الإثنين, يناير 20, 2025
1.7 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

الدكتور عبد الرؤوف سنّو. جردة حساب لحزب الله: آن الأوان للعودة إلى حضن لبنان (الجزء الأول)

بقلم: الدكتور عبد الرؤوف سنّو، مؤرخ وباحث في الشؤون اللبنانية

في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، قرّر حزب الله إسناد غزة عبر جنوب لبنان، من دون سؤال الحكومة اللبنانية عن قرار يسلبها سلطتها وسيادتها على البلاد لمصلحة قوة خارجية هي حماس، ومن يقف وراءها. وكان تنظيمَي حماس والجهاد الإسلامي قد اخترقا في اليوم السابق من الإسناد الجدار الإسرائيلي العازل بين غزة وإسرائيل، وقاما بعملية نوعية غير مدروسة عُرفت بـ”طوفان الأقصى”.

وبعد حوالى الشهرين من “الطوفان”، وقد بان حجم الخسائر البشرية وفي البنية التحتية لقطاع غزة نتيجة الهجوم الإسرائيلي العنيف المتواصل، قمت بطرح سؤالين: هل يستحق إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية التضحيات البشرية والمادية التي قدّمتها غزة والضفة الغربية؟ وهل قدّمت حماس بعمليتها الفرصة الذهبية لحكومة نتنياهو واليمين المتطرف لمباشرة إنهاء القضية الفلسطينية، في غزة أولاُ، ثم في الضفة الغربية وبالتالي تهجير الفلسطينيين؟

وفي 30 أيلول/سبتمبر 2024، عدت وطرحت سؤالاُ على الشيخ نعيم قاسم عن مغزى الاستمرار في إسناد غزة في ظل عدم نفعه لها بشيء، وكانت ثلاثة أيام قد مرّت من اغتيال حسن نصر الله الذي ذكر في كلمة له عقب تفجير إسرائيل البيجرز، بأن إسرائيل تتفوق على الحزب في الأعداد والتكنولوجيا والعسكر وفي الدعم الأميركي لها، فيما يتفوق الحزب بالدم، أي بالشهداء.

وقد سألنا نعيم قاسم مرة أخرى عن فائدة الإسناد إذاً في ضوء المعطيات الحقيقية التي عرضها نصر الله، والتدمير الحاصل في غزة والضاحية الجنوبية واغتيال إسرائيل قيادات من الصف الأول والثاني والثالث لتنظيمَي الطوفان والحزب، لعلّه يراجع نتائج سنة كاملة من الإسناد على حزبه وعلى شعب لبنان المنهك.

سوف نتناول في هذه السلسلة من المقالات موضوع إسناد حزب الله غزة ضمن أربعة محاور وهي:

  • تبعيته لإيران وتغليفه ذلك بشعار تحرير القدس
  • توازن القوى وقدرات كل من إسرائيل وحزب الله وإيران
  • وظيفة الحزب في لبنان كمخلوق إيراني
  • إمكانية عودة الحزب إلى حضن لبنان

الصلاة في القدس بالاتكال على خامنئي وصواريخه

لا يبدو أن التنظيمَين “الممانعّين” التابعّين لإيران، حماس وحزب الله، قد درسا بعناية كافية، كل على انفراد، قدراته العسكرية والاقتصادية والمجتمعية قبل الطوفان والإسناد، وفي المقابل قوة إسرائيل وقدراتها، وهي أكبر دولة عسكرية وتكنولوجية واستخباراتية في الشرق الأوسط. نعم، كانت إسرائيل تستفز الفلسطينيين في الضفة وغزة وتذلّهم، ويقتحم المتطرفون عندها المسجد الأقصى باستمرار، وكل ذلك لإيصالهم إلى انتفاضة أو “طوفان” تستغله حكومة نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية.

ولا يبدو أنهما كانا يعلمان مدى تفوّق إسرائيل على جيرانها/أعدائها، ولا أن وجود إسرائيل بالنسبة إلى الولايات المتحدة مسألة استراتيجية حيوية منذ قيامها، فيما تتمنى دول أخرى في المنطقة همساً، عدا إيران، الخلاص من التنظيمَين، ليستقر الوضع فيها من دون ممانعات إيرانية. وكان نتنياهو يخطط لتدمير التنظيمَين وإقرار ميزان قوى جديد في المنطقة لمصلحة بلاده.

صحيح أن حزب الله كانت لديه ترسانة من الأسلحة الإيرانية، فاخرت دعايته بالصواريخ التي يملكها، وبطلعاته الاستخباراتية الجوية فوق إسرائيل التي كانت تتكرر على قنوات التلفزة. إلّا أن إيران طبّلت بقوتها وبقوة الحزب إلى درجة تحويل الأخير إلى “عملاق” للتخويف في لبنان الضعيف وفي المنطقة المتوجسة منه، وإلى “دويلة إقليمية” استولت على صلاحيات الدولة اللبنانية وطوّعت شعبها وأفسدت الحياة السياسية، وتدخلت في سورية وفي بلدان عربية منذ العام 2012، بناء على أوامر الولي الفقيه. وقد استخدم نصر الله وإيران مقولة تدمير إسرائيل و”تحرير القدس” والصلاة فيها، وربما مع خامنئي، وسيلة لحمل حزب السلاح واستقطاب بيئته والمضلَلَين من قبله، فضلاً عن المزايدة على العرب، أصحاب القضية أساساً.

في المقابل، اعتقدت حماس ومن معها، أن طوفان الأقصى سيسقط الحكومة الإسرائيلية ويقلب الأوضاع في الدولة العبرية وفي المنطقة لمصلحة غزة، وعلى حساب سلطة محمود عباس، “مختار” الضفة الغربية لدى تل أبيب. ومن المؤكد أن استشراف حماس والحزب الوضع الراهن قبل “الطوفان” و”الإسناد”، أي منذ سنة، لم يتم وفق المعايير الموضوعية والعسكرية والعلمية للسياسة والاستراتيجية وتوازن القوى في المنطقة وفي العالم، وفي الولايات المتحدة بالذات على أعتاب الانتخابات الرئاسة، بل باتكالهما على “إله بشري”، على الأقل بالنسبة إلى حزب الله، هو خامنئي. ولا يبدو أن التنظيمَين أخذا بعين الاعتبار مناورات إسرائيل المتكررة للحرب على جبهات عدّة في آن، وربما اعتبراها ضمن الحرب النفسية والتهويل.

في صحيح ابن حِبّان، أن أعرابياً قال للنبي محمد “أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ” على الله؛ فأجابه النبي: “اعقِلْها وتوكَّلْ”. ولا يبدو من سياق طوفان الأقصى وإسناد قطاع غزة من لبنان، أن الحزب والحركة قد عملا بنصيحة النبي، بل بالتوكل على الولي الفقيه كإله خلقهما، واعتقادهما الخاطئ بأنهما يشكلان معه ثلاثياً مقاوماً في المنطقة، يسيرون معاً على طريق القدس، كما يُشاع، وأنهما ليسا أدواته أو أذرعه بل حلفاؤه.

ولا يبدو، كذلك، أن الحركة والحزب فحصا بيتهما جيداً، وقدراتهما في مقابل قدرات إسرائيل، ولا أنها مليئة بعملاء وجواسيس ووصوليين، فضلاً عن عجز المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن وقف استهدافهما المخطط له من قِبل العدو الحاصل على تأييد واشنطن المطلق لتصفية الجماعات “الإرهابية” في المنطقة وإعادة تشكيلها من جديد.

وأثبتت التظاهرات الشوارعية المتصاعدة في بلدان العالم أنها لا تكفي لثني حكوماتها عن مخططاتها الخارجية أو تأييدها لإسرائيل. ولم يؤدّ أخذ إسرائيل زمام المبادرة في غزة منذ صيف العام 2024، وفي لبنان منذ أيلول/سبتمبر الجاري، إلّا إلى الكوارث عليهما، وعلى الشعبين هناك وهنا، والتدمير الهمجي الممنهج المفرط الذي ينتظره لبنان على نسق غزة، كما بدت الصورة عليه منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024.

لقد عاش قادة حزب الله في وهم قوة إيران وخطابها السياسي ودعايتها الصاروخية وقنبلتها النووية المنتظرة، كما وهم صدام حسين في صواريخه السكود من قبل، وأن باستطاعتهم تدمير الكيان الصهيوني في دقائق. وكان هذا أقوى مورفين اجترعته شعوب المنطقة وشعب إيران، وبخاصة الفلسطينيين وقسم كبير من العراقيين واليمنيين واللبنانيين.

ولا يبدو أن حزب الله، بالرغم من صواريخ إيران وتهويلها بتدمير إسرائيل، فهم سرّ تمكّن الأخيرة من استهداف العلماء والعسكريين الإيرانيين في قلب إيران، وفي سورية، وفي القنصلية الإيرانية في دمشق، حتى في استهدافه هنية في طهران. وربما ظنّت حماس أن تظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين هي ضد تصفيتها، وليس استعادتهم فحسب. فكانت حكومة تل أبيب تعدّ لهذا اليوم المشؤوم، غزّاويا وضفة غربية ولبنانياً، والميمون صهيونياً.

ولهذه الأسباب، خبت المقاومة في غزة منذ أواخر صيف العام الجاري، واستطاعت إسرائيل في الوقت ذاته أن تحسم حربها الجوية الاستخباراتية التقنية على لبنان في خلال ثلاثة أسابيع، بعدما مهّدت إلى ذلك بعملية استخباراتية – تقنية غير مسبوقة بتفجير أجهزة البيجرز في 17 أيلول/سبتمبر 2024 بمئات من عناصر حزب الله، من دون أن تدوس قدم جندي إسرائيلي أرض الجنوب. وقبل أيلول/سبتمبر وبعده، اغتالت طائراتها ومسيراتها المئات من مقاتلي الحزب وقياداته من الصف الثاني والثالث، فضلاً عن المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم وأرزاقهم. كذلك، دمّرت الحجر والبشر في الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى، واصطادت قيادات في الصف الأول، الواحد تلو الآخر.

لم يسأل قادة حزب الله أنفسهم عما يحدث، ولماذا لا تتدخل إيران لمساندتهم؟ وهل كتب الإسناد على حزب الله وحده، وهو جنديها وحرسها ووكيلها الذي يفتديها؟ حتى أن من بقي من قادة الحزب لم يسألوا، حتى الآن، إلى أي مدى يمكنهم الصمود بعدما قُتلت كل قياداتهم من الصف الأول على دوران الساعة، ودُمّرت الضاحية ومناطق أخرى، وتلاشت أحلام الذين ماتوا ومعهم أمال في عيش كريم، لا شهداء في سبيل قضية خرجت عن مسارها منذ تحرير لبنان في العام 2000. وهذا التحرير ليس بجهد الحزب وحده، بل أيضاً بجهد البيئة اللبنانية الحاضنة لمشروع تحرير الأراضي المحتلة، وبصمود اللبنانيين ضدّ الضربات الإسرائيلية لمرافق لبنان الحيوية ودعم الدولة اللبنانية.

إن بحث المجتمع الدولي منذ أيلول/سبتمبر 2024 في نزع سلاح الحزب وتموضع الجيش اللبناني محله في الجنوب، يقلق الحزب، بعدما أصبحت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية تتحدث علناً مع الدوائر الدبلوماسية الأميركية والفرنسية عن تطبيق القرار 1701. وقد فتح بري وميقاتي خطاً مع الأميركيين والفرنسيين لترتيب الوضع على أساس 1701؛ لكن إسرائيل لن تقبل إلا بالقرار 1559، أي بتجريد الحزب من سلاحه. حتى أنها تجبر أهالي الجنوب على النزوح إلى ما بعد نهر الأولي، وليس بعد الليطاني.

فهل يتمكن الحزب من تغيير أسلوب “نضاله” ليحاكي التقدم النوعي الإسرائيلي العسكري والتقني والاستخباراتي، وبالتالي القيام بعمليات أمنية في قلب العدو أو في الخارج، وبالتالي تجنيب لبنان خسائر بشرية ومادية تسقط كل يوم من دون فائدة؟ لا بدّ أنه عاجز عن ذلك ويتوكل على الولي الفقيه وصواريخه التي لا تغير في المعادلات الاستراتيجية. وهذا ما سيأخذنا في الجزء الثاني إلى قدرات كل منهما وقدرات إسرائيل.

https://hura7.com/?p=36236

الأكثر قراءة