DW ـ تقف ألمانيا على أعتاب انتخابات تشريعية حاسمة وسط أزمات اقتصادية واستقطاب سياسي حاد، حيث يتصدر المحافظون المشهد بينما يتقدم اليمين المتطرف، في ظل تدخلات دولية وتحديات جيوسياسية قد تعيد تشكيل المشهد الأوروبي.
تختتم الأحزاب الألمانية يوم السبت (22 فبراير/شباط 2025) حملاتها عشية انتخابات تشريعية مبكرة يُتوقع أن تفوز بها المعارضة المحافظة، رغم التقدم المتوقع لليمين المتطرف.
وستكون نتائج الانتخابات حاسمة في وقت تخيم صدمة في ألمانيا – كما في أوروبا عموماً – جراء المواقف المدوية الصادرة عن الإدارة الأميركية الجديدة ولا سيما بشأن الحرب في أوكرانيا وتهديدات الرئيس دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية مشددة.
وتجري الانتخابات بعد عدة هجمات شهدتها ألمانيا في الأسابيع الأخيرة وكانت لها وطأة شديدة على الرأي العام. ووقع آخر هذه الهجمات مساء الجمعة حين أصيب إسباني بجروح خطيرة طعناً عند النصب التذكاري للهولوكوست (محرقة اليهود) في برلين. وقبضت الشرطة على مشتبه به هو شاب سوري كان يريد “قتل يهود”، وذلك “على صلة بالنزاع في الشرق الأوسط”، بحسب الشرطة والمدعين العامين.
انتخابات على وقع أزمة اقتصادية واستقطاب حاد
وسيشكل الاقتصاد أولوية للحكومة المقبلة في وقت تعاني القوة الاقتصادية الأولى في القارة الأوروبية جراء سنتين من الانكماش وأزمة تلحق بنموذجها الصناعي.
ويتصدر زعيم المحافظين فريدريش ميرتس بفارق كبير نوايا الأصوات لخلافة المستشار الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز. والتحدي أمام محامي الأعمال السابق البالغ 69 عاماً يكمن في الحصول على أعلى نسبة ممكنة من الأصوات للتفاوض من موقع قوة على تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل.
وتشير استطلاعات الرأي إلى حصوله على حوالى 30 بالمئة من الأصوات، ما يعني أنه سيحتاج إلى التحالف مع حزب واحد على الأقل لخوض المفاوضات التي يتوقع أن تستغرق عدة أسابيع. واستبعد ميرتس تشكيل حكومة مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف الذي يتوقع أن يحصل على حوالى 20 بالمئة من الأصوات، أي ضعف نتيجته في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وبعدما اتُهِمَ خلال الحملة بإبداء بوادر تقارب مع اليمين المتطرف، أكد الزعيم المحافظ الجمعة “إننا منقسمون بصورة جوهرية حول عدة نقاط، على صعيد السياسة الاقتصادية وسياسة الهجرة”.
ونادراً ما شهد النقاش السياسي في المانيا هذا القدر من الاستقطاب أو عكس إلى هذا الحد الأحداث الجارية على الساحة الدولية، في بلد لطالما اعتمد التسويات وتشكيل ائتلافات واسعة تضم اليمين واليسار.
تدخل أميريكي غير مسبوق
وعانت الحملة الانتخابية تدخلات غير مسبوقة من واشنطن في ظل صدمة الأسابيع الأولى من ولاية ترامب، وحملات تضليل إعلامي روسية مركزة. واتخذ نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس والملياردير إيلون ماسك، أحد أقرب مساعدي ترامب، مواقف علنية مؤيدة لـ”البديل من أجل ألمانيا” ما عزز موقعه. وفيما ينظم أنصاره تظاهرتين السبت في برلين، دعا معارضوه إلى تجمع في وسط العاصمة.
ومع ولاية ترامب الجديدة، بدأ المسؤولون السياسيون الألمان الذين يعلقون أهمية جوهرية على العلاقة عبر الأطلسي، يدركون أن الزمن تغير.
وخلال تجمع انتخابي أخير يوم الجمعة في دورتموند، معقل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رد شولتز على مواقف ترامب مؤكداً دعمه لسيادة أوكرانيا بوجه الغزو الروسي، ومدافعاً عن التزام بلاده بحرية التعبير، بعدما واجهت انتقادات أميركية بهذا الصدد.
مخاوف من هزيمة تاريخية
ويواجه الحزب الاشتراكي الديمقراطي خطر هزيمة تاريخية إذ تتوقع استطلاعات الرأي أن يحل في المرتبة الثالثة بحصوله على 15 بالمئة فقط من الأصوات.
أكد ستيفانوس ريمرت الذي قدم للمشاركة في تجمع دورتموند، متحدثاً لوكالة فرانس برس، أنه “يحتفظ بالأمل”، مبدياً أسفه لعدم التطرق إلى المواضيع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية خلال الحملة التي هيمن عليها موضوع الهجرة.
وقال ميرتس هذا الأسبوع إنه في وجه ترامب والتحديات الجيوسياسية المطروحة، على المستشار الألماني المقبل أن “يستعيد أخيراً دور زعامة في أوروبا”. وهو يأمل بتشكيل حكومة تباشر العمل بحلول نهاية نيسان/أبريل، الأمر الذي يتوقف إلى حد بعيد على نتائج التشكيلات السياسية الصغيرة. فإن تخطت عتبة 5 بالمئة، ستكون ممثلة في البرلمان، ما سيزيد من صعوبة تشكيل ائتلاف من حزبين.
استطلاع: الاتحاد المسيحي في الصدارة
وقبل يوم واحد من الانتخابات، كشفت نتائج استطلاع للرأي استمرار تصدر الاتحاد المسيحي المعارض قائمة أكثر الأحزاب شعبية في ألمانيا رغم أنه سجل تراجعاً طفيفاً في نسبة مؤيديه بين الناخبين.
وأظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد “إينزا” لقياس الرأي لصالح صحيفة “بيلد” أن الاتحاد (المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري) حصل على تأييد 29,5 بالمئة بتراجع بمقدار نصف نقطة مئوية مقارنة بالاستطلاع السابق.
ووفقاً للنتائج، لم يطرأ تغيير على مستوى تأييد حزب “البديل من أجل ألمانيا” الذي احتل المركز الثاني بـ21 بالمئة وحزب المستشار الحالي أولاف شولتز الاشتراكي الديمقراطي الذي احتل المركز الثالث بـ15بالمئة. وحصل حزب الخضر على 12,5 بالمئة بتراجع بمقدار نصف نقطة مئوية. وحصل حزب اليسار على 7,5 بالمئة بارتفاع بمقدار نصف نقطة مئوية.
وحصل الحزب الديمقراطي الحر على 4,5 بالمئة بزيادة بمقدار نقطة مئوية، ولا تزال هذه النسبة أقل من الحد الأدنى لدخول البرلمان والبالغ 5 بالمئة، وهي النسبة التي حصل عليها حزب “تحالف ساره فاغنكنشت”. وفي حال دخل حزب فاغنكنشت البرلمان، فمن المرجح ألا يكون تشكيل أغلبية حكومية ممكناً إلا من خلال ائتلاف ثلاثي، الأمر الذي يعني أن الاتحاد المسيحي سيحتاج في هذه الحالة إلى شريكين آخرين.