الأربعاء, مايو 21, 2025
14.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

“دلالات أسماء الحروب وتأثيراتها النفسية على الأفراد”

إصدار جديد يضيء على رمزية التسميات وأثرها النفسي

جريدة الحرة

في دراسة أكاديمية جريئة وغير تقليدية، تقدّم الدكتور جنات شامل الخوري والدكتور وصال عبدالله حلبي مقاربة جديدة لساحة النزاعات المعاصرة، ليس عبر تحليل الأسلحة أو السياسات، بل من خلال تفكيك الرموز التي تُطلق على الحروب وأثرها العميق في الوعي الجمعي. الإصدار الجديد الذي يحمل عنوان “دلالات أسماء الحروب وتأثيراتها النفسية على الأفراد”، ينطلق من فرضية جوهرية مفادها أن الحرب لا تُخاض بالسلاح فقط، بل بالكلمة أيضاً.

فمن “عناقيد الغضب” إلى “طوفان الأقصى”، مروراً بـ”عاصفة الحزم” و”الإسناد”، لم تكن تلك التسميات يوماً مجرد عناوين عشوائية، بل أدوات تعبوية مشحونة بالرمز والدلالة، صُممت بعناية لإثارة الخيال الجمعي، وحشد العواطف، وتوجيه الإدراك العام. الكلمة هنا ليست وصفاً للحرب، بل شريكة فاعلة فيها.

تفكيك رمزي – نفسي مزدوج
تتميز هذه الدراسة بتكامل أدواتها المعرفية، إذ تجمع بين التحليل الثقافي-المعرفي من جهة، والتفكيك النفسي-الاجتماعي من جهة أخرى، ما يعكس تلاقي اختصاصات الكاتبتين الأكاديمية. وفي مقدمتها، تشير المؤلفتان إلى أن الأسماء التي نطلقها على الحروب “ليست بريئة، بل موجّهة”، وهي قادرة على تعبئة الشعوب أو ترهيبها، وصناعة سردية لا تُمحى من الوعي الجمعي.

من الرمزية إلى الاستنهاض
في القسم المعرفي من الدراسة، يفتح التحليل الباب على مفارقات لافتة في الخطاب الحربي، مثل التباين بين اللغة الرسمية للدولة وأجنداتها الفعلية، وتموضع التسمية كجزء لا يتجزأ من الحرب النفسية والإعلامية. وتتبع الدراسة تطور أسماء الحروب تاريخياً، وتفكك رمزيتها بوصفها أدوات شحن عاطفي وجماهيري، حيث تحاكي مفاهيم دوركايم حول الرموز الجمعية.

وتُقدَّم تسمية “عاصفة الحزم” كدراسة حالة بارزة، تكشف عن نزعة أيديولوجية واضحة في التسمية، إذ توظف عنصر “الحزم” للإيحاء بالحسم والسيطرة، في سياق تعبوي يخاطب العقل الجمعي العربي. كما تستعرض الدراسة البعد اللاهوتي في التسميات، لا سيما في مناطق النزاع ذات الطابع الديني، حيث يُستثمر الموروث العقائدي لتحفيز المقاومة أو تبرير العنف.

الأثر النفسي… ما بعد الجراح
أما في القسم النفسي-الاجتماعي، فتتناول الدراسة الحروب باعتبارها صدمات ممتدة تتجاوز لحظة النزاع. لا تقف عند الخراب المادي بل تغور في تداعياتها على الهوية الفردية والروابط الاجتماعية، وعلى الذاكرة النفسية للجماعات.
وتناقش الدراسة مظاهر اضطراب ما بعد الصدمة، وتفاوت استجاباته بين الفئات، إلى جانب الآليات الدفاعية التي يعتمدها الأفراد في محاولة لاستيعاب أهوال الحرب. كما تسلّط الضوء على أهمية الذكاء الانفعالي والدعم المجتمعي في مسارات التعافي والشفاء.

ميدانياً: عندما تتكلم الذاكرة
ولم تكتف الدراسة بالإطار النظري، بل اختُتمت بجزء ميداني نوعي، اشتمل على مقابلات مع 84 شخصاً ممن عايشوا حروباً مختلفة في لبنان، إلى جانب تحليلات معمّقة لحالات فردية تضررت نفسياً واجتماعياً بدرجات متفاوتة. وقد طوّرت الباحثتان على أساس هذه المقابلات خطة تدخّل إرشادية قائمة على أسس علمية، تراعي خصوصيات الصدمة الجماعية والفردية في المجتمعات المتأثرة بالنزاعات.

الكلمة كقوة اشتباك
ما يميز هذا الإصدار أنه لا يعيد فقط الاعتبار للّغة، بل يكشف عن وظيفتها كأداة اشتباك، تعبوية ونفسية، في قلب معادلة الحرب. فالتسمية، كما توضح الكاتبتان، لا تنتمي إلى الحياد، بل تمثل “انحيازاً رمزياً”، يساهم في تشكيل ذاكرة الحرب بقدر ما تشكّلها البنادق.

بين لغة الحرب وجراح الذاكرة، يربط الكتاب ما بين السرد والصدمة، بين الكلمة والجراح، ويؤكد أن فهم الحروب لا يكتمل إلا بفهم أسمائها، كجزء من سردية صراع أعمق تُكتب في اللاوعي بقدر ما تُكتب في كتب التاريخ.

https://hura7.com/?p=52010

الأكثر قراءة