الجمعة, مارس 21, 2025
17.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

جان نمّور ـ استعادة الدولة في لبنان: بين فرض حكم القانون واستقلالية القضاء

الحرة بيروت ـ بقلم: المحامي جان نمّور

في قراءة هادئة للأحداث التي شهدها لبنان مؤخراً، وبعيداً عن الشعبوية والانتصارات الوهمية، يبقى الانتصار الوحيد الفعلي المسجَّل هو لصالح حكم القانون، القضية التي تستحق أن يُنتصر لها في بلدٍ بات في حالة هروب دائم من العدالة.

يؤكد تسلسل الأحداث السياسية وجود هجوم منظم يستهدف تفكيك مؤسسات الدولة والاستحواذ على ما تبقّى منها، عبر تقويض دعائمها الدستورية. فمجلس النواب أُقفِل مراراً، وصودر قراره، وأُدير بأسلوب أفقده قدرته على إحداث التغيير المنشود من قِبل اللبنانيين، حتى بات الدستور وجهة نظر، والاستحقاقات الدستورية خاضعة للتمييع في سياق ضرب الثوابت الوطنية.

السلطة التنفيذية لم تكن بمنأى هي الأخرى عن هذه الهجمة الممنهجة، إذ فُرضت عليها أعراف خارج الدستور، كتكريس حقائب وزارية لطوائف بعينها، وإقرار بدع مثل “الثلث المعطل” وتفسيرات مشوَّهة لمفهوم “الميثاقية”.

هذا الواقع انسحب أيضاً على وزارة العدل، حيث جُمِّدت التشكيلات القضائية، وأُفرغت المراكز الأساسية، وبات القضاء مشلولاً وخاضعاً لاعتبارات سياسية. التدخلات السافرة في عمل القضاء بلغت حدّ تهديد المحقق العدلي القاضي طارق بيطار لتعطيل تحقيقاته في ملف انفجار مرفأ بيروت، واحتجاز هنيبعل القذافي لفترة طويلة دون محاكمة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ خاض نواب الثنائي الشيعي في لجنة الإدارة والعدل معركة شرسة للإبقاء على صلاحية المحكمة العسكرية في محاكمة المدنيين، من باب الحفاظ على المكتسبات السياسية، رغم ما يشكّله ذلك من انتهاك صارخ لقانون إنشاء المحكمة ولحقوق الإنسان. أما الرئيس السابق ميشال عون، فقد وجّه سهام انتقاداته إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، في خطاب انتهاء ولايته، مستهدفاً الرجل الذي تصدّى بشجاعة لمحاولات تقويض استقلالية القضاء.

من قراءة البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، يتّضح أنه تضمّن حزمة واسعة من الإصلاحات، من غير الواقعي تنفيذها خلال الفترة المحددة للحكومة. وعليه، يصبح من الضروري تحديد أولويات واضحة، أبرزها فرض هيبة الدولة وتطبيق حكم القانون من خلال المؤسسات الشرعية على جميع الأراضي اللبنانية، واستعادة استقلالية القضاء بقرار سياسي واضح من جميع الأطراف، إلى جانب تمكينه من أداء دوره بعيداً عن الضغوط. في هذا السياق، يُعتبر قرار رئيس الجمهورية تعيين لجنة لمتابعة تطبيق الدستور خطوة في الاتجاه الصحيح. ومن الأمور الملحّة أيضاً تشكيل لجنة مستقلة لوضع استراتيجية إصلاحية للقضاء، بالتشاور مع الأكاديميين والقضاة والمحامين وسائر المعنيين.

دولة القانون هي الخيار الوحيد للبقاء، والنضال من أجلها ليس ظلماً ولا مؤامرة، بل هو المسار الطبيعي لبناء دولة حقيقية. فلا عبور إلى لبنان الوطن والدولة إلا عبر إعلاء شأن القانون، وهو ما يتطلّب تضحيات من الجميع، باعتباره انتصاراً سياسياً للبنان كفكرة، وكوطن نهائي لجميع أبنائه.

https://hura7.com/?p=46297

الأكثر قراءة