بقلم: علي عجمي
كنّا أطفال نعيش على ما لا يُرى،
على الفتات المتساقطة من موائد الأمل،
على ذكريات دافئة، تسكن على أطراف ذاكرتنا الممزقة.
كنّا نحيا، ونحيي ألعابنا بأيدينا،
نصنع من اللاشيء عوالم كثيرة.
عود حطب مكسور،
قطعة قماش قديمة،
حجر دافئ تحت شمس شتوية خجولة.
نسرق لحظات خاطفة من قلب العدم.
ضحكة عابرة، أو عناق خجول من حضن أم متعبة،
شربة ماء تنتقل من يد إلى يد،
نظرة صامتة، تفهم كل شيء دون حاجة أهالينا للكلمات.
كنا نضع البسمة فوق صخور القسوة،
والضحكة على ما تلقيناه من ألم زرعه على أجسادنا بعض من غضب أوليائنا
نغنّي أغاني بسيطة، ترتجف فوق شفاهنا اليابسة،
لكنها كانت تمنح لليلنا معنى،
ولصباحنا شوق الانتظار الهادئ.
الحياة لم تكن سباق مظاهر ولا صراع امتلاك،
كنا نعيش حبّ طفولتنا لا لشيء، فقط لأنّا أطفال،
رغم كل خيانات الطفولة،
كنا نعرف أن الخراب لم يكن في القتل وحده،
بل في استسلام النفوس،
في لحظة الطمع التي تبتلع البراءة،
في انطفاء الرضا الداخلي.
كنا نقاتل في حرب خفية،
حرب الحفاظ على ذواتنا،
على القدرة على أن نحلم دون خجل،
أن نبكي دون خوف،
أن نحب دون شروط.
تعلمنا من الألم ألّا نصبح نسخةً عنه.
تعلمنا من الجرح كيف نوقف نزيفه كي لا نورثه لأطفالنا.
وفي الليالي الباردة، حين نجلس حول نيراننا الصغيرة،
كنا نحدق في اللهب،
لا خوفًا منه،
بل إيمانًا بأن النور، يملك القدرة على اختراق العتمة.
كبرنا…
وكبرت معنا الأحلام المكسورة.
وتراجعت الضحكات،
حين نسينا بأن السعادة لا تولد من الامتلاك،
بل من الرضا، والقناعة التي كانت تخلق معجزتها في أرواحنا الطفولية.
واليوم… يقف الجيل الجديد أمام شاشة صغيرة،
تُعرض عليه عوالم لا نهائية دفعة واحدة،
أبعد مما كانت تقدر عليه خيالاتنا الأكثر جنونًا.
ويبقى السؤال:
كيف لهذا الجيل أن يرضى؟
كيف له أن يقنع وقد عُرض عليه كل شيء، دون أن يعيش شيئا؟
كيف نزرع فيه بذرة الاكتفاء في أرض صارت لا تعرف الشبع؟؟