الخميس, نوفمبر 6, 2025
23.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

بين دم السويداء وتورّط اللبنانيين: سيادة ممزّقة وعشائر خارج السيطرة

جريدة الحرة ـ بيروت

ما حدث في السويداء في تموز الحالي لم يكن مجرد فصل جديد من فصول العنف السوري، بل محطة مفصلية تكشف حجم الانهيار الأخلاقي والسياسي الذي يرافق الحروب الطائفية. مقاطع مصورة وثقتها وكالة “رويترز” أظهرت مشاهد صادمة لإعدام 12 مدنياً درزياً على يد مسلحين بلباس عسكري، بينهم ثلاثة شبان أُجبروا على رمي أنفسهم من شرفة منزلهم، قبل أن يُطلق عليهم النار وهم يهْوُون إلى الشارع.

عائلة الضحايا، معاذ وبراء وأسامة عرنوس، أكدت لـ”رويترز” أن الجريمة وقعت جنوب مدينة السويداء، في 16 تموز. ورغم إعلان وزارة الدفاع السورية علمها بـ”انتهاكات صادمة” نفذتها “مجموعة مجهولة”، إلا أن التحقيقات الرسمية غابت عن مشهدٍ يتكرّر منذ سنوات في سوريا دون رادع، وسط عجز إعلامي وقانوني عن تسمية القاتل الفعلي، أو حتى الحديث عن سياق الجريمة الطائفي والسياسي.

منظمات حقوقية مثل “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أكدت سقوط أكثر من 1000 قتيل منذ اندلاع المواجهات في السويداء، معظمهم من الدروز، بينهم أطفال ونساء وكوادر طبية. وتحدثت عن توثيق عمليات إعدام ميداني نفذتها قوى النظام ومسلحون عشائريون، في مشهد يعيد إلى الأذهان أهوال الحرب الأهلية، لكن هذه المرة تحت غطاء “السيادة”.

دماء لبنانية في تراب السويداء

مع اتساع رقعة الصراع، ظهرت وجوه لبنانية في مشهد الدم السوري. الشاب مصطفى مليحان، من بلدة الرامة في وادي خالد، ظهر في مقطع وهو يعلن مشاركته في المعارك، ليعود إلى أهله جثةً بعد أيام. والده المفجوع تساءل: “ما الذي دفع ابني إلى الموت في سوريا؟”.

مصطفى لم يكن جنديًا نظاميًا، بل مواطنًا يقيم في حمص وافتتح هناك متجرًا للمواد الغذائية. لكن الانتماء العشائري، والمناخ المتوتر بين العشائر العربية والدروز، بدا كأنه دفع بعض اللبنانيين إلى الانخراط في النزاع المسلح بشكل فردي، خارج أي إطار قانوني أو وطني.

ناشطون لبنانيون تداولوا مقاطع لمقاتلين من وادي خالد في ساحات القتال في السويداء، بينما نُقل أن ضحايا لبنانيين دروزًا سقطوا خلال زيارات عائلية للمنطقة. وهكذا، تلاشت الحدود بين الدول، لصالح حدود الطائفة والعشيرة، وتحوّل لبنان إلى شريك صامت في نزيف الجارة.

بين النفير والدعوات المسلحة

في لبنان، بلغ التوتر ذروته مع دعوات متباينة من أطراف سنّية ودرزية. الشيخ نبيل رحيم في طرابلس دعا شباب أهل السنة للاستعداد “لإسقاط الحدود” إذا طُلب منهم القتال في سوريا، بينما أعلن الوزير السابق وئام وهاب، المقرب من نظام الأسد، عن تشكيل “جيش التوحيد” للدفاع عن دروز سوريا.

في المقابل، أكدت قيادات عشائرية لبنانية أن المشاركة كانت فردية وغير منظمة. وقال أمين عام ديوان العشائر جهاد المانع، إن العشائر لم تعلن النفير، وإن السويداء تحوي ما يكفي من المقاتلين للدفاع عن نفسها. لكنه أقر بأن الروابط العائلية والاجتماعية تدفع البعض إلى قرارات “خارجة عن الإطار العشائري المنظم”.

من جهته، وصف المانع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بأنه “رجل حكيم أنقذ لبنان من فتنة”، وهاجم وئام وهاب واتّهَمه بفتح الباب أمام تدخل إسرائيلي، بينما شدّد على أن الخلاف ليس مع الطائفة الدرزية، بل مع مواقف سياسيين محددين.

القانون بين النص والتطبيق

في ظل هذا الانفلات، تُطرح أسئلة قانونية ملحة حول مشروعية مشاركة اللبنانيين في القتال خارج حدود الدولة. المحامية ديالا شحادة تؤكد أن هذا الفعل يُعدّ ارتزاقًا، يعاقب عليه القانون الدولي واللبناني، ويُدرج تحت بند الانتماء إلى عصابة مسلحة. كما أن الدعوة إلى القتال ضد دولة تربطها علاقات ديبلوماسية بلبنان، تندرج تحت بند “الإضرار بالعلاقات مع دولة شقيقة”.

لكن شحادة تُشير أيضًا إلى ازدواجية مريبة في تطبيق القانون، حيث لم يُحاسب أي لبناني قاتل إلى جانب النظام السوري، بينما جرت ملاحقة بعض من حاربوه.

في المقابل، شدّد محللون سياسيون على أن المرجعيات الدرزية في لبنان ترفض كليًا أي مشاركة في نزاعات خارجية، وأن التضامن لا يعني التجاوز الجغرافي أو القانوني، محذرين من تقديم الولاء للطائفة على حساب الدولة، ومؤكدين أن الصراع في السويداء “شأن داخلي سوري لا يعني اللبنانيين”.

https://hura7.com/?p=62761

 

 

الأكثر قراءة