الأربعاء, مايو 14, 2025
12.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

دور روسيا وإسرائيل في المفاوضات الإيرانية

جريدة الحرة

بقلم: د. خالد العزّي

لم يعد خافياً على أحد أن المفاوضات الأميركية – الإيرانية، التي ينتظر نتائجها الجميع علناً، إنما تشكّل روسيا وإسرائيل في خلفيتها لاعبين أساسيين. ولم يعد يستطيع أحد إخفاء الدور الراهن لكل طرف منهما في إنتاج المعادلة الحالية.

الاستثمار الروسي في المفاوضات

تحاول روسيا لعب دور مهم في عملية التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران لجهة إقناع الأخيرة بتلبية الشروط الأميركية والذهاب نحو التفاوض على الحلول السلمية التي من خلالها تستطيع الحفاظ على نظام الملالي حياً بظل الشروط الأميركية، وتحصين داخلها المتشرذم وإنعاش اقتصادها الذي يعاني من أزمات عديدة بسبب الحصار الأميركي المطبق عليها. وبالتالي، تدعم روسيا إيران في الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفتح مشروعها النووي، لأن روسيا تربطها علاقة جيدة بالنظام الحالي، وهي كانت من بين الدول الداعمة لإيران في مشروعها النووي والتي ساعدتها على إكماله وبناء قدراتها العسكرية واللوجستية. كما كانت إحدى الدول الخمس التي أنتجت الاتفاق النووي في صيغته القديمة بين الرئيسين خاتمي وأوباما في العام 2015 إبان فترة العزّ الإيراني في المنطقة العربية حتى انسحاب إدارة ترامب الأولى من الاتفاق عام 2018.

الخيارات التي لا تحبّذها موسكو

روسيا دولة تملك حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن، وهي لن تمرّر أي مشروع دولي يُستخدم بوجه إيران عبر الأمم المتحدة حالياً. لذلك، فهي لا تحبذ شرطين في التعامل الدولي مع إيران.

  • الشرط الأول: المواجهة الأميركية – الإيرانية، لأنّها لا تستطيع مساعدة إيران، والوقوف إلى جانبها علناً، ومدّها بالسلاح والعتاد اللوجستي، كما في الفترات الماضية التي كانت روسيا تمدّ فيها إيران وتحميها في المحافل الدولية والإقليمية، ولأن روسيا تعيش في ورطة أوكرانيا.
  • الشرط الثاني: لا تريد روسيا دخول إسرائيل على خطّ المواجهة التي تحرجها وتمنعها من الوقوف بوجهها، نتيجة العلاقة التي تربطها مع تل أبيب وخوفاً من ردة فعل إسرائيلية بالذهاب باتجاه التصعيد مع روسيا دعماً لأوكرانيا.

العباءة الروسية هامش إيران للدبلوماسية

إن التواصل الذي أجراه وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، مع روسيا قبل التفاوض وبعده، يأتي في إطار الدعم الدبلوماسي لطهران وإعطاء نصائح روسية للأخيرة بالتريث والمساعدة على طاولة المفاوضات. فروسيا تعلم جيداً أنّها بحاجة لمساعدة الولايات المتحدة في الضغط على أوكرانيا وعلى الأوروبيين لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، التي باتت تشكّل أزمة لروسيا بكل ما للكلمة من معنى. وهي تسعى إلى الخروج منها بالحصول على أثمان جيدة.

كما تريد روسيا الهدوء في التفاوض بهذا الملف، محاولةً امتصاص العاصفة الأميركية التي يحدثها ترامب على المستوى الدولي بتعامله مع الكثير من الملفات، وفي مقدمتها الملف الإيراني المتعلق بالمفاعل النووي. وكأن روسيا تحاول الإيحاء لإيران بالعودة إلى مستوى التخصيب قبل خروج أميركا من التفاوض، وخاصة بعد إقرار ترامب بأحقية طهران بامتلاك مشروعها النووي للطاقة السلمية. وبذلك، تسعى روسيا لأن تكون الضامن لعملية التخصيب التي كانت مقترحها سابقاً، قبل الاتفاق في دولة ثالثة تشرف على التخصيب، حيث تقدّم نفسها باعتبارها الدولة الثالثة التي يمكن أن يتم الإشراف على التخصيب فيها. وبحال خروج الإدارة الأميركية من الاتفاق لاحقاً، بإمكان روسيا إعادة اليورانيوم المخصب لإيران كونها الضامن لحماية ملف الأخيرة النووي.

ومن جهة أخرى، تسعى روسيا إلى استثمار علاقتها الوثيقة مع إيران، مستندة إلى شراكتهما الاستراتيجية والمتقاربة، لتعزيز دورها في أي ترتيبات تتعلق بالملف النووي. وتأتي هذه التوجّهات الروسية نحو طهران في ظل الضغوط الغربية والأميركية على إيران، ما يجعل أي وساطة دولية من قِبلها تحظى باهتمام متزايد من طهران. ذلك رغم التصريحات التي يدلى بها من قِبل مسؤولين في موسكو كخيار لحل الخلاف القائم بين طهران وواشنطن بالدبلوماسية وكطريق فعل لحل الخلاف.

كذلك، يرى متابعون ومحللون أن التحركات الروسية في هذا المجال ليست مجرّد وساطة بقدر ما هي تعكس إعادة تموضع جيو – سياسي جديد لروسيا في المنطقة، خاصة لأن موسكو تخوض حرباً طويلة مع الغرب في المستنقع الأوكراني وتسعى لاستخدام نفوذها في هذا الخلاف كورقة تفاوضية في تعاملها مع واشنطن والغرب. أما على الصعيد الداخلي الإيراني، فقد تباينت ردود الفعل بشأن الدور الروسي المحتمل في هذه الازمة، ففي حين يرى البعض أن أي مبادرة دبلوماسية روسية قد تخفف من الضغوط الدولية المفروضة على طهران، التي تعيش أزمة خانقة وتمر بأضعف أوقاتها وأصعب مراحلها، يتحفظ البعض في إيران على الدور الروسي في الوساطة، كونه مرتبطاً بمصالح روسيا الخاصة، وتحديداً لجهة تبادُل ملفات بينها وبين الولايات المتحدة، ولا يسعى حقيقة لإيجاد حلول منطقية ترعى من خلالها أولويات إيران الحالية.

إسرائيل وإنهاء الملف النووي عسكرياً

أما الموقف الإسرائيلي، في ظل حكومة نتنياهو، فيعتبر أن التفاوض مع إيران هو مضيعة للوقت وينبغي التوجه سريعاً إلى تنفيذ ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية من أجل شلّها وإرباك إيران وجلبها إلى التفاوض مهزومة، كما كان الحال مع معمر القذافي، حيث تروّج إسرائيل لتطبيق السيناريو الليبي.

ترى إسرائيل أن فرصتها اليوم هي الأكبر في تحقيق أهدافها وإضعاف إيران، من خلال تنسيق مباشر مع إدارة ترامب ودفعها نحو المواجهة. ذلك خاصة بعد الضربات التي تلقّتها إيران مؤخراً، كما أذرعها (حماس والجهاد وحزب الله والحشد الشعبي والحوثيون والحرس الثوري) وسقوط نظام بشار الأسد. إضافة إلى توجيه ضربات عسكرية محدّدة في الداخل الإيراني إلى قواعد ومنشآت إيرانية وشخصيات ضالعة بالمشروع تساعد على تحقيق الأهداف العامة.

لكن إدارة ترامب، التي تهدّد بالسيف الإسرائيلي في التفاوض، ترفض الانجرار نحو المواجهة العسكرية التي تريدها إسرائيل، وتذهب نحو المفاوضات التي تأمل من خلالها الحصول على تنازلات إيرانية، حتى لو تم الترويج لها بالانتصارات الإلهية! وقد شهدنا ذلك أثناء الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى واشنطن، والتي كانت بعيدة عن تحقيق أحلامه. إذ لم يُعقد مؤتمر صحفي مشترك بين الشخصيتين، كي لا يقال إن نتنياهو ورّط أميركا بالحرب. فهذا إنما يساعد إيران على استخدام الموقف الإسرائيلي ضدها باعتباره هجمة على دولة إسلامية.

هناك إشارات تدلّ على أن طهران فتحت باب التفاوض مع إدارة ترامب منذ سنتين للوصول إلى تسوية تنقذ برنامجها النووي من تعرّضه لأي ضربة قريباً. لكن رغم أن إسرائيل كانت تنوي شن ضربة سريعة على إيران، إلّا أنها لم تتمكن من إقناع الإدارة بالتوصل لضرب المنشآت وليس الوصول إلى اتفاق نووي مؤقت، كونه يعارض مصلحتها.

الملف النووي الإيراني إلى نهايته السعيدة

لذلك، يمكننا الوقوف أمام رأي السياسي الأميركي المحافظ ومستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، الذي يقول: “لقد حان الوقت لتدمير البرنامج النووي الإيراني، لأن إيران تراوغ، وتحاول شراء الوقت، حيث أن هدفها الفعلي هو الحصول على قنبلة نووية”. إذاً، بالرغم من إطلاق المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، فإن الأخيرة لن تتخلى عن أهدافها وأفكارها حتى لو قدّمت تنازلات أو جمّدت المشروع. فحين تلتقط أنفاسها، سوف تعود لإطلاقه من جديد. وبالرغم من ضعفها الحالي الذي يلاحظه الجميع، بغضّ النظر عن الضجيج الإعلامي والدبلوماسي الذي يحدث جعجعة بدون طحين، فإيران تجلس على طاولة المفاوضات وتلبّي شروط أميركا بالرغم من استخدامها لسلاح المماطلة والتأخير في المفاوضات الذي يشكّل عامل قوة لها تقدّمه لجمهورها لكي تستخدمه لاحقاً بأنه انتصار قد تحققه حالياً.

هنا، يجب الوقوف أمام مقولة عراقجي قبل عشر سنوات بأن “البرنامج النووي ألحق ضرراً هائلاً بإيران، لكن قولوا للشعب إننا انتصرنا”. إذاً، أي اتفاق مع أميركا، بحسب عراقجي الذي فاوض، وهو اليوم على رأس الدبلوماسية الإيرانية، سيكون بمثابة هزيمة فعلية للمشروع النووي وللحلم والطموح الإيرانيين. ومن هنا، يؤكد المفاوض الإيراني أن التفاوض يسير بشكل جيد، لكن يلزمه وقت طويل لتنفيذ الشروط الأميركية.

لكن، لا بد من القول إن انفجار مرفأ رجائي، والإقرار الإيراني بأن مواد صلبة لصناعة الصواريخ البالستية قادمة من الصين أدّت إلى هذا التفجير، الذي تحاول إيران الإضاءة على سببه بأنّه إهمال بشري، هو مكسب داخلي لها. لكن على الجهتين، أكان ضربة صاروخية أو إهمالاً بشرياً، ثمة برهان على أن إيران غير جديرة وغير قادرة على حماية سلاح نووي من الأخطاء البشرية أو من الضربات العسكرية.

https://hura7.com/?p=51641

الأكثر قراءة