الأربعاء, أبريل 23, 2025
18 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

د. باسكال ضاهر لـ”جريدة الحرة”: قانون إلغاء السرية المصرفية مشوب بتناقضات خطيرة تفخّخ تطبيقه وتفتح الباب لاجتهادات متضاربة

الحرة بيروت ـ خاص

في وقت يشهد فيه لبنان حراكاً تشريعياً لإصلاح النظام المالي وتعزيز الشفافية عبر تعديل قوانين السرية المصرفية، يُحذّر الخبير القانوني والباحث في التشريعات المصرفية الدكتور باسكال ضاهر، في حديث لـ”جريدة الحرة”، من أن التعديلات المقترحة لا تزال تعاني من ثغرات جوهرية، من شأنها إعاقة التطبيق العملي وإفراغ النصوص من أهدافها. ويكشف ضاهر عن تناقضات واضحة في النصوص القانونية، والتي من شأنها أن تُدخل البلاد في متاهة الاجتهادات القانونية المتضاربة، بما يعرقل عمليات الرقابة المالية المنتظرة.

بحسب ضاهر، ما زال مشروع قانون إلغاء السرية المصرفية مشوباً بعيوب ستحول دون فعالية تطبيقه وتحقيق المرتجى، كما ويوجد عيب كامن بنص المادة الثانية من قانون إنشاء هيئة التحقيق الخاصة. وللتوضيح فقد وقع التعديل على نص الفقرة (ه) و(و) من المادة السابعة من قانون إلغاء السرية المصرفية، وعلى نص المادة ١٥٠ من قانون النقد والتسليف، على الشكل التالي:

حُذف من الفقرة (ه) من المادة ٧ (التي منعت المصارف من التحجج بالسرية في حال قدّم طلب إليها من مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع) الجملة التالية: “وذلك بهدف إعادة هيكلة القطاع المصرفي وممارسة دورها الرقابي عليه. ويمكن للجهات الواردة أعلاه تبادل المعلومات فيما بينها لهذه الغاية”، مما يفيد بإطلاق رقابة المصرف المركزي ولجنة الرقابة والمؤسسة الوطنية على المصارف لمنع أي انحراف بالتفسير.

ويشير ضاهر إلى أن هذا التعديل جيد، إلا أنه، وبعد إطلاق هذه الرقابة، عاد التعقيد بتعديل الفقرة (ه) وفق المشروع المقترح، وأوجد إشكاليات جمّة لا سيما وأنه قد حذف من النص الأساسي العبارة الثانية: “من دون أسمائهم”، إنما أبقى على عمومية طلب رفع السرية المصرفية مما سيكبّل الجهات الرقابية، لا سيما وأن التعديل أبقى على العبارة التالية: “أن تطلب (مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع وضمن إطار إعادة الهيكلة وأعمال الرقابة) معلومات محمية بالسرية المصرفية (دون تحديد حساب معين أو عميل معين، بما في ذلك إصدار طلب عام بإعطاء معلومات عن جميع الحسابات والعملاء)”.

ويعتبر ضاهر أن ما تقدّم هو خلل لأن النص متناقض وكان من الأجدى إلغاء نص الفقرة (و) برمتها، لا سيما وأنها تتضمن تعارضاً مع التعديل الواقع أيضاً على نص المادة ١٥٠ من قانون النقد والتسليف، ذلك لأن هذه الأخيرة فتحت الرقابة على مصراعيها دون الإعتداد بالسرية المصرفية. وتساءل: لماذا تقييد الرقابة بنص الفقرة (و) من المادة السابعة وإطلاقها بنص المادة ١٥٠؟ أليس من الأجدى أن تتحد النصوص فيما بينها، لتشكل وحدة متكاملة غير متناقضة مما سيحول دون وقوع أي إلتباس لاحق يهدد بعرقلة رفع السرية المصرفية؟ ولمن الغلبة؟ هل لقانون إلغاء السرية المصرفية أم لقانون النقد والتسليف؟ وهو ما سيفتح الباب العريض للإجتهادات المتناقضة، وسينعكس سلباً على إمكانية رفع السرية المصرفية.

إضافة إلى ذلك، يحذّر ضاهر من أن التفخيخات الأخرى تقع في الفقرة (و) و (ز) من المادة ٧، لأن الفقرة الأولى قد سمحت للمتضرر بأن يعترض أمام قاضي الأمور المستعجلة، بمقابل أن البند الأخير من الفقرة (ز) اللاحقة قد أكدت على:

  • أن هذا الاعتراض الذي سيقدم أمام قاضي الأمور المستعجلة، “سيوقف التنفيذ بحكم النص” مما سيحول دون فعالية أي رقابة. ومع الإشارة هنا إلى أنه ليس من القانوني إيلاء قاضي الأمور المستعجلة، صلاحية النظر بهذا الموضوع لأنه تنظيمي ومحصور بحكم النظام القانوني بقاضي شورى الدولة.
  • أن البند الأول من الفقرة (ز) قد ربط تحديد المعايير والضوابط التطبيقية المتصلة بالفقرتين (ه) و(و) بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية.

وبالتالي كان من الأجدى إلغاء هذه الفقرة، لأنها تحمل تفخيخين: الأول يوجب بوقف التنفيذ، والثاني سيحول دون القيام بالمهام المطلوبة بحال لم تصدر هذه المراسيم، وهذا أمر يجب أن لا يغيب عن بال المشرع.

أما الإشكالية الأخرى والمتابعة فيتوقف عندها ضاهر في ما يتعلق بموضوع الأثر الرجعي العشري المحدد بنص التعديل المقترح على المادة ١٥٠ من قانون النقد والتسليف، لا سيما وأنه أشار إلى أن الأثر الرجعي هو لمدة عشر سنوات وينسحب من تاريخ صدور هذا القانون. والسؤال هو أي قانون منهم؟ هل الصادر عام ٢٠٢٢ أو الذي سيصدر في التعديل المقترح؟

ويوضح: لأنه وبحال جرى إعتماد التفسير الذي يقول من العام ٢٠٢٢، فهذا يعني أن الأثر الرجعي سيعود إلى العام ٢٠١٢، أما في حال أعتمد القانون المقترح في المشروع والذي سيصدر عن المجلس النيابي، فإنه سيعتمد تاريخ صدوره. أي في حال صدر في العام ٢٠٢٥ مثلا، ينسحب الأثر الرجعي إلى العام ٢٠١٥! وبالتالي يجب الاحتياط والتحديد بشكل واضح وجذري وعدم فتح مجالات للاجتهاد، ومن الأجدى ربط الأثر الرجعي بنص الفقرة (ب) من المادة الأولى من هذا القانون والتي منعت مرور الزمن منذ تاريخ ٢٣ أيلول ١٩٨٨.

أما في حال أُبقي على هذا الخلل، فستكون التعديلات المقترحة قد أوجدت نوعين من مرور الزمن:

  • الأول بقانون الغاء السرية المصرفية وإعادته إلى تاريخ ٢٣ -٩- ،١٩٨٨ إنما حصره وفق الفقرة (ب) من المادة الأولى منه، بالموظف العمومي ورؤساء الجمعيات والهيئات الإدارية التي تتعاطى نشاطاً سياسياً، وبرؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف ومدرائها التنفيذيين ومدققي الحسابات الحاليين والسابقين، ورؤساء وأعضاء مجالس إدارة الشركات التي تدير أو تملك الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية.
  • والثاني هو العشري الوارد والمتصل بالمادة ١٥٠ من قانون النقد والتسليف، ومرتبط بأعمال الرقابة التي ستجري من المصرف المركزي، ولجنة الرقابة على المصارف ومؤسسة ضمان الودائع والمحدد انطلاقه بشكل مموّه في متن المادة ١٥٠ من قانون النقد والتسليف.

ويختم ضاهر بأن هذه الإشكاليات ستحول دون الفعالية المرتقبة لهذا القانون وستفخخ التطبيق، مع الاشارة أخيراً إلى أن التعديل المطلوب إتمامه يجب أن يقع ايضاً، على نص المادة الثانية من قانون هيئة التحقيق الخاص لمنع أي تضارب بالمصالح وفق توصيات الـFATF، وذلك يكون من خلال فصل رئاستها عن شخص الحاكم وجعل عدد الأعضاء مفرداً وليس مزدوجاً، وتشكيلهم من أشخاص مستقلين وحياديين وغير مرتطبين إلا بمهامهم بالهيئة أسوة بفرنسا مثلاً. وحينها سينتظم العمل المؤسساتي بشكل واضح وموثوق.

ثغرات بنيوية لا تزال تعترض مشروع قانون إلغاء السرية المصرفية في لبنان. وبينما تتجه الأنظار إلى مجلس النواب لإقرار التعديلات النهائية، تبقى المخاوف القانونية قائمة ما لم يُصار إلى معالجة التناقضات والازدواجيات التي قد تفرغ النصوص من مضمونها، وتحوّلها إلى مجرد إصلاح شكلي لا يُسمن ولا يُغني من شفافية.

 

 

https://hura7.com/?p=48649

الأكثر قراءة