الجمعة, فبراير 14, 2025
0.4 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

بسام ضو ـ لبنان بحاجة إلى حكومة تعمل للاستقرار وليس للمحاصصة

bassam daou

الحرة بيروت ـ بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي

إنّ الإستقرار في الجمهورية اللبنانية هو أحد أهم المواضيع التي من المفترض أن تستحوذ على جهد كبير يُبذل من قِبل مراكز الأبحاث لمساعدة كل من رئيس الجمهورية والرئيس المُكلّف تشكيل الحكومة. هذا الأمر مطلوب بإلحاح من قِبل الجميع وخصوصًا رجال الفكر وأصحاب الإختصاص.

إن أخطأنا في التقدير، وسايرنا ضمن مفهوم معياري كان قائمًا على المحاصصة والإهمال في تطبيق القانون ولا سيّما الدستور، قد يتسبّب الأمـر في عدم الإستقرار وفشل العهد وحكومته. إنّ التنّبُه لمسار العمل السياسي في هذه المرحلة تكمن أهميته في كونه يُعتبر أولًا مطلبًا عربيًا – دوليًا، وثانيًا مطلبًا شعبيًا، يسعى إليه الجميع بمن فيهم مراكز الأبحاث اللبنانية المعنية بالأوضاع العامة في البلاد.

إنّ البحث في تشكيلة حكومية وطنية متخصصة في الشؤون السياسية – الأمنية – الإقتصادية – المالية – الإجتماعية يوفّر الجـو والبيئة الضروريّين للوضع السياسي العام في البلاد وللتنمية والإزدهار، إضافةً إلى تعزيز نظامنا السياسي القائم على الديمقراطية وحرية إبداء الرأي واحترام السيادة الوطنية التامة والناجزة.

إنّ الثقة والحس الوطني والإخلاص للدستور وللقوانين المرعية الإجراء جميعها عوامل تبني أمل الشعب اللبناني وديمومة النظام السياسي اللبناني في أن يكون الحكم المرجو مع بداية العهد الجديد ومع عملية التكليف مستقرًا كي يستطيع الإستمرار والبدء في مسيرة إنقاذية تحمل عناوين التغيير العريضة، لا أن نبقى تحت سيطرة المحاصصة والدكتاتورية المقنّعة وما يُعرف بـ”الميثاقية الظرفية” المنتهجة من قِبل جماعة السلطة وخلق مناخ من التوتُر والحدِّية في التعاطي مع الأمور.

ما يحصل اليوم من عرقلة في عملية تشكيل الحكومة هو من الظواهر التي تختلف كل الإختلاف عن الظواهر الطبيعية التي يلحظها “العلم السياسي”. وإذا أردنا تشخيص الأمر نلاحظ أن كل من فخامة الرئيس جوزيف عون والرئيس المكلّف يتصف عملهما الدستوري الشرعي بالديناميكية والحركة الناشطة. أما من عُرفوا بـ”ساسة الأمر الواقع” فحركاتهم تتّسم بالسكون والجمود إن لم توصّف بـ”التعطيل”.

إنّ ظاهرة الإستقرار السياسي التي يسعى إليها الرئيسان تتّسم بطابع إعادة الأمور إلى نصابها الشرعي الدستوري وفقًا لمندرجات الدستور والقوانين المرعية الإجراء وما صدر من قرارات دولية متعلقة بحلحلة الأزمة اللبنانية. أما ما يرشح من أفعال ومواقف من الجهات المعرقلة (عفوًا على التوصيف) فهو بمثابة عدم الوضوح في حيثيات ما يُطالبون به خصوصًا بعد الفشل الذريع في مقاربة كل المواضيع التي طُرِحت إبّان إستلامهم زمام الحكم. ولن نخفِ سرًا، فقد دمّروا كل المقومات الديمقراطية التي كانت تقوم عليها ركائز جمهورية الوفاق الوطني (وثيقة الوفاق الوطني) سواء لناحية إهمال أغلبية بنود هذه الوثيقة واليوم يتبجحون بحرصهم على مضمونها.

ما يحصل اليوم من عرقلة في تشكيل الحكومة لهو أمر مستهجن، ولقد إستحوذت عملية العرقلة على الكثير من مراكز الأبحاث والمفكرين السياسيين الأكاديميين، كما على البعثات الدبلوماسية المعنية بالأزمة، إذ أنهم، وبالإجماع، اعتبروا أن عرقلة تشكيل الحكومة هو موضوع رئيسي ومن دون حلحلته لا تستقيم الدولة عملًا بما ورد في وثيقة الوفاق الوطني لناحية ما ورد في مقدمة هذه الإتفاقية، إضافة إلى موقع رئاسة الجمهورية لأنها رمز وحدة الوطن والمحافظة على إستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. وأيضًا مقام رئاسة الحكومة حيث يُعتبر رئيس الحكومة مسؤولًا عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، يُمارس صلاحيات منصوص عليها في الدستور وهي صلاحيات لا تحمل التأويل أو الوصاية من أيٍ كان.

وتبيّن لنا كمركز أبحاث PEAC أنّ هناك للأسف صعوبات يواجهها الرئيس المُكلّف في عملية التشكيل. هذه الصعوبات هي أشبه بالوصاية التي يُحاول المعرقلون إثارتها، علمًا أننا كباحثين ومراكز أبحاث متعاونة حاولنا البحث في ظاهرة العرقلة وتحديد كل مؤشراتها السلبية والدوافع الكامنة وراء هذه المطالب، فتبيّن أنها عامل عرقلة دون تقديم تعريف محدّد للمطالب الخاصة، وأنّ هذه المؤشرات هي التي تعرقل عملية تشكيل الحكومة.

ما يحصل اليوم من عرقلة متعمّدة ومن تصاريح تُطلق من هنا وهناك، ومن إستغلال بعض مكوّنات الرأي العام وبعض الأحداث التي كان من نتائجها السلبية تدمير قسم كبير من الأراضي اللبناني وتهجير السكان، إضافةً إلى إحتلال العدو الإسرائيلي بعضًا من أجزاء الأراضي اللبنانية، إضافة إلى أنّ الشعب اللبناني يعيش أوقاتًا عصيبة وسط تزايد التحديات الداخلية (بطالة، فقر، هجرة، حرب …) وخارجية (وفود عربية ودولية لمعالجة الأزمة اللبنانية) أو ما يُحكى عن أحداث من شأنها تعكير صفو الأمن تحت حج واهية، لهو أمر مستهجن وسيضرّ بالعهد.

إزاء هذه التحديات وإستنادًا للقوانين المرعية الإجراء لا يمكن أن تستقيم الأمور طالما أنّ هناك فسادًا مستشريًا ومؤسسات منهارة ومرجعيات سياسية فاشلة تسعى لفرض شروطها على الرئيس المكلّف وعلى العهد.

إنّ ما يتمّ السعي إليه من قبل ساسة الأمر الواقع سيُعرقل مسار التشكيل وسيُضعف المؤسسات الحكومية، وأشخاص من هذا القبيل سيزيدون الفساد وسيسهّلون إنمائه على ما هو حاصل، ممّا يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام السياسي اللبناني. إنّ عرقلة تشكيل الحكومة سيزيد من حدّة الأزمة الإقتصادية وستتفاقم الأزمات المالية والإجتماعية ممّا سؤدي إلى كوارث لا تُحمد عقباها. وإضافة إلى حالة العرقلة سنكون أمام إنقسام سياسي – إجتماعي – أمني – إقتصادي، يهدِّد إنطلاقة العهد الواعدة بالخير.

إنّ لبنان بعهده الجديد بحاجة إلى حكومة تعمل للإستقرار وليس للمحصاصة، وإن استطعنا استغلال مهنية ونبل فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون وما ورد في مضمون كتاب “لبنان بين الأمس والغد” للرئيس المكلّف نواف سلام في فصوله  الثلاث: الفصل الأول “أصول المسألة اللبنانية”؛ الفصل الثاني “الحرب والسلم”؛ الفصل الثالث “نحو الجمهورية الثالثة”، قد نتمكّن من تحويل تحديات العرقلة إلى نجاحات، مما يُعزِّز أمن الوطن وسيادته وإستقراره من هيمنة مُدّعي الوطنية والميثاقية.

https://hura7.com/?p=42779

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                          

 

 

الأكثر قراءة