الأربعاء, مايو 14, 2025
12.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

صندوق الاقتراع في قبضة الطوائف

أزمة الديمقراطية في لبنان

الحرة بيروت ـ بقلم: بسام ضو

تقف الجمهورية اللبنانية على عتبة استحقاقين انتخابيّين، أولهما البلدي والاختياري، والثاني النيابي، حيث يُفترض مشاركة اللبنانيين فيهما. وتكمن أهمية هذه المشاركة في شعور الناخب اللبناني بمدى تأثير صوته الحر في العملية الانتخابية. ويعتبر المنطق العلمي – القانوني – الدستوري، أنّه كلّما كان لصوت الناخب تأثير قوي، كلّما أكّد هذا التأثير أنّ مبدأ الديمقراطية يسير، من حيث المبدأ، على نهج ديمقراطي سليم، واعٍ وحرّ.

إنّ أي دولة تحترم نظامها الديمقراطي يجب أن تحترم مبادئ الديمقراطية، وأن تحرص على نزاهة وعدالة العملية الانتخابية، وذلك لضمان تعزيز الديمقراطية التي تنبع من حرية اختيار الناخب لممثليه. وإنّ الصوت الانتخابي في الأنظمة الديمقراطية قادرٌ على قلب الموازين السياسية، في حال نُظّمت الانتخابات وفقاً للشروط القانونية والدستورية التي تُحدَّد بموجب القانون والدستور.

الانتخابات كأداة للمشاركة والتغيير

إنّ ماهية النظم الانتخابية الديمقراطية، في مفهومها الرئيسي، تكمن في نقل أصوات الناخبين، بالشكل القانوني والدستوري، إلى المقاعد النيابية التي يتشكّل منها المجلس النيابي. وهناك شروط كثيرة وآليات من المفترض اتّباعها وفقاً للأصول الديمقراطية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: اعتماد نظم انتخابية تتمحور حول صيغ ديمقراطية تفسح المجال للناخبين للتعبير عن آرائهم بحرية وديمقراطية، من دون فرض قيود مصطنعة تُستعمل غبّ الطلب.

وفقاً لمبدأ العلوم السياسية، تُعتبر الانتخابات من أهم الوسائل التي يستطيع الناخبون من خلالها، أولاً، المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثّر على حياتهم، من حيث النتائج التي يطمحون لتحقيقها، وثانياً، في آلية اختيار مرشّحيهم الملتزمين بالخدمة العامة. عملياً، تُعدّ الانتخابات نقطة التقاء أساسية بين الناخبين والأهداف المتاحة فعلياً، والتي تتركّز على اعتماد النظام الديمقراطي في ممارسة الحكم وتحقيق التنمية المستدامة.

أما الشرعية السياسية التي تمنحها الانتخابات، فمن المفترض أن تكون ذات خلفيّة أخلاقية – وطنية صرفة، تقوم على المصداقية في التعاطي السياسي – الأمني – الاقتصادي – المالي – الاجتماعي. ومن هذه المنطلقات تُمنح الولاية للسادة النواب، وللنظام السياسي، ليتمكّنا من ممارسة سياسية ديمقراطية فاعلة.

نظُم انتخابية لتأبيد السلطة

استناداً إلى مبادئ العلوم السياسية، تُعدّ عملية اختيار نظام انتخابي معيّن من أهم الخيارات والقرارات التي تُبنى عليها الأنظمة السياسية التي تحكم الأوطان. وغالباً ما يترتب على اختيار “نظام انتخابي” معيّن العديد من التبِعات، حيث تتأثر الحياة السياسية في البلد المعني بهذه التبعات وتداعياتها.

لكن، وفي أغلب الأحيان، وخصوصاً في الجمهورية اللبنانية، لاحظت هيئة الدراسات التشريعية في المركز الدولي للأبحاث “PEAC”، بالتعاون مع مراكز أبحاث محلية، عربية ودولية، أنّ النظم الانتخابية المختارة تدوم طويلاً، في ظل تركيز هذا الأسلوب على أمور عدة: أولها ديمومة السلطة وإن ترهّلت؛ ثانيها الاستفادة من خيراتها وعرقلة عملية تداول السلطة؛ ثالثها توظيف موارد السلطة بما يخدم المصالح الخاصة الانتخابية؛ ورابعها ترسيخ مبدأ الإقطاع السياسي، أي التوريث.

من التمثيل إلى التوريث

تشير الدراسات المقارنة في العلوم السياسية إلى أن الانتخابات تمثل أبرز الأدوات التي تتيح للمواطنين المشاركة الفعلية في صنع القرار، من خلال اختيار ممثلين ملتزمين بالخدمة العامة وقادرين على ترجمة تطلعاتهم. فالانتخابات ليست مجرد وسيلة لقياس الرأي العام، بل هي لحظة تأسيس للشرعية السياسية، التي ينبغي أن تستند إلى قيم أخلاقية ووطنية، وتترجم إلى ممارسات شفافة في الشأن العام، سواء على الصعيد الأمني، المالي، الاقتصادي أو الاجتماعي.

وفي هذا السياق، تؤكد هيئة الدراسات التشريعية في المركز الدولي للأبحاث أن النظام الانتخابي في لبنان غالباً ما يُصاغ ويُعتمد بطريقة تضمن ديمومة السلطة أكثر مما تضمن تداولها. ففي كثير من الأحيان، تُستخدم آليات الاقتراع المعتمدة كوسيلة لتكريس الإقطاع السياسي، وتعزيز الزبائنية، وإدامة منظومات المحاصصة، ما يفرغ الانتخابات من مضمونها الديمقراطي.

إنّ من تعمّد إبقاء القوانين الانتخابية جامدة من أجل استغلال خيرات الدولة وتوزيعها انتخابياً، فهو يكرّس نهج تعطيل التنافس السياسي الفعلي، ويُقوض مبدأ التمثيل العادل، ويمنع تجديد النخب السياسية، وهو ما يُسائل شرعية النظام السياسي نفسه.

نظام يعمّق الأزمة

في الجمهورية اللبنانية، وبحسب النظام السياسي القائم على الزبائنية والشخصانية والطائفية والمذهبية، لا يُعير النظام الانتخابي أي اهتمام لمبدأ الديمقراطية التي يُفترض أن تكون خياراً للتعبير عن مشروعية سياسية بنّاءة ومؤسسية إنمائية تواكب تطورات العصر، بل هو يُهمل مجموعة من القيم والإتجاهات التي تشجّع على الممارسة الديمقراطية الفاعلة من قِبل الحُكام والمحكومين. الحقيقة أن الوقائع أكّدت أن غياب الأسلوب الديمقراطي واتجاهاته الفكرية لدى المسؤولين والشعب قد جعل النظام الديمقراطي في خبر كان، وبالتالي، تصبح النظم الانتخابية أداة يتحكم بها أصحاب السلطة والمتسلطون، وتكبر الهوة بين الحاكم والشعب.

الانتخابات هي المدخل الأساسي لممارسة النظام الديمقراطي، وهي الوسيلة الرئيسية التي توصّل إليها علماء السياسة لتحديد شرعية أو عدم شرعية أي سلطة قائمة. كما يعتبر العلم السياسي أن “الانتخابات وسيلة تهدف إلى تعزيز بناء المجتمع الديمقراطي، وإحدى الطرق التي يمكن بواسطتها معرفة وعي وإرادة الناخبين والتعبير عن آرائهم بحرية دون قيود تُفرض”. وحتى تكون هذه الانتخابات ديمقراطية، من المفترض توفّر العديد من الأسس والمتطلبات والشروط، وأهمها: اختيار النظام الانتخابي المناسب.

شكل ديمقراطي وجوهر فارغ

واقع الانتخابات اللبنانية في ماضيها وحاضرها يتوزع بين قوى تقليدية تمثل الجزء الأكبر من المحاصصة الطائفية المذهبية، الزبائنية، الاستغلالية، في ظل قوى تُعتبر تغييرية، وهي في الواقع واجهة لطبقة سياسية تلعب على المسرح السياسي اللبناني بوجوه متعددة ومتلوّنة، وغالباً ما تحكمها الخلافات والمصالح الخاصة، كما أنها نسخة طبق الأصل عن التقليديين.

الانتخابات الأخيرة والسابقة، اللتان أُجريتا وفقاً للقانون الانتخابي المشكو منه، أسفرت عن نجاح كتلة موالية لحزب الله مكوّنة من الحزب وحركة أمل والتيار الوطني الحر وحزب الطاشناق وتيار المرده. أما الكتلة الثانية فمكوّنة من حزب القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب الكتائب، وبعض الشخصيات التي تعتبر نفسها مستقلة، وبرزت كتلة سنية شبه مستقلة، نواب الانتفاضة. وعملياً، أصبحنا أمام أمر واقع ألا وهو مجلس غير منسجم وفاشل من حيث النهج والمضمون.

في الظاهر، هناك مؤشرات يجب التوقف عندها بإيجاز. فقد فشل المجلس في التشريع وأبقى البلاد في فراغ دام أكثر من سنتين، وأخفق في إقرار قوانين إصلاحية تحدّ من النزيف السياسي، الأمني، الاقتصادي، المالي والاجتماعي. كما فشل المجلس في مشاريع إنمائية إنقاذية، ويحاول تمرير مشاريع تحمي المصارف، مقارنة مع تكاليف رواتبه ومصاريفه وعدم إنتاجيته.

لذلك، المطلوب اليوم من مراكز الأبحاث اللبنانية، وبالتعاون مع مراكز أبحاث عربية ودولية، تأسيس لجنة أكاديمية لدراسة ما آلت إليه الحياة التشريعية اللبنانية، بهدف دراسة قانون انتخابات عادل ومتوازن يضمن مبدأ تداول السلطة، لإعادة بناء السلطة اللبنانية ضمن إرادة سياسية قوية، حرة ومستقلة، لأن الانتخابات النيابية الحرة هي المدخل لممارسة النظام الديمقراطي السليم.

*بسام ضو: كاتب ومحلل سياسي

 رابط المقال: https://hura7.com/?p=50617

رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468

 

الأكثر قراءة