خاص – وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مقترح أمريكي لوقف إطلاق نار جزئي في الحرب ضد أوكرانيا، عقب مكالمة هاتفية مطولة مع الرئيس دونالد ترامب. وفي حال موافقة أوكرانيا على شروط وقف إطلاق النار الجزئي، سيُوقف البلدان الهجمات على البنية التحتية للطاقة لمدة ثلاثين يوماً. وخلال المكالمة، تعهد بوتين أيضاً ببدء مفاوضات بشأن وقف إطلاق نار بحري محتمل في البحر الأسود.
جاء بيان البيت الأبيض عقب مكالمة الرئيسين متفائلاً إلى حد ما، لكن في الحقيقة، كانت النتائج أقل بكثير من التوقعات. ففي مارس 2025، أيدت أوكرانيا دون قيد أو شرط مبادرة الولايات المتحدة لوقف إطلاق نار شامل لمدة ثلاثين يوماً، في خطوة لاقت ترحيباً واسعاً باعتبارها تقدماً نحو اتفاق سلام محتمل. لكن حتى الآن، رفضت روسيا الرد بالمثل. لا بل بدلاً من ذلك، سعى بوتين إلى إدراج سلسلة من الشروط التي تشير إلى عدم رغبته في التنازل عن القضايا الرئيسية التي دفعت روسيا إلى غزو أوكرانيا في المقام الأول.
ويبدو أن المكالمة الهاتفية لم تكن مختلفة. فبينما قدّم بوتين بعض التنازلات الطفيفة، أوضح أنه لم يتخلَّ عن هدفه الأسمى المتمثل في إخضاع أوكرانيا. والأهم من ذلك، فقد شدّد بيان الكرملين الذي أعقب المكالمة على أن الشرط الأساسي لروسيا لأي تقدم نحو السلام هو “الوقف الكامل للمساعدات العسكرية الأجنبية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف”. بعبارة أخرى، يُصرّ بوتين على أن السلام لن يتحقق إلا بنزع سلاح أوكرانيا.
إصرار بوتين على إنهاء كل الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا ليس بالأمر الجديد. فمنذ الأيام الأولى للحرب، دأب على تحذير الغرب من تسليح كييف. كما حرص على تحديد نزع السلاح الكامل من أوكرانيا كأحد أهدافه الحربية الرئيسية.
وخلال محادثات السلام عام 2022، طالب المفاوضون الروس بتقليص حجم الجيش الأوكراني بنسبة 95% تقريباً، ليصبح قوة هزيلة لا تتجاوز خمسين ألف جندي. وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، كرّر الكرملين هذه الدعوات لتقليص حجم القوات المسلحة الأوكرانية بشكل جذري، بما في ذلك فرض قيود صارمة على أنواع الأسلحة التي يمكن لأوكرانيا امتلاكها.
كما ضغط المسؤولون الروس مراراً على حلفاء أوكرانيا الغربيين لإنهاء جميع المساعدات العسكرية. وفي حديث له في أكتوبر 2023، خلال منتدى فالداي السنوي للحوار في سوتشي، توقع بوتين أن أوكرانيا لن تنجو إلا “بأسبوع واحد” إذا أوقف شركاؤها الغربيون تسليم الأسلحة. وقال: “تخيلوا لو توقفت الإمدادات غداً. سيبقى لديهم أسبوع واحد حتى تنفد ذخيرتهم”.
وأصر الكرملين بالمثل على ضرورة عزل أوكرانيا دولياً وحرمانها من حلفائها المحتملين. فبالإضافة إلى حظر جميع إمدادات الأسلحة الغربية، تطالب موسكو أوكرانيا بالتخلي طواعية عن طموحاتها في حلف الناتو وقبول الحياد. ويزعم بوتين أن ذلك ضروري لأن توسع الناتو يُشكل تهديداً عسكرياً لروسيا. ومع ذلك، فقد صرّح بنفسه أن روسيا “لم تكن لديها أي مشكلة” عندما أعلنت فنلندا المجاورة عن خططها للانضمام إلى الحلف في عام 2022.
كما رفضت روسيا بشدة فكرة نشر قوات حفظ سلام من دول أعضاء في حلف الناتو في أوكرانيا لمراقبة أي اتفاق وقف إطلاق نار مستقبلي. ويكتسب هذا الرفض دلالة خاصة، نظراً لوجود قوات الناتو نفسها في ست دول مجاورة لروسيا دون إشعال حرب عالمية ثالثة. ويبدو أن مشكلة بوتين الحقيقية تكمن في أوكرانيا، لا في الناتو.
صحيح أن بوتين أبلغ ترامب برغبته في سلام دائم، لكن موقفه التفاوضي يوحي بعكس ذلك. فشروط السلام التي يفضلها سيّد الكرملين تتوخى أوكرانيا منزوعة السلاح، بلا جيش تقريباً، وبلا أي فرصة لتلقي أي مساعدة عسكرية فعّالة من المجتمع الدولي. وإذا حقق ذلك الهدف، فمن المؤكد أنها مسألة وقت قبل أن يجدد الرئيس الروسي غزوه لأوكرانيا بالكامل.