بقلم: ستيفاني أبو الحسن
أودُّ أن أقدّم لكم إحدى أبرز الوثائق في تاريخ الإنسانية: “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. هذه الوثيقة التاريخية لم تكن مجرّد نص قانوني، بل هي ثمرة جهد جماعي استثنائي قام به ممثلون من خلفيات قانونية وثقافية متباينة، اجتمعوا من مختلف أصقاع الأرض. وكانت الأمم المتحدة السبّاقة في وضع الحقوق الأساسية التي يجب أن تُصان وتُحترم على نطاق عالمي.
يشملُ هذا الإعلان سلسلة من الحقوق الّتي تُمنح لكل إنسان على وجه الأرض، بغضّ النظر عن معتقداته، خلفيته الثقافية، أو عرقه. وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة تُحافظ على الكرامة والعدالة الإنسانية، فإنها لا تحمل صفة الإلزام القانوني.
أكتب هذا المقال متأثرةً بتجربة شخصية تركتْ في نفسي أبلغ الأثر. منذ أيام قليلة، حاولت أن أعبّر عن رأيي بحرية حول الأحداث العالمية الأخيرة، وبالأخص التطوّرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط. إلّا أنني، ولدهشتي واستيائي، مُنعت من نشر المحتوى، رغم أن تعبيري لم يكن يحتوي سوى لغة السلام.
برأيي، يمثّل هذا الحادث انتهاكاً جسيماً للحقوق الشخصية. وما هو أكثر إزعاجاً ذلك التناقض الصارخ بين القيم التي تُدرَّس في المؤسسات التعليمية الأمريكية والغربية من جهة، وما يُمارس على أرض الواقع من جهة أخرى.
طوال فترة تخصصي الجامعي بالعلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية، تعلّمت أن “حرية الرأي والتعبير” هو حق مقدَّس – حق يولد مع ولادتنا ولا يمكن لأحد أن يسلبه منا. كنّا نعتقدُ بأن هذه المبادئ تُحترم بلا تهاون، خاصةً في المجتمعات التي تدّعي أنها تدافع عمّا يُسمّى بالديمقراطية.
تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوضوح على ما يلي: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير؛ ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخُّل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيّد بالحدود الجغرافية”.
ومع ذلك، أتساءل الآن عن حقيقة هذا الحق “العالمي”. أطرح هذا السؤال أمام المجتمع الدولي وكافة المدافعين عن الديمقراطية، الذين ينبغي أن يكونوا في الأساس مدافعين عن حرية التعبير. كيف يمكن التوفيق بين المعايير المزدوجة في ممارسة وتنفيذ السياسات الغربية؟ هل يمكننا جميعاً الاعتراف بأن ما حصل ويحصل يشكّل انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان والكرامة الشخصية؟
إن حق الإنسان في التعبير عن رأيه بحرية ليس ترَفًا، بل هو دعامة أساسية يرتكز عليها أي مجتمع حرّ ديمقراطي. أتوجه إلى المجتمع العالمي، وإلى كل من يحمل في قلبه مبادئ العدالة والمساواة، لإعادة النظر في هذه القضية الجوهرية. يتعيّن علينا أن نعمل على سدّ الفجوة بين النظرية الأكاديمية الأمريكية والممارسة الواقعية، بعيدًا عن أي تحيّز أو قمع.
وأخيرًا، أُشدد على أنه – وهو رأي ينطبق على كافة أركان المجتمع سواء في الشرق أو الغرب – يتوجب علينا إعطاء الأولوية لتمكين التفكير النقدي “ازدهار الدماغ” (brain booming) بدلًا من الانزلاق نحو التلاعب والتحكُّم أو غرس الأفكار المضللة و”غسل الدماغ” (brain washing).