أو القلّة الواعية منه تجاه قضية أساسية يُفترض لها أن تتِّم في أجواء ديمقراطية (نقاشات – لقاءات) حتى يتحقّق المطلوب. لأنّ الرأي العام يستطيع عن طريق النقاشات أن يكوِّن فكرة صحيحة ويتخّـذ موقفاً صحيحاً وواضحاً من المشاكل المطروحة على بساط البحث. إنّ الرأي العام لا يتألف من خلاصة الآراء الفردية ولا من أكثرية هذه الآراء لأنّ الرأي العام ليس إستفتاء كما يعتقد البعض أو يُحاولون تسويقه ولا إقتراعاً شعبياً تُقرِّرهُ الأكثرية العددية الموّجهة وفقاً للمصالح الخاصة وغُبّ الطلب.
تزامناً مع الإستحقاقات الإنتخابية (بلديّة – إختياريّة – نيابيّة) لا يزال الرأي العام اللبناني يتخبّط في العديد من القضايا التي أوجدها له القيّمون على أموره وخصوصاً في فترة الإستحقاقات الإنتخابية، وقد تكون هذه الإستحقاقات هي التي رمتْ الرأي العام في هذا الكمْ من التناقضات السياسية، إنما ساسة الأمر الواقع الذين توالدوا عن إستحقاقات إنتخابية حمّلتها قوانين إنتخابية فُصِّلتْ على قياس مسؤولين غير كفوئين وغير وطنيين. والمبدأ العلمي السياسي يُؤشر إلى عدم جواز إستمرارية التلّطي في ذيول هذه القوانين الغير عادلة والدوران في ترداد هذا القول، وقد مرّ أكثر من 35 سنة على هذا الأمر والمؤسف أنّ النظام السياسي وقضايانا الوطنية ما زالت تُناط بساسة “الأمر الواقع” وتُعالج بالأمور نفسها وتُعرض على الرأي العام بالكلام المُنمّق المسبوك ببيانات وبدع لا تعدّ ولا تحصى.
غداة الإستحقاقات المقبلة على الرأي العام الحُر أن يعلم أنّ خياره يجب أنْ يكون مع أهـل العلم والخبرة والضمير الحي وأصحاب الإرادة الخيِّرة لأنّ المطلوب ليس الذهاب إلى صناديق الإقتراع بكثافة، إنما تحديد دقيق للأوضاع العامة في البلاد بكل تفاصيلها وإيجاد الحلول السليمة لكل أزماتنا وبمختلف مندرجاتها… إنّ النتائج المرجوّة لا تأتي بإعتباطية بل بفكر بنّاء واعٍ مقدام وبعلم وخبرة ونضال ووفاء للوطن وللدستور وللديمقراطية.