زياد الصّائغ
جريدة الحرة ـ بيروت
تجتاحُ لبنان كثافَةٌ من ارتجاجاتٍ بنيويَّة. فِعْلُ اللّادَوْلة يستشرِسْ. إنعِدامُ وزنٍ هائِل يتحكَّمُ في مفاصِل المَسلك الدُّستوريّ. نَحْرُ المسلكِ الدُّستوريّ يتسيَّدُ المَشْهَد. السَّرديَّة الفولكلوريَّة في الاحتِكام إلى هذا المَسْلك مُتأنِّقَة لكنَّها معرّاةٌ من كُلّ صدقيَّة. حتِّى تأنّقُها الشَّكليّ منْحورٌ باعتِبارات المياعة، والمناورة، والمراوغة، إلى المُقايَضَة الباهِتَة. المياعَةُ مردُّها إلى انتِفاءِ سِمَة الدَّولة عن نسائِها ورجالاتِها. المناورة ترجِعُ إلى ما يُعتَبر دهاءً، فيما هو انتِحار. المراوغة تعُود إلى عادَةِ شِراءِ الوَقْت، وقد طرأت علينا من ثقافةِ احتِلالَين. المُقَايضة الباهِتَة مفروضَةٌ بالاستِناد إلى مُعادَلة الانتِفاع المُتَبادَل. هكذا يتكرَّسُ عندنا نَهْجُ المُحاصَصة، والزَّبائنيَّة، واللّاسيادة، باسْمِ السِّلم الأَهليّ والتّوافقيّة. هشاشَةُ السِّلم الأّهليّ أنَّهُ لَيْسَ سِلْمًا، ولا أهليًّا. إرتِكاباتُ منظومة تحالف مافيا الفساد مع السِّلاح غير الشرعيّ، باسمِ هذا اللّاسِلْم، ترتقي إلى مستوى الخيانَة الوطنيَّة. هذه الأخيرة تتفوَّقُ على الانتِهاكِ المستدام للدُّستور.
ثمَّة من يعتقِدُ أنَّ الإمعانَ في توصيف الواقِع المُرّ، يؤشِّرُ إلى عَجْزٍ في بَلوَرَة مسارات تغييرٍ مفاهيميَّة أو عملانيَّة على حدٍّ سواء. في هذا صَوَابُ تقديرٍ، إذ إنَّ الستاتيكو التَّراجُعيّ لا يزالُ سيِّد الموقِف. النَّاسُ مُتْعَبون. يائِسون. قرِفون. ما يطفو على السَّطح من بعضِ مباهِجَ مؤقَّتَة هروبٌ غير موفَّق إلى مُربَّعٍ تجميليّ. لكنَّ الانخِراطَ في الالتِزام بِعَمَلٍ تراكُميّ مَهَمَّة أخلاقيَّة نبيلة. حتَّى في حيِّز غيابِ الأخلاقِ والنُّبل تبقى كذلِك. الرِّهانُ على إنهاء تعقيداتِ الأَمر الواقِع في هُنَيْهات ينُمُّ عن سذاجَة. طَبَقَاتُ التَّحالفُ الشَّيطانيّ أتَت على الأَخضر واليابس. النَّاسُ تورَّطوا. الحَلَقَة مُحْكَمة الإقفال على تبادُلاتٍ مصلحيَّة قاتِلَة. رغم كُلّ ما سَبَق الأُفُق مفتوحٌ على أمَلٍ. على رجاء.
الدّيناميَّاتُ الذَّهبيَّةُ الثَّلاث حاضِرة. الوطنيَّة والاغتِرابيَّة والدّيبلوماسيَّة العامّة. كُلُّها تتكَامَل. في الوطنيَّة لا مناصّ من تكوين أوْسَع تحالُف وطنيّ انتِخابيّ سياديّ إصلاحي بعيدًا عن التَّكتيك الاستِنزافيّ. في الاغتِرابيَّة لا مفرَّ من تفعيل اللّوبيينغ بشراسَةٍ حتَّى يأتي الاقتِراع الانتِخابيّ حاسِمًا. في الديبلوماسيَّة العامّة لا بُدَّ من التَّموضُع في مَسَاحَةِ البديل عن سُلْطَةٍ عَفِنة تحتلُّ كُلّ المساحات. إعادَة الانتِظام إلى النِّظام البرلماني الدّيموقراطيّ هو مَدْخَلُ وَضْعِ الدّستور لمرَّةٍ واحِدَة فوق اللَّادَوْلَة.


