الأربعاء, أبريل 23, 2025
18 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

بسام ضو ـ خمسون سنة من سيء إلى أسوأ

bassam daou

الحرة بيروت ـ بقلم: بسام ضو، كاتب ومحلل سياسي

الجمهورية اللبنانية جمهورية سيّدة مستقلّة ذات سيادة غير منتقصة وغير مجزّأة على ما جاء في دستورها المعتمد بعد التعديلات التي أجريت عليه في العام 1990 بموجب القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21 أيلول 1990. إستنادًا لمبدأ العلوم السياسية، فإنّ السيادة حق كامل للسلطة الحاكمة وسلطتها على نفسها دون أي تدخُّل من جهات أو هيئات خارجية، والرمز الوطني للسيادة: النبالة السياسية للحُكّام؛ الولاء للوطن؛ المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية.

وأيضًا كمركز أبحاث PEAC نعتبر أنّ مفهوم السيادة الوطنية من الضرورة شموله ثلاثة عناصر رئيسية وهي: الأرض؛ الشعب والسيادة التامة. كما أنّ السيادة المطلقة والناجزة تُشكِّل المصدر الشرعي الذي لا رديف له للسلطة الشرعية الوطنية المنبثقة عن انتخابات شرعية دستورية وفقًا للنظام الديمقراطي، وهي أساس العلاقات الداخلية والخارجية. كما يتطلّب علم السياسة أن “تكون السلطة العامة مستقلّة ممّا يُعطي الدولة صفة السيادة”.

بعيدًا عن الادّعاءات والمصالح الخاصة والكيديات، اندلعت الحرب في العام 1975، بعد سلسلة خروق للسيادة الوطنية وتعمية فاضحة من قِبل بعض المسؤولين اللبنانيين، لا سيّما الإنقسامات في المواقف التي أدّت إلى أزمات بنيوية وأسباب متصلة بموقع الجمهورية اللبنانية الإقليمي، ممّا أدّى إلى تحويل الأرض اللبنانية إلى ساحة للصراع. ولن يخفى الأمر أنّ هناك عدّة عوامل ساهمت في اندلاع هذه الحرب الشرسة التي أسموها زورًا “حرب أهلية”، ونُعدِّد بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • وجود عوامـل انقسام سياسية محض طائفية مذهبية استغلتّ موضوع فلسطين للإطباق على النظام السياسي اللبناني.
  • وجود عوامل إقتصادية إجتماعية فكرية عقائدية ناتجة عن انتشار حالات اللاوعي الوطني والتضليل السياسي والفقر والعوز.
  • وجود عوامـل خارجية منها الإقليمي العربي والدولي كان محورها قضية فلسطين والكفاح المُسلّح الذي سلكته منظمة التحرير الفلسطينية خلافًا للمنظومة السيادية اللبنانية تحت ستار إتفاقية القاهـرة.
  • خطر توطين الفلسطينيين أو ما كان يُعرف بـ”الوطن البديل”.

حرب العام 1975 ليست حالة هامشيّة نمرّ عليها مرور الكرام، إنها على ما يبدو قابلة للتكرار على نحـو أشدّ خطرًا على كافة المستويات، وفي طبيعتها وجوهرها وأهدافها أطلقت وما زالت تُطلِق العديد من الوقائع المقلقة والخطيرة على صعيد الداخل اللبناني: سياسيًا – أمنيًا – إقتصاديًا – ماليًا – إجتماعيًا – ديمغرافيًا – جغرافيًا. هذه الوقائع لا يُمكن الإستهانة بها أو التقليل من أخطارها، وإنها تتفاقم يومًا عن يوم وتزداد خطورتها سنة بعد سنة. إنّ التعامـل مع خطورتها المتشعِّبة بالطرق المنتهجة لأمر خطير جدًا، ومعالجة تداعياتها وأسبابها، فيه خلل كبير لناحية مقاربتها وإيجاد الحلول الناجعة لها. هناك خلل في المعالجة منذ أن وُضِعَت على سكّة الحل، وأتى الحل على حساب لبنانيين انغمسوا فيها رغمًا عن إرادتهم لأنّ إرادتهم كانت الصمود والوقوف في وجه مؤامرة التهجير والوطن البديل.

سطحية المعالجة تتعدّى الأخطاء والفئويات التي اعتُمدت من قِبل قادة الرأي، مسيحيين ومُسلمين، فكان الخلل في البُنية السياسية والخلل في المواقف والخلل في المواجهات على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، لا بل تكرّس هذا الخلل وترّسخ في أذهان اللبنانيين ونجمت عنه وقائع خطيرة طائفية ومذهبية تتحكّم اليوم بمصير الوطن وبمؤسساته الشرعية المدنية والعسكرية، وتكرّست المصالح الشخصية وفرضت أمرًا واقعًا سمجًا وشرعيات غير وطنيّة فرضتْ حضورها على المسرح السياسي اللبناني.

إنّ ما حصل من أمور غير شرعية منذ العام 1975 مرورًا بالعام 1990 ولغاية العام 2005 وحتى اليوم لهو أشبه بمقولة “مكذب خانا”، وإن تراكم هذه الأزمات في بُنية النظام السياسي منذ الإستقلال ولتاريخه ما زالت ذيولها فاعلة ومتجذّرة في واقع الحياة السياسية اليومية، ممّا أحدث خللاً في ممارسة النظام السياسي اللبناني وأدّى إلى ضعف السيادة الوطنية وتنامي التضليل السياسي المعطوف على زبائنية سياسية وسيادة منتقصة ودويلات ضمن الدولة وسلاح غير شرعي متفلّت تحت ستار “محاربة العدو الإسرائيلي” ومخيمات فلسطينية تُستغلّ غُبّ الطلب من قِبل فئات معيّنة. وهذا الأمر يتناقض مع جولة الرئيس الفلسطيني الذي زار الجمهورية اللبنانية لمرّتين مشدِّدًا على ضرورة استلام الدولة اللبنانية زمام الأمور داخل المخيمات وحمايتها على غرار ما يحصل في بعض الدول العربية المضيفة.

في هذه المناسبة نودّ، كمركز أبحاث PEAC، تذكير القارىء الكريم بالمداخلة التي ألقاها العميد ريمون إده والتي تناول فيها عدّة مواضيع وطنيّة، ومنها وضع البلاد الأمني بشكل عام والمشاكل التي حصلتْ حينها وصولاً إلى توقيع الحكومة اللبنانية ممثلةً بقائد الجيش حينها العماد إميل بستاني على اتفاقية القاهـرة، والتي رفض في مضمونها الإعتداءات من داخل لبنان باتجاه إسرائيل مُطالبًا بـ”بوليس دولي لحماية الحدود ومنع الأعمال العدائية على طرفي الحدود”. وممّا ورد في المداخلة: “طالما أنّ هنالك 140 فدائيًا، فلنطلب منهم أن يحلّوا عنّا شوي لأنهم قد يُسبِّبون لنا المشاكل”. رُفِضَ هذا الإقتراح لأنه لا يجوز منع العمل الفدائي… ونِعْمَ السيادة ماضيًا وحاضرًا.

أثبتتْ الحرب اللبنانية (حرب الآخرين على أرض لبنان) أنّ هناك خلافات مستعصية بين القوى السياسية اللبنانية. وهذه الخلافات أفضتْ إنقسامًا عاموديًا بين كل مكوّنات الشعب اللبناني وسط اعتماد خيارات غير دستورية تمسّ بالسيادة الوطنية وبأجهزة الدولة اللبنانية المدنية والعسكرية وخيار المسؤولين السابقين ومن تولّوا بعدهم، سواء أكان بالإنابة أو بمبدأية الإقطاعية السياسية. هو خيار الإنتهازية والإستغلال السياسي والعمالة والسرقات الموصوفة لخزينة الدولة وإفقار الشعب. وممّا اتضح أنّ هناك مؤامرة أركانها ومخططوها فعلةْ شر تُنَفّذ بواسطة وكلاء ساسة الأمر الواقع.

برهنتْ حرب العام 1975 وما سبقها وتلاها لغاية اليوم أنّ هناك إستبدادًا في الرأي مُمارس من قِبل ساسة الأمر الواقع، واستُعمِلَ لغاية ضرب الدولة ومؤسساتها، وهذا يعني أنّ هناك استمرارية سياسية كارثية على الدولة بكل مؤسساتها وعلى الشعب. كما نُلاحظ، كمركز أبحاث، أن هناك صراعًا متزايدًا في حدّته ووتيرة خطيرة بين منظومة ومنظومة سياسية وهذا ما أنتج حالة من الفوضى قد تصل إلى ضرب كل مقومات الدولة، وهو ما يؤكد فشل أي نظام ديمقراطي في التمكُّن من إعادة بعض الأمور لنصابها الشرعي – الديمقراطي.

حرب العام 1975، حرب همجية ما زالت ذيولها ماثلة للعيان حيث لا قدرة لمن هم في مراكز السلطة على توزيع عادل للثروة والسلطة والإعتبار. المطلوب اليوم بعد خمسين سنة من حرب عبثية تنظيم الآليات الدستورية الشرعية لوقف هذه الحرب والتي تعتمد على: النظام السياسي الديمقراطي؛ المؤسسات الشرعية المدنية والعسكرية؛ العمل الحزبي المتمدِّن. والآلية الوحيدة هي انتخابات حرّة ونزيهة لتداول السلطة كباب يفصل بين الفوضى السياسية والمُمارسة السياسية العاقلة، وإلّا سنبقى وستبقى كل الأجيال ضمن مقولة: “خمسون سنة من سيء إلى أسوأ”.

https://hura7.com/?p=49190

الأكثر قراءة