بقلم: جورج يونس
عام 1982 وبعد أن دُمِّر لبنان، دخل ياسر عرفات بشكل مفاجىء على اجتماع الجبهة الشعبية المعارضة له وقال لهم: “رغم ضآلة إمكانياتنا هزمنا شارون وحدنا، عارفين يعني إيه وحدنا، وهم يتصورون أننا نغادر بيروت نحو الاندثار والانهيار، لكن لن نندثر ولن ننهار، ولا أعتقد أن طريق القدس لن تمر بدمشق، لذلك أقول لأخي جورج حبش “تعالَ معي أنا رايح اليونان ومن هناك أتوجه إلى أرض الله الواسعة””. لكن حبش رفض مرافقته وقرر التوجه نحو دمشق. بعد بضعة أيام، غادر عرفات بيروت على متن سفينة متوجهاً إلى تونس بعدما لوّح بيديه أمام الآلاف الذين احتشدوا في وداعه، قائلاً: “أيها المجد لتركع أمام بيروت”.
عام 1990 وبعد أن دُمِّر لبنان، توجه العماد ميشال عون نحو السفارة الفرنسية، بعدما بدأ تقدّم الجيش السوري نحو المناطق المحررة وبعدما أمطرت طائرات السوخوي وزارة الدفاع والقصر الجمهوري بالقصف، ومن هناك أطلق نداء الاستسلام الأخير عبر الهاتف، وقد أطلق عليه حينها نداء تسليم الشرعية فأعلن: “بسبب الظروف السياسية والقتالية والعسكرية الراهنة، وحقناً للدماء، وتخفيفاً للأضرار، وإنقاذاً لما تبقى، أطلب من أركان قيادة الجيش تلقي الأوامر من العماد إميل لحود.
اليوم، في عام 2024، وبعد 34 سنة، دُمِّر لبنان مجدداً. رحل عرفات، رحل شارون، رحل بيغن، رحل جورج حبش، رحل السيد، رحل صفي الدين. تغيرت الأسماء وبقي لبنان النازف الدائم دماءً وتهجيراً ودماراً، كما بقي العالم كله متفرجاً على معاناة شعب لا ناقة ولا جمل له في مؤامرات الدول ومشاريعها التفاوضية. وبقي لبنان أرض صراع للفلسطيني والسوري والأميركي والإيراني والإسرائيلي والفرنسي والروسي، فيما هو يستمر في تكبّد أغلى الأثمان بالدم والعمر والمال والأملاك والهجرة والأمراض النفسية.
فهل يا ترى من يسمع فيتعظ، ويطلق هذه المرة ليس نداء الاستسلام الجديد، إنما نداء السلام النهائي، فتعود الحياة لنا ولوطننا، وتعود جنات مفكرينا لترسم لوحاتها الإبداعية في فضاء العالم أجمع، عوضاً عن لوحات الدم والبكاء والدمار، ويعود حق الحياة لشعب حمل صليب آلامه عن كل العالم العربي وعن العالم الحر لأكثر من 49 سنة؟
توقفوا عن بيانات “الصحاف”. اعترفوا بما آلت إليه الأمور في الميدان، واطلقوا نداء السلام الآن لترحموا شعبكم وما تبقى من مكونات الوطن. فنحن شعب لم يعد يريد أن يعيد بناء مستقبله ومنازله كل 15 عام لأننا نستحق الحياة، ونعرف تماماً كيف نكسب محبة كافة الشعوب وكيف نزرع الفرح والنجاح أينما حللنا.