الأربعاء, مايو 21, 2025
14.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

ملف حصرية السلاح في لبنان

بين خطاب التهدئة واستحقاق القرار الوطني

الحرة بيروت ـ بقلم: داود رمال

في لحظة دقيقة من تاريخ لبنان السياسي والأمني، يعود إلى الواجهة ملف حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، محمّلاً بثقل أزمات متراكمة ومخاوف متزايدة على الكيان الوطني ومشروع الدولة.

هذا الملف لم يعد تفصيلاً في المشهد الداخلي، بل أصبح معياراً لمدى قدرة لبنان على استعادة سيادته واستقلال قراره الوطني وسط أعاصير إقليمية ودولية تهدد بتقويض ركائز الكيان نفسه.

من هنا، تكتسب مقاربة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أهمية استثنائية، ليس فقط كرئيس دولة مؤتمن على الدستور، بل كضامن لوحدة اللبنانيين وسلامهم الأهلي في زمن تتكاثر فيه الاصطفافات الداخلية والضغوط الخارجية.

في هذا الإطار، تتبلور ملامح مسار دقيق، تتطلب مقاربته بقدر عالٍ من الوعي الوطني والمسؤولية التاريخية، بعيداً عن منطق التصادم والمزايدات الشعبوية.
فملف السلاح، بما يمثله من حساسيات وترسبات وتجاذبات، لا يمكن أن يُحلّ إلا ضمن رؤية شاملة، تُعيد الاعتبار لمفهوم الدولة الواحدة القادرة، وتجعل من التفاهم الوطني درع حماية لاستقرار لبنان وصيغته الفريدة.

سلاح الدولة والرهان على المؤسسات

في هذا السياق، برزت مواقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون كمحاولة منهجية لإدارة هذا الملف بمسؤولية عالية بعيداً عن الانفعالات الآنية.

ففي ردّه على الأسئلة حول تصريحات حزب الله، خصوصاً مواقف الشيخ نعيم قاسم الأخيرة، شدّد الرئيس عون على أن القضايا الوطنية الكبرى لا تُناقش عبر الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، بل تُقارب بالحوار المسؤول تحت سقف المصلحة العليا للوطن.

هذا التمسك بالحوار المؤسساتي يعكس التزام رئيس الجمهورية بما ورد في خطاب القسم، حين أكد أن القوات المسلحة اللبنانية يجب أن تكون الجهة الوحيدة المخوّلة حمل السلاح والدفاع عن سيادة لبنان.

موقف لم يكن شعاراً بل قناعة نابعة من إدراك عميق بأن ازدواجية السلطة والسلاح أمر لم يعد مقبولاً في وطن أنهكته الحروب والانقسامات.

لكن عون في الوقت نفسه يدرك أن معالجة الملف ليست مسألة قرار آني أو إجراء فوقي، بل تحتاج إلى ظروف سياسية وأمنية مؤاتية، وإلى تفاهم داخلي واسع يحمي البلاد من مغبة الصدام الداخلي والانفجار الأمني.

حوار الضرورة مع حزب الله: بين التصعيد والحكمة

رغم التصعيد الكلامي الذي شهده المشهد السياسي مؤخراً، فإن رئيس الجمهورية أوضح أن الحوار مع حزب الله حول ملف السلاح لا يزال قائماً كضرورة وطنية لا بديل عنها.

فهو يعتبر أن معالجة موضوع بهذه الحساسية لا تتم عبر السجالات، بل عبر تواصل مباشر وهادئ يأخذ في الاعتبار خصوصيات الواقع اللبناني وتركيبته الدقيقة.

الحوار مع حزب الله، بحسب هذه الرؤية، لا يعني التخلي عن مبدأ حصرية السلاح، بل العمل على دمج قدرات المقاومة ضمن استراتيجية دفاعية وطنية شاملة، تحفظ للبنان حقه المشروع في الدفاع عن نفسه ضمن مؤسسات الدولة الشرعية، وعلى رأسها الجيش اللبناني.

وتشير المعطيات إلى أن الرئيس عون يسعى لتوفير غطاء وطني جامع لهذا الحوار، مدركاً أن أي خطوة متسرعة أو غير مدروسة قد تفتح الأبواب أمام فتنة داخلية كارثية.

دور نبيه بري: خبرة في تفكيك العقد

في هذا الإطار، يلعب رئيس مجلس النواب نبيه بري دوراً محورياً لا غنى عنه، باعتباره يمتلك شبكة علاقات متينة مع جميع الأطراف، وخصوصاً مع حزب الله.

فخبرته الطويلة في إدارة الأزمات الداخلية، وحنكته في إيجاد المخارج التوافقية، يجعلان منه أحد العناصر الأساسية في أي مسار عملي يرمي إلى تنظيم السلاح وضبطه ضمن إطار الشرعية.

بري، الذي يؤمن بثقافة الحوار كمنهج ثابت، يدرك خطورة المرحلة وحساسية ملف السلاح، خصوصاً في ظل التحولات الإقليمية والدولية الجارية. لذلك، فإن مساهمته ضرورية في بناء مساحة مشتركة للنقاش، تؤمن التدرج في معالجة الموضوع دون كسر أو تحدٍ لأي مكوّن داخلي.

شروط نجاح تثبيت حصرية السلاح

إن تثبيت حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية يحتاج إلى توافر ثلاثة عناصر مترابطة:

  • أولاً، مقاربة رئاسية هادئة ومسؤولة، تضع مصلحة لبنان فوق الاعتبارات السياسية والفئوية، وتمنع الانزلاق نحو التصعيد.
  • ثانياً، إطلاق حوار وطني جامع، لا يقتصر على حزب الله بل يشمل جميع القوى الفاعلة، من أجل وضع استراتيجية دفاعية متكاملة تحدد دور كل طرف في حماية السيادة ضمن مؤسسات الدولة.
  • ثالثاً، توفر ظروف إقليمية ودولية مواتية، تمنع استغلال الملف داخلياً أو خارجياً، وتوفر مظلة دعم لمسار تثبيت السلاح بيد الدولة.

هذه الثلاثية تشكل الإطار الواقعي لأي معالجة ناجحة، بعيداً عن الأحلام المثالية أو الحلول القسرية التي أثبتت تجارب الماضي فشلها في لبنان.

ولا يمكن تجاهل أن عامل الوقت يلعب دوراً أساسياً، فالإصرار على المعالجة دون انتظار النضج السياسي الداخلي، ودون التحصين الإقليمي المناسب، قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع بدل إصلاحها.

 تثبيت السلاح بيد الدولة لحماية الكيان اللبناني

في نهاية المطاف، ليس ملف السلاح مجرد تفصيل تقني أو مادة للسجال السياسي، بل هو في جوهره قضية وجودية ترتبط بفكرة الدولة نفسها.
فالدولة لا يمكن أن تقوم إذا بقي السلاح مشرّعاً خارج مؤسساتها، ولا يمكن أن تحمي شعبها إذا لم تكن الجهة الحصرية المنظمة لاستخدام القوة.

الرهان على الحوار، على الرغم من صعوبته، هو الطريق الوحيد الذي يحمي لبنان من التفكك والانهيار. وفي هذا المسار، تقع المسؤولية الكبرى على القيادات الوطنية، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي عليه أن يستمر في مقاربة هذا الملف بوعي وطني عالٍ، بعيداً عن ضغط المزايدات والانفعالات.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما أن ينجح في إعادة تكريس الدولة كمرجعية وحيدة للسلاح والقرار، وإما أن يبقى رهينة صراعات السلاح والولاءات المتعددة، بما يعنيه ذلك من تهديد دائم للسلم الأهلي والوحدة الوطنية.

وحده مسار التفاهم الوطني العميق، المدعوم بإرادة سياسية صلبة، قادر على إخراج لبنان من أزمته الوجودية، وتحقيق حلم كل لبناني بدولة قوية وعادلة تحفظ كرامته وأمنه ومستقبله.

رابط المقال: https://hura7.com/?p=50513

رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468

الأكثر قراءة