الحرة بيروت ـ بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي
منذ أن انتُخِبَ العماد جوزيف عـون رئيسًا للجمهورية في التاسع من كانون الثاني/يناير 2025، إستبشر اللبنانيون ببصيص أمل ينقلهم من حالة الفراغ في المؤسسات الرسمية إلى حالة استعادة السلطة بكل مكوناتها الشرعية من خلال ما تضمنه خطاب القسم. وما إن أجريَت الإستشارات وتمّ تكليف القاضي نوّاف سلام حتى بدأتْ تظهر العراقيل في وجه كل من رئيس الجمهورية والرئيس المُكلّف. وفي هذه المرحلة لاحظت الأوساط المراقبة، ومنها مراكز الأبحاث وبعض البعثات الدبلوماسية، أنّ هناك عراقيل متعمّدة من قِبل بعض الأطراف تحمل آراء تتناقض ومسيرة العهد وخطاب قسمه.
إنّ الأحداث التي تحصل ليست بريئة، ومطالبها المرفقة بها تشي بأنّ هناك من يسعى للتفلُّت من نتائج عملية الإنتخاب. ولكن ثقة الشعب اللبناني بمؤسساته الشرعية الرسمية تتخطّى هذه الخزعبلات المطروحة تحت عنوان “أحقية المشاركة” وتكسوها غبار هذه المطالب الوقحة.
إنّ مقياس القيمة الحقيقية لرجال السياسة هـو العمـل الدؤوب والصافي والخُلُقي حيث لا يجوز أن يكون رجل السياسة إستغلاليًا ولا وقحًا ولا مستتْبِعًا. نريد حكومة لها رؤية وطنيّة تبلغ حدّ التطبيق وفقًا للأطر الدستورية وللقوانين المرعية الإجراء. لا نريد حكومة شهوات سياسية تتعدّى حدود الحكم النزيه. نريد حكومة تحكم بإسم الشعب لأنه مصدر السلطات وصاحب السيادة على أرضه. نريد حكومة تحكم بالعدل لا بالظلم.
الحكومة المطلوبة ينسجم بيانها الوزاري مع مطالب الشعب اللبناني لا مع مصالح طبقة سياسية تفتِّش عن الفتات السياسي وسرقة مال الناس. حكومة تسعى لوحدة الأرض وإزالة مبررات الإحتلال الإسرائيلي عن الجنوب اللبناني. حكومة ولاؤها المطلق للنظام السياسي المعترف به وطنيًا – إقليميًا – دوليًا، بيانها الوزاري ملازم للسيادة المطلقة ولقانون الدفاع الوطني الذي يحصر حماية الوطن بقواه الرسمية الشرعية. حكومة وزراؤها يرفضون المساوامات والحمايات. حكومة وزراؤها متجرّدون عن التبعية والأنانية حيث التجرُّد في ممارسة الحكم هو المثالية الفُضلى. حكومة قرارها جريء غير متلوّن تمنع أي تدخل في شؤون الوطن. حكومة تعمل على توحيد الشعب اللبناني لأن الوحدة والإتحاد هما المدخل لحماية الرأي العام اللبناني من أي إنقسام أو تضليل كما ما هو حاصل اليوم.
حكومة يتضمّن بيانها الوزاري صياغة دستورية تحمي مبدأ التعايش الحر السليم المبني على ما يرد في الدستور اللبناني. حكومة وزير دفاعها حرّ ضابط متقاعـد خبِرَ الأرض وخدم الوطن بإخلاص وتجرُّد يوفِّر الأمن والحرية لمختلف المجموعات اللبنانية في لبنان. حكومة وزير عدلها قاضٍ نزيه يُساوي في الحقوق والواجبات بين اللبنانيين إنطلاقًا من القوانين المرعية الإجراء ويقيم العدل لجميع اللبنانيين. حكومة وزير خارجيتها دبلوماسي متمرِّس يسعى إلى حماية الجمهورية من أي تدخل خارجي يؤثر على سيادتها وسياستها في الداخل والخارج ساعيًا إلى تطبيق المعاهدات ومبادىء القانون الدولي. حكومة وزير داخليتها سياسي صادق يسعى إلى تنظيم مؤسسات الدولة من خلال التعيينات الإدارية والعسكرية ويسعى لتحديث قانون الأحزاب والجمعيات والإشراف على درس وإقرار قانون للإنتخابات النيباية يجسِّد خير تمثيل للناخبين اللبنانيين. حكومة وزير ماليتها مالي متمرِّس يؤمّن موارد الدولة العامة بالمحافظة على عائدات الضرائب والرسوم والعائدات ويُحسِّن الجباية وينظّم الموازنة وحسابات الخزينة على اختلاف أنواعها ويعيد للمواطنين حقوقهم المسلوبة، كما يُشرف على تنفيذ الموازنة بعد التصديق عليها ومتابعتها وتقويم النتائج بما يكفل تحقيق الخطة العامة للدولة، وممارسة أعمال الرقابة والمتابعة والإشراف على الأجهزة المالية والحسابية في حدود القوانين واللوائح المتعلقة بهذا الشأن.
حكومة يتمثّل فيها الفساد السياسي أمر مرفوض وممنوع لأنّ الفساد انتشر في مؤسسات الدولة، وهذه معضلة خطيرة إن تكررت، وموضوع مشاركة الفاسدين يحتاج إلى النظـر فيه بعين الحكمة للتحرر منه خدمة لسمعتَي العهد ورئيس الحكومة.
لقد بيّنت المؤشرات في السابق أن من يسعون للتوزير في المرحلة الراهنة هم من صنف “الفاسدين” وهم في أغلبيتهم تغلغلوا في الوزارات حتى أصبحوا الفاعل الرئيسي فيها بلا منازع. إنّ إعادة هذا النموذج من المُفسدين في الحكومة سيُعيد الأمور إلى المرّبع الأول من الإفساد وسيصبح العمل الحكومي الفاسد هو الحاكـم بأمـره. وفي هذه الحالة سترفع كل مراكز الأبحاث (ومركزنا PEAC وبمعية المجتمع الدولي الذي يُصِرّ على أن تكون الوزارات التالية: الدفاع – الخارجية – الداخلية – المالية والعدل بتصرّفْ الشرفاء حصريًا) شعار “الفساد أساس الملك” بدل شعار “العدل أساس الملك” لأن توزير الفاسدين سيُقوِّض أركان الحكومة ونهجها.
بإسم الذين لا يجرأون على رفع الصوت في وجه مافيا الفساد اللبناني، أو لا يستطيعون رفعه، إننا، كمركز أبحاث PEAC، نصرّح علنًا أمام كل من فخامة رئيس البلاد ودولة الرئيس المُكلّف ومعاونيه والمجتمع الدولي أننا لا نريد توزير فاسدين في التركيبة الحكومية. إننا نسعى إلى تطوّرْ جديد في ممارسة العمل السياسي وفي التفكير والرؤية في ضوء واقع سياسي وطني يجب أن يكون هـو المقياس السليم للوصول إلى تركيبة حكومية منسجمة مع أحكام الدستور، والتي نرى فيها ضمانًا لوحدة لبنان وسيادته المطلقة.
نأمل من فخامة الرئيس ودولة الرئيس المُكلّف والمجتمع الدولي إتخاذ خطوات شجاعة وجريئة تنطوي على مواقف إيجابية. نأمل أنْ يتجاوبوا مع الشرفاء لعملية تشكيل حكومة متحررة من الفاسدين والمُفسدين للبدء في ممارسة النظام الديمقراطي الهادف إلى إستعادة الدور الريادي للجمهورية اللبنانية ولإعادة إنتظام المؤسسات الدستورية وفقًا للأسس الدستورية المعمول بها. المطلوب حكومة تحمل رؤية وطنية لا حكومة لها شهوات سلطوية.