بقلم: بسام ضو، كاتب وباحث سياسي
تتّسم الأوضاع العامة في لبنان بأنها غير قابلة للضبط عبر النظام السياسي الحالي، حيث عجزت السياسات العامة القائمة منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني عن إيجاد مخارج قانونية – دستورية لتلك الأزمات التي قطّرتها سياسة عدم الإهتمام بتطبيق مندرجات الدستور اللبناني، وإهمال تطبيق القوانين اللبنانية بما فيها قانون الدفاع الوطني الذي يلحظ في مادته الأولى حماية الجمهورية اللبنانية بقواها الذاتية الشرعية حيث لا شريك لها . النتيجة الملحوظة أنّ الجمهورية اللبنانية تُعاني من التفكك على كافة إداراتها بسبب التأثير الخارجي الذي أمعن في خرق الدستور اللبناني وقانون العلاقات الدبلوماسية بين الدول والقانون الدولي .
إننا كمركز أبحاث (المركز الدولي للأبحاث السياسية والإقتصادية International Political and Economic Affairs Center – PEAC) نسعى بكل ما أوتينا من جهود لمواجهة هذه الأزمة السياسية/ الأمنية/ الإقتصادية/ المالية/ الإجتماعية، التي تفاقمتْ بسبب العجز الممارس من قِبل هذه الطبقة السياسية. علماً أنها عجزت عن تنفيذ أي خطة سياسية تحدّ من هيمنة التدخلات الخارجية في الشأن اللبناني. ومع الأخذ بعين الإعتبار أن هذا التدخل الخارجي هو مخالفة صريحة للسيادة الوطنية، واستناداً للقانون الدولي الذي يرعى العلاقات بين الدول فإن هذه العلاقة تتحكم بين الدول.
إذا إستعرضنا، كمركز أبحاث متخصص في الشؤون السياسية، إنطلاقاً من المقاييس للدولة الفاشلة، نلاحظ أن الدولة الفاشلة هي بما يُعرف بـ”الدولة غير القادرة على القيام بمسؤولياتها السياسية/ الأمنية/ الإقتصادية/ المالية/ الإجتماعية، على كافة المستويات المحلية/ الإقليمية/ الدولية”. ومن الملاحظ عبر المؤشرات التي حصل عليها مركز “PEAC “، والتي تتراوح بين السياسي والأمني والمالي والإجتماعي، أنه مؤشرات جدّ خطيرة وتوحي بأنّ الجمهورية اللبنانية تهوى بسرعة. أما الدليل لهذه الهوّة فيكمن في فقدان شرعية الدولة المتمثل بفساد راعيها وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية وضعف الثقة في المؤسسات وحتى في العملية السياسية.
وأكبر دليل على ذلك هو مقاطعة الناخبين اللبنانيين الإنتخابات النيابية الأخيرة وقد بلغتْ نسبتهم ما يفوق الـ59 % وهذا أمر خطير جداً. وهذا ما يستتبع القول أن هذا المجلس النيابي يشوبه العديد من العيوب، منها القانون الإنتخابي الزبائني الذي أُجرِيتْ على أساسه الإنتخابات من خلال تقاسم أهل النظام المقاعد النيابية. إضافةً إلى أن الجمهورية اللبنانية في حالتها الراهنة تعاني حرماناً في تطبيق العدل لحكم القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان والاعتقالات السياسية التي تُمارس بحق المناضلين الشرفاء.
تعاني الجمهورية اللبنانية في هذه المرحلة بالذات من عدم قدرتها على بسط سلطتها على مناطقها كافة، وحتى هناك مناطق خارجة كلياً عن سلطانها الأمني نتيجة نشوء حال من الأمن الميليشياوي فيها، والدليل ما يحصل اليوم من حرب بالوكالة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية بواسطة حزب الله ودولة إسرائيل.
السبب في هذه الحرب أنّ الجمهورية اللبنانية فقدتْ طوعاً احتكارها الحصري للسلطة وعجزت عن الوفاء بالوظائف الملقاة على عاتقها ومنها: حفظ الأمن، حماية القانون، تطبيق الدستور وغيره. ما ولّد حالات من الفوضى وعدوان إيراني – إسرائيلي متبادل. كما أن حزب الله، وبمعية مسؤولين لبنانيين، نصّب نفسه سلطة وهو غير شرعي.
يعتبر منطق “العلم السياسي” أنّ كل دولة فاشلة في قانون الأمم هي الدولة التي لم تعُد تتمتع بالشرعية ضمن حدود أراضيها. والواضح اليوم أنّ الجمهورية اللبنانية بنظامها السياسي تفتقد السيادة على أراضيها وتفتقد الشرعية الدستورية في صنع القرار العام ، كما تفتقد القدرة على ضمانة عمل المرافق العامة، وعدم القدرة على إجراء حوار بصفتها دولة كاملة المواصفات. إن هذه الخصائص تسمح لنا بتحويل مسار القضية اللبنانية إلى مسار دولي يُتيح لنا إنتاج حل للأزمة اللبنانية بكل مندرجاتها.
بالإستناد إلى بعض الوقائع التي أدّتْ إلى الإتجاه نحو “تدويل الأزمات”، فقد شرّعت الأمم المتحدة مبدأ التدخل الدولي الإنساني باعتباره تدخل لصالح الإنسانية، وهو إجراء تقوم به دولة أو أكثر ضد حكومة دولة أخرى بغية إنهاء مخالفات وخروقات تقترفها هذه الأخيرة لقوانين الإنسانية التي تطبقها الدول المتدخلة ذاتها ضد مواطنيها ورعاياها. هذا النوع من التدخل يستخدم في بعض الأحيان القوة وفق نظرية الحرب العادلة من أجل إحقاق الحقوق للشعب المنتهكة كرامته وأمنه.
بناءً لما ذكرناه، وبصفتي باحث سياسي وعضو في مركز PEAC، أعتبر، وبكل موضوعية، أنّ الجمهورية اللبنانية التي أنتمي إليها وأدافع عنها وأحمل هويتها ورايتها هي موضوع للتدخل الدولي في هذه المحطة المصيرية، باعتبار أن “جمهوريتي” تشهد منازعات خارجية ( إقليمية – دولية) ، تزامناً مع الفراغ في مؤسسات الجمهورية الرسمية، ومع وجود طبقة سياسية فاشلة، ومع استفحال أزمة إقتصادية مترّدية وأزمة عسكرية، وفي ظل حالة من الشلل السياسي ثلاثي الأبعاد:
- شغور رئاسي
- برلمان غير شرعي ومنقسم على نفسه
- حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات
وبما أننا ملتزمون المسار الديمقراطي ولدينا خارطة طريق إنقاذية تحمل عنواناً واحداً ألا وهو “النظام السياسي الإنتقالي”، عبر تدويل القضية اللبنانية من خلال مساعدة “مجموعة من السياسيين اللبنانيين متعددي الإختصاصات” يشكلون حكومة إنتقالية مؤقتة عبر رعاية أممية لإيجاد مناخ يرتكز على أمرين أساسيين:
- بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل ترابها الوطني وحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية .
- درس وإقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية عادل ومتوازن وعصري يُصار من خلاله إلى إنتخاب مجلس نيابي جديد وإعادة تكوين السلطة .
إن قرار تشكيل حكومة إنتقالية بهاتين الصلاحيتين إنما يؤدي إلى الخروج من هذا النفق. وللبحث صلة.