الأربعاء, مايو 21, 2025
14.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

حقنة في العضل لنظرية “الكون الحي”

جريدة الحرة

سعد محيو – مؤلّف كُتب عدة، أحدثها “The Reign of Artificial Intelligence“، ومدير منتدى التكامل الإقليمي

قبل نحو أربعة آلاف عام، اكتشف الفلاسفة الهنود والإغريق بالحدس والقياس، ومن بعدهم متصوّفة المسيحية واليهودية والإسلام بالإشراق الروحي، أن الكون كائن حي واحد موّحد، وأن وحدة الوجود هي الحقيقة الأولى التي تتفرع منها كل الحقائق الأخرى.

وقبل نحو 400 عام، رفض علماء الغرب هذه الفكرة، واطلّوا على الكون بصفته مجرد آلة ميكانيكية لا حياة فيها أو روحاً ولا معنى، تديرها الفوضى وتتحكم بها العشوائية والصدف.

والآن، بدأت عقارب الساعة تعود القهقرى إلى عهد الفلاسفة والمتصوّفة، وعلى يد علماء الغرب أنفسهم الذين اكتشفوا أن أصل كل المخلوقات خلية أو نطفة واحدة (داروين)، وأن أصل كل قوى الطبيعة، من القوّتين النوويتين الضعيفة والقوية إلى الجاذبية والطاقة الكهرومغناطيسية، واحد هو الأخر (أينشتاين). وما لبث خليفة هذا الأخير، ستيفن هاوكينغ، أن أعلن أن المسألة مسألة وقت قبل وضع نظرية بسيطة واحدة تفسّر كل شيء في هذا الكون الواحد.

ومؤخراً، تلقت فكرة وحدة الوجود والحياة حقنة منشطة هائلة في العضل، حين أعلن علماء أميركيون أن المركبات العضوية الحاملة للنيتروجين والمواد الهايدروكربونية ، وهي المكونات الأصلية والأساسية للحياة، منتشرة في كل الكون وليس  فقط على سطح  كواكب كالأرض.

ويوضح لويس ألاماندولا، أحد العلماء في “ناسا” الذين عثروا على هذه المركبات بواسطة تيلسكوب “سبيتذر” الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، أن “المعرفة الجديدة تُظهر أن المكونات الكيماوية للحياة لا تحتاج إلى كوكب خاص لتظهر. إنها مبثوثة في كل الفضاء. وإذا ما هبطت في بيئة مناسبة، تشكّل أرضية ممتازة لنشوء الحياة”.

وفي الوقت ذاته تقريباً، كان مجس الفضاء “ديب إمباكت”، الذي اصطدم بالمذنب “تمبل-1” في 4 تموز/يوليو الماضي، يظهر وجود تجمعات كبيرة من مركبات كيماوية عضوية تحت سطح المذنب. وهذا ما دفع بعض العلماء إلى عدم استبعاد نظرية كان قد أطلقها قبل 2500 عام الفيلسوف الإغريقي، أناكساغوراس، ومفادها أن الحياة على الأرض “حصلت على مساعدة من الفضاء”.

ماذا تعني هذه الكشوفات؟

أمران: الأول، أن مكونات الحياة – الخلق مبثوثة في مناطق ومواقع قد لا تخطر على بال؛ من المذنبات المتنقلة بسرعة الصواريخ،  إلى “الحساء” الكيماوي الأصلي المتجّول بين النجوم والأجرام السماوية الأخرى. والثاني، أن ثمة إرادة إلهية حقيقية بجعل الحياة الحية تنتصر على الجماد الميت في الكون. وهذه، كما يتبّين الآن، ليس وظيفة كوكب الأرض أو الجنس البشري وحده، بل هي سيمفونية كونية رائعة تشارك في عزفها أوركسترا تضم كل أو معظم عناصر الكون.

وبالطبع، هذه المعطيات الجديدة ستكون لها تأثيرات عميقة ليس فقط على كل النظريات الحالية والسابقة حول نشأة الحياة وأهدافها، بل ستضاعف أيضاً الاهتمام بوسائل المعرفة الخاصة التي جعلت فلاسفة ومتصوّفة القرن الحادي عشر يدركون بالقلب (الحدس) ما يكتشفه الآن علماء القرن الحادي والعشرين بالعقل.

ثم: ماذا لو اتّحد الحدس والعقل معاً؟ الارجح حينها أن سرّ الوجود لن يبقى سرّاً، وستفصح عنه أي وردة بريئة أو قطرة ندى ندية في الصباح.

https://hura7.com/?p=51661

الأكثر قراءة