الحرة بيروت عن “لوموند” – بتصرّف
بقلم: جويل غايوت
حذّرت وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة، ريما عبد الملك، التي شغلت منصب الملحق الثقافي في السفارة الفرنسية بواشنطن بين 2014 و2018، من أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يقود ما وصفته بـ”حملة صليبية ثقافية” تهدد الهوية الديمقراطية للولايات المتحدة.
وأشارت عبد الملك، التي عايشت من نيويورك بدايات حكم ترامب خلال ولايته الأولى، إلى أن ملامح عدائه للنخب الثقافية والفكرية كانت واضحة منذ البداية، وإن لم تكن بنفس الحدّة التي يشهدها المشهد الأميركي اليوم. فترامب، بحسب تعبيرها، يرى في الأكاديميين، الفنانين، المحامين والعلماء “نخباً” يجب إزاحتها.
خلال ولايته الأولى، حاول ترامب تقليص تمويل الوكالتين الفيدراليتين الداعمتين للثقافة والعلوم الإنسانية، National Endowment for the Arts وNational Endowment for the Humanities، إلّا أن الكونغرس، بما في ذلك بعض الجمهوريين، حالوا دون ذلك لحاجتهم إلى تلك التمويلات محلياً. أما اليوم، ومع امتلاك ترامب غالبية واضحة، فإنه يشعر بشرعية اتخاذ خطوات أكثر جذرية، وفق عبد الملك.
وذكّرت المسؤولة الثقافية السابقة بعدّة مؤشرات مبكرة، من بينها تعيين شخصيات محافظة متطرفة في هيئات مؤثرة، مثل مجلس الفنون الوطني واللجنة الفيدرالية للفنون الجميلة. كما وقّع ترامب عام 2020 مرسوماً يفرض على المباني العامة الجديدة اعتماد الطراز المعماري الكلاسيكي حصراً، وهو ما اعتبرته عبد الملك تدخلاً سياسياً مباشراً في التعبير الفني، وتوجهاً أيديولوجياً خطيراً نحو تسخير الفنون لخدمة سلطة أحادية.
وختمت عبد الملك بالتأكيد على أن ما يُنفّذ اليوم بشكل علني ومضخم، كانت إرهاصاته حاضرة منذ سنوات، بدءاً من محاولات تقويض الثقافة، مروراً بالإهانات المتكررة للفنانين والصحفيين، وصولاً إلى الإقصاء المنهجي لأفضل الكفاءات العلمية والفكرية في البلاد.
تحوُّل ترامب بين ولايتين
شهدت مواقف ترامب تغيراً كبيراً بين ولايته الرئاسية الأولى وسعيه للعودة في الثانية. فهو يخوض اليوم معركة شخصية ضدّ نخب الديمقراطيين – من محامين وأطباء وعلماء وفنانين – الذين يحمّلهم مسؤولية خسارته في انتخابات 2020، ويتهمهم بأنهم “أعداء من الداخل”، كما لديه “قوائم” بأسماء خصومه الذين يخطط لاستهدافهم شخصياً.
لكن انتقامه لا يقتصر على الأفراد، بل يمتدّ ليشمل حرباً ثقافية ضدّ ما يسميه بـ”التيار الووك” (Woke)، حيث يرى أن التقدميين الأميركيين “أُفسدوا” بثقافة الوعي الاجتماعي والعدالة، ويخوض ضدهم “معركة حضارية” دفاعاً عن القيم التقليدية، مثل الدين والأسرة، كما عبّر عنها سابقاً متأثراً بـ”ستيف بانون”.
هذا ويطرح ترامب نفسه كمنقذ لأميركا من الانحرافات الثقافية، لذا هو يهاجم بقوة بعض الحقوق مثل الإجهاض وزواج المثليين والفكر النسوي. فهذه الحرب الثقافية تترافق مع قمع سياسي يتجلى في الرقابة والاعتقالات، ما يمثل انزلاقاً نحو حكم سلطوي، يهدد جوهر الديمقراطية الأميركية كرمز للحرية والتنوع.
أخطر الهجمات: الجامعات
كانت الجامعات هدفاً رئيسياً لترامب، من خلال تخفيض تمويلها وفرض قيود إدارية على أقسام دراسات معينة كدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا. حتى أن جامعات كبرى، مثل كولومبيا وهارفرد، تعرضت لتجميد تمويلات بمئات الملايين من الدولارات، في سياق معاقبة المؤسسات التي شهدت مظاهرات داعمة لفلسطين.
ويقف وراء ترامب تيار أوسع من الجماعات المتطرفة، بعضها أكثر راديكالية منه. من بين هذه القوى، مجموعات مثل “Moms for Liberty” التي تضغط لسحب كتب تتناول قضايا مثل الهوية الجنسية أو حتى “يوميات آن فرانك”. وهذه الجماعات تستخدم خطاب “الحرية” لتبرير الرقابة، وتنتشر بدعم شخصيات نافذة مثل إيلون ماسك. فالموجة تنبع من شرائح شعبية أميركية تعاني الإحباط والشعور بالإقصاء، وهي فجوة فشل الديمقراطيون في معالجتها.
إعادة كتابة تاريخ الولايات المتحدة: هل تمضي قُدماً؟
يسعى ترامب إلى فرض رواية جديدة للتاريخ الأميركي، حيث يرى أن مناقشة قضايا مثل العبودية أو مذبحة الهنود الأميركيين هي بمثابة الاعتداء على عظمة الولايات المتحدة. وتعكس محاولته لإلغاء وزارة التعليم – من خلال مرسوم رسمي – قلة ثقته في المدارس والمعلمين وقدرتهم على تدريس التاريخ بشكل صحيح.
بالمقابل، وعلى الرغم من محاولات ترامب تقويض البرامج التي تعزز التنوع والمساواة والشمول، إلا أن تعددية المجتمع الأميركي هي واقع لا يمكن إنكاره. إذ لا يمكن وقف التقدم نحو مزيد من التنوع والشمول بشكل كامل.
بدوره، يشكّل العمل الخيري أحد الأسباب التي قد تمنح الأمل، حيث يمكن للمؤسسات الخيرية من جميع الأحجام أن تلعب دوراً كمركز مقاومة لدعم الباحثين والجمعيات والمنظمات الأكثر هشاشة. كذلك، يمكن للمقاومة أن تتنظم على المستوى المحلي في الولايات الديمقراطية، كما حدث في كاليفورنيا التي أعلنت نفسها ملاذاً للمهاجرين أثناء ولاية ترامب الأولى. بينما أيّد الحاكم الجمهوري السابق لولاية ماساتشوستس، تشارلي بيكر، برامج التنوع والمساواة.
الفنانون صامتون، لكن دورهم المستقبلي كبير
على الرغم من التزام الكثير من الفنانين الصمت حالياً لتجنب ردود الفعل السلبية ضدهم، إلا أن الفن سيظل مصدراً رئيسياً لتشكيل الخيال الثقافي. فعلى غرار ما حدث خلال حقبة المكارثية، لم تنجح محاولات تكميم أفواه الفنانين والقضاء على إبداعهم. إذ سيستمر الأميركيون في قراءة الكتب، ومشاهدة الأفلام، والاستماع إلى الموسيقى، ولن يتوقف الخيال عن أن يُصاغ بواسطة المبدعين. صحيح أن لا إمكانية للفنانين على إنقاذ كل شيء، لكنهم سيلعبون دوراً محورياً في هذا السياق.
رابط المقال: https://hura7.com/?p=50666
رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468