السبت, يناير 18, 2025
-0 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. بشير عصمت ـ الثابت والمتحوّل في تحليل مضمون خطاب حزب الله (1 من 3)

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور بشير عصمت، متخصص في التاريخ الاجتماعي

في إطار عرضنا لسلسلة مقالات تتناول تحليل مضمون خطاب حزب الله، نعيد نشر الجزء الأول لإعادة إحياء الحوار والمفاهيم الأساسية قبل تقديم الأجزاء الجديدة.

 

  • “كلما حاولنا التستّر، كلما أصبح الظل أوضح” – دوستويفسكي
  • “الكلمات غير القيلولة تكشف ما نُخفيه دون أن ندري” – اورويل

هذا النوع من المقالات الأكاديمية السياسية  ليس معروفاً في الصحافة اليومية، ولا أدّعي الضغط  لتغيير لون ولغة الصحافة التي لا يضيرها – طالما هي سياسية – أن تكون أكاديمية سياسية أيضاً. وما يمكن أن يكون مرئياً في الظاهر مع شكوك يكون مثبتاً في العلوم. النص التالي ليس كامل البحث، بل هو ما يقارب نصفه. وما هو منشور قمت بتشحيله بشدّة ليكون قابلاً للنشر، وقد أنشر النصف الثاني الأقل أهمية بعد تشذيبه بناء على هذه التجربة.

في الظرف اللبناني الإقليمي المعروف قمت بدراسة ثلاثة نصوص كاملة لآخر ثلاثة خطابات للسيد حسن نصرالله، وآخر أربعة خطابات للشيخ نعيم قاسم، وفق منهجية أو منهجيات تحليل المضمون المعروفة الكمية والنوعية والمختلطة، والفجوات والتأويل والمقارن… وتقنيات حقول الدلالة والتكرار وتقنيات الألسنية وأساليب التعبير واستخدام المفردات. أي سبعة نصوص في مرحلة تبدّل تاريخية. هذا العلم معروف منذ حوالى 150 سنة، وأولى الدراسات الرائدة المؤسسة فيه كانت دراسة تحليل مضمون خطب الثورة الفرنسية سنة 1870.

تُعدّ دراسة تحليل مضمون الخطابات السياسية أداة أساسية لفهم التغيرات في الخطاب السياسي والاستراتيجي لأي تنظيم، وهي مفتاح لفهم المواقف المتبناة وتحوّلاتها بمرور الزمن. في هذا السياق، يتناول هذا البحث تحليل مضمون خطابات قائدَين متعاقبَين لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله والشيخ نعيم قاسم، بين مرحلة “حرب الإسناد” و”اتفاق وقف إطلاق النار”.

تسلّط الدراسة الضوء على ديناميكيات التحوّل في خطاب الحزب، من خطابات نصر الله ذات الطابع الكاريزمي والاستراتيجي، إلى خطابات قاسم التي اتّسمت بنبرة تقنية ومحاولة معالجة تداعيات الهزيمة. وتعتمد الدراسة على منهجية تحليل مضمون دقيقة لتفكيك النصوص وفق معايير القصد، المعنى الظاهر والمخفي، والدلالات الإقليمية والمحلية.

في ظل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، برزت أبعاد جديدة للصراع بعد عملية مفاجئة في غزة بقيادة حركة حماس والجهاد الإسلامي، والتي تبعها تطور ميداني شمل لبنان. خلال هذه الفترة، تعرّض حزب الله لهجوم واسع النطاق، أفضى إلى اغتيال أمينه العام حسن نصر الله وقيادات بارزة، ما أدّى إلى هزة عميقة في صفوف الحزب والطائفة الشيعية في لبنان. جاء نعيم قاسم خلَفاً لنصر الله في ظروف استثنائية تميزت بالضعف السياسي والعسكري للحزب، وانعكست في نبرة خطاباته التي حاولت التكيّف مع الحقائق الجديدة.

تهدف الدراسة إلى تحليل هذه الخطابات لاكتشاف الفوارق في الأسلوب، الرسائل، والبعد الاستراتيجي بين القائدَين، وكيف عكست الخطابات التحولات التي طرأت على موقع الحزب شعبياً وسياسياً. كما تسعى إلى إيضاح كيف يعبّر الخطاب عن رؤية الحزب وأهدافه بصرف النظر عن شخصية المتحدث، حيث غالباً ما تُصاغ الخطوط العامة للخطابات داخل منظومة الحزب التنظيمية.

من خلال هذه الدراسة، يمكن استيعاب الأثر المتبادل بين الخطاب وموقع حزب الله في سياق متغيرات إقليمية ومحلية كبرى، بما يعكس صورة أوسع عن تطور دوره في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني وفي لبنان كدولة متأثرة بالصراعات الإقليمية.

تحليل المضمون: دراسة تقنية شاملة للخطاب

  • تحليل المضمون: هو أداة بحثية منهجية تُستخدم لفهم النصوص أو البيانات بشكل عميق ومنظّم. يُتيح هذا النهج الكشف عن الرسائل الظاهرة والخفية، وربطها بالسياقات السياسية والاجتماعية. في هذه الدراسة، نتناول تحليل خطابات السيد حسن نصر الله والشيخ نعيم قاسم، مع ربطها بالظروف التي قيلت فيها لفهم تطور خطاب الحزب بشكل علمي.
  • أهمية تحليل المضمون في الدراسة السياسية: تحليل المضمون هو أداة فعالة لفهم الديناميكيات السياسية والاجتماعية التي تنعكس في الخطابات. يساعد في الكشف عن أهداف القائل ونواياه، سواء كانت معلنة أو ضمنية. كما يُبرز هذا النهج قدرة الخطاب على التأثير في الجمهور المحلي والإقليمي، وفهم التغيرات التي تطرأ على التنظيمات السياسية بناءً على التحولات الجيوسياسية. 

تحليل الكلمات المفتاحية في خطابات نعيم قاسم: تطور الدلالات واتجاهات الخطاب

يُعدّ تحليل الكلمات المفتاحية أداة فعالة لفهم ديناميكيات الخطاب السياسي وتطور رسائله عبر الزمن. من خلال دراسة خطابات نعيم قاسم، يظهر تحوّل تدريجي يعكس إعادة ترتيب الأولويات ومحاولة الحزب التكيف مع الظروف المحلية والإقليمية المتغيرة. يتجلى هذا التحول في اختيار الكلمات المستخدمة وتكرارها وسياقاتها، مما يبرز دلالات ومعاني تتماشى مع المرحلة الجديدة التي يمر بها الحزب.

في صلب هذه الخطابات، برزت مفردات مثل: “المقاومة”، “النزوح”، “سوريا”، “محور المقاومة”، “البناء”، و”الانتصار”. تمثل هذه الكلمات المحاور الرئيسية التي يمكن من خلالها استقراء الخطاب وتحديد ملامحه. من خلال رصد تكرار هذه الكلمات وتحليل سياقاتها، يمكن استنتاج اتجاهات الخطاب ودلالاته.

  • “المقاومة”، كانت ولا تزال الكلمة الأكثر تكراراً في خطابات نعيم قاسم. في المراحل الأولى، ارتبطت المقاومة بالمواجهة العسكرية والصمود أمام العدوان، مما يعكس طبيعة الحزب كمحور قتالي. مع استمرار الخطابات، اتسعت دلالات المقاومة لتشمل البعد الإنساني والاجتماعي، حيث أصبحت تعبّر عن الدفاع عن النازحين والمساهمة في إعادة الإعمار. هذا التحول يعكس محاولة الحزب تعزيز شرعية المقاومة داخلياً وإعادة صياغة مفهومها بما يتجاوز العمل العسكري.
  • في المقابل، برزت كلمة “النزوح” كعنصر أساسي في الخطاب، خاصة في سياق معالجة الأزمات الإنسانية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي. استخدمت الكلمة للتأكيد على قدرة الحزب على التعامل مع الأوضاع المأساوية التي واجهتها البيئة الحاضنة، مما يعزز صورته كمدافع عن المتضررين. من خلال التركيز على مساعدة النازحين، يظهر الحزب كقوة إنسانية تهدف إلى تقديم حلول ملموسة لتعزيز الثقة الشعبية.
  • أما “سوريا”، فقد شهدت تراجعاً ملحوظاً في خطابات قاسم مقارنة بخطابات حسن نصر الله. في الخطابات الأولى، كانت سوريا تشكل محوراً مركزياً يعكس التحالفات الإقليمية للحزب، لكنها بدأت تفقد مركزيتها تدريجياً، حيث غابت الإشارات المباشرة إليها في الخطابات الأخيرة. يعكس هذا التراجع تحولاً في أولويات الحزب نحو القضايا اللبنانية، وربما محاولة لتجنب التطرق إلى موضوعات مثيرة للجدل داخلياً، خاصة بعد سقوط النظام السوري كحليف رئيسي للحزب.
  • من جهة أخرى، استمر مصطلح “محور المقاومة” في الظهور، وإن كان بشكل أقل كثافة. حافظ الحزب على التأكيد على دوره كجزء من مشروع إقليمي، لكن الخطاب اتجه نحو التركيز على التحديات المحلية بدلاً من الانتصارات الكبرى. هذا التغير يعكس تخفيفاً للخطاب الإقليمي لصالح تعزيز مكانة الحزب داخل لبنان.
  • “البناء والإعمار” أصبحتا كلمتين رئيسيتين في خطاب قاسم، خاصة في سياق معالجة آثار النزوح والحرب. ركزت هاتان الكلمتان على إبراز دور الحزب كقوة بناء وإعادة إعمار، مما يعزز صورته كمدافع عن الشعب اللبناني ومساهم في تجاوز الأزمات. هذا التحول يشير إلى رغبة الحزب في تقديم نفسه كجزء من الحل وليس فقط طرفاً في الصراع.
  • وأخيراً، يبقى “الانتصار” حاضراً في الخطابات، لكنه غالباً ما يأتي مقروناً بالتضحيات والشهداء. يعكس هذا الخطاب محاولة للحفاظ على الروح المعنوية والتأكيد على شرعية المقاومة، رغم التحديات. مع ذلك، يبدو أن مفهوم النصر قد تحول من كونه مطلقاً وشاملاً إلى نصر نسبي يعتمد على الصمود والحفاظ على التوازن.

من خلال هذا التحليل، يظهر أن خطابات نعيم قاسم تميل إلى التخفيف من الخطاب الإقليمي لصالح التركيز على القضايا الداخلية. يعكس هذا التغير محاولة لإعادة صياغة مفاهيم المقاومة بما يتلاءم مع الظروف الراهنة، مع تصاعد الاهتمام بالأبعاد الإنسانية والاجتماعية للحزب. في الوقت ذاته، يتجلى تحول واضح نحو التهدئة وضبط النبرة الخطابية، مما يعكس وعياً بأهمية الحفاظ على التوازن الداخلي ومواجهة التحديات بطريقة أكثر حذراً وبراغماتية.

 الكلمات المفتاحية كما البعد الديني في خطابات حسن نصرالله نناقشها في الجزء الثاني من الدراسة.

للتواصل مع كاتب المقال: osmatbachir@outlook.com 

https://hura7.com/?p=41063

الأكثر قراءة