خاص. جريدة الحرة
تخطّت “الشيعية السياسية” في لبنان وصفها كحالة طائفية فحسب، إذ أفضت إلى نشوء ما يمكن اصطلاحه تحت مسمّى “المسألة الشيعية” التي أضحت محوراً للعديد من القضايا المعقّدة في السياسة والثقافة والمجتمع. فطغت إرادة التعطيل، والقضم من الداخل، والاستتباع لولاء سياسي خارجي، واغتيال الهوية الثقافية والاجتماعية، والحرب الدائمة، وتعوّد القتل والتصفية والترهيب في مقابل تغييب التنمية ومتطلّباتها. وصولاً إلى لاوعي الهزيمة وإنكار الواقع وإسقاط مشروع الدولة كجهاز ناظم في المجتمع عن طريق إقامة الأنظمة الموازية في الدفاع والأمن والاقتصاد والتربية والاستشفاء والقضاء، فبرزت حالة المجتمع بلا دولة مع كلّ ما تنتجه هذه الحالة من شقاء تلقائي.
بهذه الكلمات وصّف المؤسس في حركة “تحرّر – من أجل لبنان”، الدكتور علي خليفة، واقع الشيعية السياسية في لبنان ضمن ورشة تفكير ونقاش نظمتها الحركة بالتعاون مع مؤسسة أمم للتوثيق والأبحاث، تحت عنوان: “من المسألة الشيعية إلى حاضنة الدولة وقضايا الوطن”، في فندق Smallville – بدارو يوم السبت الماضي.
ورأى خليفة أن سقوط الشيعية السياسية وكلّ ما رافقها يدعو اليوم إلى تلمّس معالم العبور الواجب إلى حاضنة الدولة اللبنانية وقضايا الوطن، وعودة اندماج المواطنين اللبنانيين، بمن فيهم الشيعة، في قضايا المجتمع ودينامياته حيث غنى التنوّع والانفتاح والحريات تحت مظلة المواطنة الكاملة.
وفي معرض التفكير حول قضايا لبنان المجتمعية ومقاربات المكونات المختلفة لها، ذكّر خليفة (بالوثائق والمواد المصوّرة) بأبناء منطقة النبطية الواقعة في جنوب لبنان، الذين انضمّوا إلى مظاهرات السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر من العام 2019 للمطالبة بحقوق المواطنة وبمشروع الدولة، حيث تمّ قمعهم من قِبل العناصر المسلّحة التابعة للثنائي “أمل” و”حزب الله”، ما يظهر سطوة الحزب تحديداً، واستخدام سلاحه في الداخل لقمع المظاهرات.
أتى هذا النشاط بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإعلان حركة “تحرّر” التي أقامت ورشات عديدة وندوات وحوارات تفاعلية خلال العام المنصرم تحت عنوان الإعتراض الشيعي الناشئ على ممارسة الثنائي “أمل” و”حزب الله” للسلطة، واختزال الطائفة الشيعية واحتكار النطق باسم القضايا الوطنية الكبرى ومصادرة أدوار الدولة في الدفاع والأمن والاقتصاد والمجتمع.
من ناحيته، أشار رئيس ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين، جاد الأخوي، خلال الورشة، إلى أن حزب الله لم يحقق بواسطة سلاحه لا إسناداً لغزة ولا مشاغلة للإسرائيليين ولا توازن الردع معهم، كما لم يدافع عن لبنان واللبنانيين. وأضاف: “نحن أمام لحظة تاريخية حاسمة للعمل على أن تكون وظائف الدفاع والأمن حصرية بيد الدولة اللبنانية عبر مؤسساتها المسلحة الشرعية، دون سواها”.
أما منسقة تجمّع دولة لبنان الكبير، الأميرة حياة أرسلان، فلفتت إلى أن شوائب عديدة شابت ممارسة السلطة لكلّ الطبقة السياسة، منها قبول التنازل لحزب الله عن أدوار الدولة في الدفاع والأمن وفي الاقتصاد والمجتمع. وقد حمّلت هذه الطبقة أقداراً معينة من المسؤولية عن الوضع الذي وصل إليه اللبنانيون نتيجة تقاعسها أو تخاذلها أو مواربتها أو ضعفها أو مقايضاتها للمنافع والمصالح مقابل ما سعى الحزب إلى الاستئثار به.
كذلك، أكّد المؤسس في حركة “تحرّر” وناشر موقع “الحقيقة”، الدكتور هادي مراد، أن أي كيان أو جماعة لا يمكن أن تأخذ مكان الدولة اللبنانية في الدفاع والأمن، مهما توافرت لها من إمكانات وبلغت مقدّراتها. فالخروج عن الدولة يعني لا محالة الشرذمة والتوترات الداخلية ومخاطر الإنزلاق في الحروب الداخلية والصدامات غير المحسوبة. وشدّد على ضرورة أن تعود إلى الدولة أدوار الدفاع والأمن.
وعلى خلفية عرض مادة مصوّرة توثق انخراط بعض الشباب في دورات الاستقطاب لدى حزب الله وممارسة الأعمال العسكرية خارج حدود الدولة، لفت العميد المتقاعد، جوزيف أسمر، إلى أن تسليح الجيش اللبناني قائم وهو قادر على أداء مهامه، وأن كلّ ما يقال عكس ذلك هو قول مجافٍ للحقيقة. فتسليح الجيش لم ينقطع. وعمليات التطوّع أو زيادة عديده أو الاستدعاء للخدمة في إطار أي مهام معهودة للجيش هي من الأمور القائمة. “سيكون الجيش اللبناني قادراً على أداء مهامه بالكامل. وما ينقصه مثلاً من سلاح الدفاع الجوي ينقص كل جيوش المنطقة، بما فيها الجيش الإيراني الذي انكشف بالكامل بسبب النقص في الدفاع الجوي أمام الغارات الإسرائيلية. إن ما يحمي لبنان ليس السلاح بحد ذاته فقط، بل منظومة العلاقات الدولية أيضاً”.
من جهته، لفت مدير تحرير موقع “جنوبية”، الصحافي السيد علي الأمين، إلى أن شرعية سلاح حزب الله سقطت على مستويات عدة. أولها، فشل الحزب في القيام بمهمة الحماية والأمن والرعاية. ثانيها، نقضه وتجاوزه لحدود مهمته ودوره الذي يقتصر على المقاومة. ثالثها، إثبات عجزه وعدم أهليته في الدفاع والردع. وأضاف أن لا إمكانية لإيجاد حلّ في لبنان إلّا برعاية دولية. “ما نأمل أن يتحقق من تغيير سياسي، لا بدّ وأن يترافق مع مسار طويل وشاق في بناء وعي جديد لمعنى الهوية والشرعية والتضامنات، ومعنى السلطة وحقيقة الدولة، وعلاقة الدين بالدولة، ومساحة سلطة الدين، بل معنى الهوية الشيعية. فالمهمة القادمة ثقافية ومجتمعية واقتصادية بقدر ما هي سياسية”.
وختم عضو طاولة حوار المجتمع المدني، محمد ظريف، معتبراً أن الوضع السابق تحت عنوان “تفلّت السلاح في الداخل وإقحام لبنان في حروب النفوذ في المنطقة” غير مقبول. مطالباً بمراجعة هذا الواقع عن طريق النقد وتحت عنوان الدستور المطبّق على الجميع وفي إطار حصرية أدوار الدولة في الدفاع والأمن. ويجدر، بحسب ظريف، حمل القضية اللبنانية إلى المحافل الدولية وتثبيت نظامه السياسي وخصائصه بمعزل عن دوائر النفوذ والمصالح والصراعات الدائرة في المنطقة.
نقاش اختصر لسان حال أكثرية اللبنانيين الذين يطالبون باستعادة مشروع الدولة الحديثة وتحقيق المواطنة الكاملة في إطار ثقافة القانون وغنى التنوع في المجتمع. فهل تنجح “الشيعية السياسية” في العودة إلى “الحاضنة اللبنانية”؟