الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور بشير عصمت، متخصص في التاريخ الاجتماعي
مخطئ من يظن أن راغب علامة هو الوحيد الذي كان مستاء من سلوك و سياسة السيّد الشهيد، فلا حاجة لكل هذا الهيجان ولا لتكسير وإحراق مدرسته. هل يعرف المهتاجون اليوم أن مئات الألوف من التأشيرات طلبها شباب لبنان هروبًا من الانقياد الرسمي اللبناني لسياسات إيران ولدهاليز مخفية في المال والأمن وحرية التعبير والتنقل؟
بالتأكيد كان ذلك معروفًا لدى أصحاب القرار في الحزب وفي حكومة تابعة له، ولم يتمّ تحريك ساكن لتفادي ذلك. أن يفرغ البلد من شبابه وعقوله مسألة لا أهمية لها طالما أن مصلحة إيران مؤمّنة.
لقد سيطر الحزب على الرأي العام الشيعي وامتلك حق النقض دستوريًا عبر احتكار المقاعد الشيعية، رغم أنه لم يكن بحاجة ضرورية لذلك، بمقدار ما كان احتياطًا لتعطيل أي تجمّع معارض ولقمع أي تمرّد. ولأنه قوي وأكثر مدّعي قوة، لا يعترف لا بدولة ولا بشركاء له فيها، قرّر منفردًا محاربة إسرائيل غير آبه لأي رأي آخر أو شريك من داخل الحدود. وكانت النتيجة كما رأينا حيث تمّ الإتيان بإسرائيل إلى الداخل اللبناني كمؤثر كبير مباشر في سياسة لبنان المفتقد منذ سيطر حزب الله عليه.
يبدو أن حزب الله وقياداته اللبنانية والإيرانية لم تستوعب بعد ما حصل. أو هو استوعب لكنه غير قادر على إحداث التغيرات المطلوبة في نهجه الانتحاري. طبعًا هذا المصير لم يكن يتمناه أي مواطن لبناني لا للحزب ولا لنفسه، خاصة مع حجم الخسائر الهائل بالبشر والحجر وبالهزيمة التي تسبّب بها للبنان ولفلسطين والتي لحقت بالجميع.
رغم كل ذلك وسقوط ألوف الشباب في ملاحم بطولية لكنها لم تغيّر في الهزيمة أمرًا ولا في التنازلات اللبنانية السيادية المجهولة التي لم نعرف حجمها بعد.
ما إن تماثل وفيق صفا للشفاء حتى استعاد دوره الأوامراتي على المؤسسات. “ما تعمل وما لا تعمل”. وكأن شيئًا لم يحصل. لم يدرك هو وسواه أن الصمت الطوعي لوسائل التواصل عن مسؤولية حزب الله في الحرب الأخيرة كان إتاحة فرصة لعودته إلى لبنانه، كون الموقف الشعبي كان مهيئًا، وربما لا يزال، لأن يذهب بعيدًا ويطلب محاكمة المتسببين بكل هذه المأساة تهجيرًا وإذلالًا وإفقارًا وخوفًا من زوال البلاد. ولكن الحزب يصرّ أن يستمر في سلوكه المتعجرف المكابر الذي يدين صاحب كل رأي مخالف.
لا بدّ من إيضاح بسيط في هذا السياق هو أن حزب الله لا يملك أية مشروعية لتخوين كل من لا يجاري مغامراته. فليس ثمة لبناني لا يؤيد الحق الفلسطيني، ولكن بعد تدمير القضية الفلسطينية على يد اثنين مع حزب الله هما السنوار وإسرائيل، بات الأمر أكثر عسرًا. ومع الواقع الجديد الذي ساهم الحزب في خلقه لا بدّ من تموضع جديد للقوى التي تؤازر الحقوق وتريد وطنًا. تموضع لا يشبه التموضع السابق لأن قضية الشعب الفلسطيني تراجعت عشرات السنوات بسبب (نضال) حزب الله والسنوار لأجلها.
كلا لم يكن راغب علامة المستاء الوحيد. ليوقف الحزب إرهابه على اللبنانيين والإمعان في وأد البلاد كأن لا يستشر الضحايا من المواطنين قبل التسبب بقتلهم ودمار أرزاقهم.
كلا لم نملّ من مناصرة الشعب الفلسطيني ولكن لم يترك لنا مدعو تحرير فلسطين بقية ذخيرة نحارب فيها في ظل احتكار إيران للقرار.
ألا تذكرون أن الميل الأقوى المكتوم لدى من بقي في لبنان قبل العدوان كان للهجرة أو التقسيم وكان الحزب يصرف فائض قوته في قمع الآخر الذي لا يجاريه؟ هذا الآخر الحريص على الوطن و على العيش الواحد برهن عن ذلك مرات ومرات…
للتواصل مع كاتب المقال: osmatbachir@outlook.com