خاص – تحدثت تقارير استخباراتية أمريكية الشهر الحالي حول استعداد فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب ضد أوكرانيا، حيث تشير التقييمات إلى أن الرئيس الروسي لم يتراجع عن هدفه الأقصى في السيطرة على جاره الغربي. فإحدى التقييمات السرية التي تم توزيعها على صانعي السياسات في إدارة ترامب، بتاريخ السادس من مارس 2025، تقول إن بوتين لا يزال مصمماً على ممارسة النفوذ على كييف، وفقاً لمسؤول مطلع على الوثيقة.
التقارير لا تهدف إلى تقييم الدبلوماسية عالية المخاطر التي يقودها الرئيس دونالد ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا التي استمرت ثلاث سنوات أو آفاق الاقتراح الذي تم الاتفاق عليه بشأن وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً بين المسؤولين الأمريكيين والأوكرانيين. ولكنها تبرز المهمة الصعبة التي يواجهها ترامب وفريقه للأمن القومي، وتثير التساؤل حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تسيء تقدير استعداد بوتين للسعي إلى السلام.
رد بوتين في 13 مارس 2025 بحذر على مقترح وقف إطلاق النار. وبينما لم يرفضه بشكل قاطع، إلا أنه أشار إلى أن موسكو قد تضع شروطاً على أي اتفاق. وكان الزعيم الروسي تحدث قبل اجتماع مخطط له في موسكو مع مبعوث ترامب لمناقشة خطة وقف إطلاق النار. وفي الوقت نفسه، يبدو أن القوات الروسية تحرز تقدماً كبيراً على صعيد إخراج أوكرانيا من جزء من الأراضي في كورسك التي كانت كييف تأمل في استخدامها كورقة تفاوضية.
يقول بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين إن بوتين، حتى لو وافق على هدنة مؤقتة، سيستخدمها لإراحة وإعادة تجهيز قواته – ومن المحتمل أن ينقض شروط الاتفاق من خلال خلق استفزاز يلقي اللوم فيه على أوكرانيا. وأكد مسؤولون آخرون أن التقارير كانت أكثر حذراً بشأن شروط السلام التي قد يقبلها بوتين. لكنهم أقروا أنه ليس ثمة دليل على أن الأخير قد تراجع عن مطلبه بأن تُدمج أوكرانيا في نطاق الأمن والاقتصاد الروسي. وقال أحد المسؤولين: “لديه رغبة طويلة الأمد في استعادة “النفوذ الروسي”.
يقول يوجين رومر، المسؤول الاستخباراتي السابق والخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “لا أعتقد أن وقف إطلاق النار أو حتى الهدنة أو المعاهدة ستكون نهاية القصة”. وأضاف: “هذه هي المواجهة الدائمة الجديدة بين روسيا وبقية أوروبا”. وأبدى محللون آخرون اعتقادهم بأن المحادثات قد تسفر عن نتيجة إيجابية إذا لعبت واشنطن وأوروبا أوراقهما بشكل صحيح.
وأوضح إريك سياراميلا، وهو مسؤول استخباراتي سابق وخبير في كارنيغي أيضاً: “لكي يتوقف بوتين عن الحرب، يجب أن يعتقد بإمكانية الفوز في المفاوضات”. وتابع: “لكن هذا لا يعني أنه سيفوز. المفتاح في جعل اتفاق وقف إطلاق النار دائماً وملائماً سيكون في وضع ترتيبات أمنية لأوكرانيا تسمح لها بإعادة بناء قوتها العسكرية وصد الهجوم المتجدد”.
يبدو أن بعض التقييمات الأمريكية بشأن بوتين أثارت استياء ترامب. ففي الواقع، أثار ترامب ومستشاروه احتمال فرض عقوبات جديدة على روسيا إذا رفضت الموافقة على إنهاء الحرب. ومع ذلك، لم يحددوا ماهية العقوبات، على الرغم من أن ترامب قال إنها “قد تكون مدمرة”. ويقول المسؤول إن “الرئيس يريد بشدة التوصل إلى اتفاق”. وأضاف: “الروس لا يظهرون أي علامات على التراجع. إنهم يرفعون من مطالبهم”.
المقترح المعلن لوقف إطلاق النار بعد محادثات الولايات المتحدة وأوكرانيا في السعودية يتضمن وقفاً للقتال لمدة 30 يوماً لتجميد المواقع العسكرية على طول 1800 ميل من الخطوط الأمامية. وكان هذا التحول الأخير في فترة شهدت تقريباً انهياراً في العلاقات بين واشنطن وكييف بعد الاجتماع في المكتب البيضاوي بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
أوقف ترامب المساعدات العسكرية والاستخباراتية إلى أوكرانيا لدفع زيلينسكي للتفاعل في محادثات السلام. وعندما تم التوصل إلى الاتفاق في السعودية، ذكرت واشنطن أنها سترفع الحظر عن الأسلحة والاستخبارات.
وتسيطر روسيا، التي استولت على شبه جزيرة القرم وضمّتها في عام 2014 قبل أن تشن غزواً شاملاً في عام 2022، على حوالى 20 في المائة من الأراضي الأوكرانية، وضمّت بشكل غير قانوني أربع مقاطعات شرقية قرب الحدود بين البلدين. وتقول السلطات الأوكرانية إنها ترغب في استعادة الحدود الكاملة للبلاد قبل عام 2014، على الرغم من أن العديد من المسؤولين والمحللين يرون أنه من غير المحتمل استعادة القرم من خلال الدبلوماسية أو القوة.
لم تتضح ملامح التسوية الإقليمية بعد. حيث رفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في فبراير 2025 اقتراحاً فرنسياً – بريطانياً لنقل قوات حفظ السلام الأوروبية إلى أوكرانيا لحماية أي اتفاق سلام. فطوال فترة ولاية الرئيس جو بايدن، أوضح رؤساء المخابرات الأمريكيين علناً إنهم لم يروا أي دليل على أن الزعيم الروسي قد قلص أهدافه بالنسبة لأوكرانيا، رغم النكسات العسكرية الكبيرة.
وأكد بوتين علناً أن شروطه لأي اتفاق سلام تشمل الحفاظ على السيطرة الكاملة على المقاطعات الأوكرانية الأربع التي احتلتها روسيا، والحفاظ على “جسر بري” بين روسيا والقرم، والحصول على أراضٍ تسيطر عليها أوكرانيا مثل مدينتي خيرسون وزابوروجيا. كما يريد أن تكون أوكرانيا مستقلة شكلياً ولكن خاضعة لموسكو، وفقاً لما ذكره أحد المسؤولين الأمريكيين السابقين.
قد تتغير حسابات بوتين إذا راح وضعه العسكري يتدهور، كما قال المسؤول السابق. وعلى الرغم من أن روسيا أكبر بكثير من حيث المساحة وأكثر كثافة سكانية من أوكرانيا، إلا أن روسيا فقدت أكثر من 95,000 من جنودها في السنوات الثلاث الماضية، وفقاً لتحليل لـ”بي بي سي”. وتشير بعض التقديرات إلى أن العدد الإجمالي للقتلى والجرحى قد يقترب من 500,000.
يقول مسؤول استخباراتي أوروبي، استناداً إلى معلومات تم جمعها خلال فبراير 2025، إن المسؤولين في موسكو يعتقدون بأن ترامب ضعيف، يفتقر إلى مجموعة من المبادئ وقد يكون عرضة للتلاعب. وأضاف المسؤول الاستخباراتي الأوروبي أنه إذا تم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، فمن المحتمل أن تعود موسكو إلى الأساليب “الهجينة” أو غير العسكرية لتقويض أوكرانيا، كما فعلت في عام 2014 بعد غزوها للقرم وأوكرانيا الشرقية ومن ثم الغزو الكامل في عام 2022.
وتشمل هذه الأساليب التهديد الاقتصادي والدبلوماسي؛ اختراق النخب الأوكرانية، ودوائر الأعمال، والخدمات الأمنية والعسكرية؛ والضغط عبر الكنيسة الروسية في أوكرانيا، وفقاً لما ذكره المسؤول. إذ لطالما صورت القيادة الروسية زيلينسكي كدمية للغرب وحاولت تقويض شرعيته. وأكد المسؤول الأوروبي: “حدث غزو العام 2022 لأن الأدوات الهجينة لم تحقق نتائجها”.