الأربعاء, مايو 21, 2025
14.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

تجدد المعارك السياسية حول هيكلة المصارف وتوزيع الخسائر

جريدة الحرة

بعد الإشارات الإيجابية التي وُجّهت إلى صندوق النقد الدولي وشركاء لبنان من خلال التصويت، الأسبوع الماضي، على تعديل جديد لقانون السرية المصرفية، وإحالة مشروع القانون الإطاري الخاص بحل الأزمة المصرفية إلى البرلمان، بدأت الغيوم تعود لتلوح في الأفق من جديد في هذا الملف، وفي الملف المرتبط به والمتعلق بتوزيع الخسائر.

فقد انعقدت، يوم الثلاثاء، أولى جلسات لجنة المال والموازنة في البرلمان المخصصة لبحث مشروع قانون الهيكلة وسط أجواء مشحونة بالتوترات السياسية والمؤسساتية، ما كشف حجم التباينات بين الكتل النيابية حول أسباب الأزمة، وتحديد المسؤوليات، وكيفية الربط بين هذا النص ومشروع القانون الآخر، الذي لا يزال قيد الانتظار، والمتعلق بمعالجة الخسائر – والمعروف أيضاً بإسم “قانون معالجة الفجوة المالية”.

“أزمة نظامية” ورسائل سياسية

أحد أبرز محاور النقاش خلال هذه الجلسة الأولى، التي شارك فيها ما لا يقل عن 35 نائباً إلى جانب ممثلين عن القطاع المصرفي ولجنة الرقابة على المصارف، تمحور حول طبيعة الأزمة نفسها. فقد انتقد محامي جمعية المصارف، إيلي شمعون، مشروع القانون الحكومي لعدم تضمنه أي إشارة صريحة إلى العقيدة التي يتبناها اللوبي الذي يمثله، والتي تعتبر أن الأزمة هي “أزمة نظامية”. واعتبر أن المشروع، بصيغته الحالية، يصلح للتعامل مع إفلاس مصرفي منفرد، لا مع أزمة بهذا الحجم والطبيعة. كما اعترض على الصيغة التي تشدد على “ضرورة الحد من استخدام الأموال العامة لإعادة تأهيل المصارف”، معتبراً أن في ذلك رسالة سلبية موجهة إلى الجهات المانحة والمستثمرين والمودعين.

ردّد هذه الانتقادات عدد من النواب، من بينهم غسان حاصباني، فريد البستاني، إبراهيم كنعان وميشال معوّض، الذين أكدوا بدورهم أن ما يشهده لبنان هو “أزمة نظامية” تتحمل الدولة مسؤوليتها المباشرة. وبمشاركة كل من سليم عون، علي حسن خليل، آلان عون وراجي السعد، دعوا إلى إقرار مشترك لمشروعي القانونين: قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والقانون المتعلق بتوزيع الخسائر، معتبرين أنه لا يمكن الفصل بينهما. وتلتقي هذه المواقف جزئياً مع ما أعلنه رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، الذي حذّر من أن أي محاولة لفصل القانونين ستكون بمثابة التفاف على المسؤوليات الجوهرية وتهديد لانسجام مسار الإصلاح، كما تقاطعت أيضاً مع موقف النائب في حزب الله، حسن فضل الله، الذي شدّد على أن احترام حقوق المودعين والعمل على استرجاع أموالهم هو شرط أساسي لإقرار قانون إعادة الهيكلة، ما يعكس تقاطعاً جوهرياً بين أطراف سياسية تبدو متباعدة في الظاهر.

في المقابل، شدّد نواب آخرون مثل حليمة قعقور، جهاد الصمد، جميل السيد ومحمد خواجة، على أهمية إرساء آليات واضحة للمساءلة تطال المصارف وكذلك الجهات العامة المتورطة في الأزمة. كما حذروا من الإفراط في استخدام الأموال العامة لإنقاذ المصارف، داعين إلى مقاربة أكثر عدلاً وشفافية.

من جهتها، أكدت رئيسة لجنة الرقابة على المصارف، مايا دباغ، أن النص المطروح هو إطار تشريعي عام يهدف بالدرجة الأولى إلى معالجة التشتت القائم في القوانين التي تنظم القطاع المصرفي والتعامل مع حالات التعثر. وإذ ذكّرت بالمبادئ والممارسات الدولية الفضلى في ما يخص تراتبية المسؤوليات، أوضحت أن المشروع لا يتطرق إلى مسألة توزيع الخسائر، التي هي موضوع نص تشريعي آخر، بل يهدف إلى تحديث الأدوات القانونية بما يتماشى مع المعايير الدولية.

بدوره، دعا رئيس لجنة المال والموازنة، النائب إبراهيم كنعان، الحكومة إلى “الإسراع في إرسال مشروع قانون معالجة الفجوة”، معلناً أن “مناقشة مواد قانون إصلاح المصارف ستبدأ بعد حضور حاكم مصرف لبنان الجلسة المقبلة لعرض ملاحظاته على النسخة المحالة من الحكومة”.

رسائل من ياسين جابر وكريم سعيد

وقد جاءت هذه التوترات النيابية في سياق تصاعد الإشارات المتباينة من الأطراف المعنية بعملية الإصلاح المصرفي، والتي بدأت تظهر خلافات في القراءة مجدداً حول مشروعي إعادة الهيكلة وتوزيع الخسائر. ففي اجتماع عُقد يوم الإثنين مع ممثلي جمعية المصارف – الذين عبّروا خلاله عن جملة من الانتقادات الجوهرية للنص الذي يُناقَش في البرلمان – ألمح وزير المالية، ياسين جابر، مجدداً إلى رغبته في أن يتولى مصرف لبنان، وحاكمه كريم سعيد، قيادة هذا المسار، حتى لو تطلّب الأمر انتظار نتائج التعيينات المرتقبة في مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، علماً بأن ولاية نواب الحاكم وأعضاء اللجنة تنتهي في 9 حزيران المقبل. وأشار أحد أعضاء وفد جمعية المصارف الذين شاركوا في اللقاء إلى أن “الوزير لا يبدو راغباً في أن يتحمل وحده تبعات التضحيات التي سيُطلب من المودعين والمصرفيين تقديمها”.

لم تتأخر ردّة فعل مصرف لبنان، إذ سارع إلى إصدار بيان توضيحي، أكّد فيه أنه “يعمل على إعداد نسخة أولية من خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي”، مضيفاً أن هذا المشروع الأولي “سيكون لاحقاً موضوع نقاشات وتعديلات بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، ورئاسة مجلس الوزراء، والوزارات المعنية، وبعض المستشارين الرئاسيين، إضافة إلى عدد من الخبراء الماليين الدوليين المتخصصين في إدارة الأزمات المصرفية النظامية حول العالم”.

وإلى جانب إعادة استخدام عبارة “أزمة نظامية” – للمرة الثانية منذ تسلّم كريم سعيد مهامه – لتوصيف طبيعة الأزمة، شدّد مصرف لبنان على أن الخطة لن تكون “مفروضة”، بل ستعتمد على “مقاربة مشتركة، منسجمة وقابلة للتكيّف”، على أن تحظى بدعم جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الدولة ومصرف لبنان نفسه والمصارف. وأضاف البيان أن الأولوية ستُعطى “لسداد ودائع صغار المودعين، وإعادة رسملة المصارف تدريجياً”، بهدف تمكينها من استعادة دورها في تمويل الاقتصاد ودعم النمو الوطني.

https://hura7.com/?p=51474

الأكثر قراءة