الحرة بيروت ـ بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي
كي تتمكّن الدول المتحضرّة من تحقيق أهدافها السياسية على مختلف مندرجاتها عليها أن تكون متمكِّنة من إدارة مواردها المالية بشكل علمي – سليم – صحيح – فعّال، وبهذه الآلية الدستورية – القانونية تستطيع الدول ضبط أي عملية حسابية على المستوى العام، وبهذه الطريقة السليمة تكون قد حصرتْ كل المصادر والموارد التي يمكنها تحقيق دخل لمؤسسات الدولة مع وجوب تحديد مُبرمج للنفقات الواجب سدادها خلال فترة الموازنة.
الموازنة السليمة في أي دولة تحترم سيادتها ومؤسساتها هي تخطيط مالي يوضح مصادر الأموال وطرق إنفاقها لفترة معينة. وفي العادة توضع الموازنة للدولة بكافة مؤسساتها بموجب آلية تُظهِر كيف تتمّ إدارة الأموال الخاصة من حيث عمليتَيّ الكسِب والإنفاق. وللمزيد من المعلومات للقارىء الكريم فهناك أنواع من الموازنات من حيث الوقت وهي كالتالي: الموازنة القصيرة الأجل؛ الموزانة طويلة الأجـل؛ الموازنة المستمرّة.
نقتبس مما ورد في دراسة أعدّها الدكتور جان عليّه في العام 2017 حيث أشار في سياق الدراسة لعدة أمور: “… أن تنفق الدولة وتجبي بدون موازنات بالمعنى الدستوري والقانوني للكلمة منذ العام 2005 إلى اليوم، فهذا أمر لا يمكن أن يحصل في دولة القانون، ربما نفهم ذلك إذا عرفنا أنّ الموازنة مرآة من زجاج يُرى من خلالها نشاط السلطة الحاكمة. تتمثّل أهمية الموازنة العامة للدولة في ضرورة معرفة الناس بضرورة نشرها، ليستطيعوا مراقبة الدولة وبناء رأيهم والإقتراع على أساسه، إذ تشكل الموازنة أداة أساسية في يد المواطن يستطيع من خلالها مراقبة برنامج الحكومة، وطريقة عملها لممارسة حقوقه الأساسية تجاه الدولة. فالموازمة عبارة عن برنامج عمل يعكس خطط الدولة المالية. إنّ تدخل الدولة في كافة ميادين الحياة الإقتصادية والإجتماعية وسعيها لتأمين حاجات مواطنيها المتعددة، فرض زيادة الإيرادات ما أثّر بشكل متنامٍ في وضع الدولة الإقتصادية والإجتماعي والنقدي… إنّ هذا الإعتبار يجعـل من الضروري وضع الخطط والمناهج للعمل على تحقيق الإستعمال الأمثـل للإيرادات لتحقيق التقدُّم المطلوب، فالموازنة العامة تعبِّر عن توجهات الدولة لتحقيق الرفاه الإقتصادي والإجتماعي للمواطنين”.
في الجمهورية اللبنانية لا تقدير في قيمة الإيرادات والنفقات ولا دقة في هذه الأمور، حيث أنّ الموازانات التي كانت تُدرس وتُقّر غير دقيقة ولم تحظ بدعم الإدارات المتأثرة بها بشكل مباشر، وبالتالي أعطى المسؤولون عن الوزارات المعنية على اختلاف إختصاصات وزاراتهم مبررات عن مصاريف غير مشروعة، بمعنى صُرِفَت الأموال بدون دراسة مالية مستفيضة، ممّا أثّـر على تجاوز الأهداف المرسومة لأي موازنة عملانية صادقة. والموازنات في الجمهورية اللبنانية، إستنادًا للقيود الرسمية، لم تلحظ أي تدقيق أو مراقبة. والمعلوم أنّ بنود الموازنة لم تُنفّذ وفقًا للمخصصات المرصودة وبالتالي هذا الإنفاق لم يُحدد الأهداف المرسومة.
الموازنات في الجمهورية اللبنانية، وإستنادًا لقيود رسمية تؤشِّر إلى صعوبة إستعادة الإنتظام المالي العام في ظل أزمات سياسية – أمنية – إقتصادية – مالية – إجتماعية، والسبب هـو سوء إدارة المال العام كما غياب الشفافية في إدارة كل موارد الدولة ومن دون إستثناء. إنّ هذا الوضع المالي الرديء في الموازنات يشكِّل عقبة جد خطيرة بوجه الأوضاع العامة في البلاد وطريقة إعداد هذه الموازنات. بالنسبة للعديد من مراكز الأبحاث هي “إحدى أخطـر الأزمات المزمنة التي تؤرق اللبنانيين وتفاقم معاناتهم”.
الموازنات في الجمهورية اللبنانية هي بعيدة تمامًا عن مفهوم الشفافية بدءًا من إعدادها مرورًا بهيكليتها ووصولاً إلى عمليات الصرف غير القانونية وضعف الرقابة. في الجمهورية اللبنانية يمثل الإنفاق العنصر الفعّال في هـدر المال العام، ويُعّـد الإنفاق وسيلة لهدر المال العام خاصة في مجالات الإنفاق من خارج الموازنة بموجب سلفة خزينة. ومن المؤسف عدم ملاحظة أي عملية رقابة داخلية علمًا أنّ الرقابة هي جزء لا يتجزأ من النظام الذي تستخدمه الدول في مراقبة عمليات الإنفاق.
في الجمهورية اللبنانية لا ممارسة حكومية في التحكُّم في عملية الإنفاق وهذا أمر بالغ الأهمية في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية. كمركز أبحاث PEAC وإستنادًا للمادة 17 من قانون المحاسبة العمومية من المفترض أن يتم تقديم مشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء عبر معالي وزير المال قبل الأول من أيلول مدعمًا بتقرير يُحلّل ضمنه الإعتمادات المطلوبة والفروقات الهامة بين أرقام المشروع وبين أرقام موزانة السنة الجارية، وبعدها تدرس الموازنة عبر مجلس الوزراء وتُرسل لجانب السلطة التشريعية عملاً بالمادة 83 من الدستور. من الملاحظ أن كل الحكومات خالفت مبدأ تقديم موازنة شفّافة ضمن الأطر القانونية وهذا ما إستتبع عمليات الفوضى في الإنفاق وهدر المال العام لعدم تدارك الوقائع القانونية المالية التي من المفترض إتخاذها ليصبح الوضع المالي للدولة سليمًا.
كمركز أبحاث PEAC نعتبر أنّ هناك أهمية كبرى للموازنات في حياة الشعب اللبناني وبالنسبة لأدائنا البحثي القائم على التطوير والمشاركة إننا نشجع مواطنينا على المشاركة في أعمال مراقبة الموازنة والغاية دعم أهداف شعبنا وسياساته من خلال مراقبة عملية إعداد الموازنة ودرسها وإقرارها لأنّ عملية إعداد الموازنة تتطلب تحليل بنودها ونتائجها بهدف نجاحها وتحسين الجباية والإنفاق ومنع الهدر في الأموال العامة.
إن مراقبة الموازنة في الجمهورية اللبنانية يتطّلب الجديّة في ضبط الإنفاق الحكومي في مختلف الوزارات ومنع الهدر وضبط العجـز في الموازنة العامة لأنّ المسار المالي العام في الجمهورية اللبنانية لم يحترم تلك الأصول. وبالتالي كان هذا المسار الفوضوي أحد الأسباب الجوهرية للإنيهار المالي، وإلّا سنبقى في إطار موازنات فوضوية تؤدي إلى الإنهيار المالي للدولة ولكل مؤسساتها وللشعب اللبناني. هل هذا هو المطلوب وهدف السلطات القائمة؟!