الأحد, فبراير 9, 2025
1.2 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. بشير عصمت ـ الثابت والمتحوّل في تحليل مضمون خطاب حزب الله (2 من 3)

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور بشير عصمت، متخصص في التاريخ الاجتماعي

  • “كلما حاولنا التستّر، كلما أصبح الظل أوضح” – دوستويفسكي
  • “الكلمات غير القيلولة تكشف ما نُخفيه دون أن ندري” – اورويل

 

في الظرف اللبناني الإقليمي المعروف قمت بدراسة ثلاثة نصوص كاملة لآخر ثلاثة خطابات للسيد حسن نصرالله، وآخر أربعة خطابات للشيخ نعيم قاسم، وفق منهجية أو منهجيات تحليل المضمون المعروفة الكمية والنوعية والمختلطة، والفجوات والتأويل والمقارن… وتقنيات حقول الدلالة والتكرار وتقنيات الألسنية وأساليب التعبير واستخدام المفردات. أي سبعة نصوص في مرحلة تبدّل تاريخية. هذا العلم معروف منذ حوالى 150 سنة، وأولى الدراسات الرائدة المؤسسة فيه كانت دراسة تحليل مضمون خطب الثورة الفرنسية سنة 1870.

بعد أن تناولنا تحليل الكلمات المفتاحية في خطابات نعيم قاسم في الجزء الأول، ننتقل في هذا الجزء الثاني ما قبل الأخير إلى تحليل خطابات حسن نصرالله وأبعادها الدينية.

تحليل الكلمات المفتاحية في خطابات حسن نصرالله: تطور المعاني ودلالاتها

تشكّل خطابات حسن نصرالله جزءًا محوريًا من الخطاب السياسي لحزب الله، حيث يجمع بين الإقناع السياسي والتأثير الجماهيري، مما يجعلها أداة فعالة للتعبير عن أولويات الحزب وتوجهاته. الكلمات المفتاحية في خطابات نصرالله ليست مجرد مفردات متكررة، بل تعكس تطور المعاني والدلالات التي يروّج لها الحزب في ظل المتغيرات الإقليمية والمحلية.

  • المقاومة: تُعد “المقاومة” حجر الزاوية في خطابات نصرالله، حيث تتكرر باستمرار لتعزيز صورة حزب الله كقوة دفاعية وطنية وإقليمية. في المراحل الأولى، كان الحديث عن المقاومة يرتبط مباشرة بالعمل العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع التركيز على الانتصارات العسكرية التي أحرزها الحزب. لاحقًا، ومع تطور الظروف، توسعت دلالات المقاومة لتشمل الصمود الشعبي ودور الحزب في حماية البيئة المقاومة. بذلك لم تعد المقاومة أداة عسكرية فقط، بل رمزًا للكرامة الوطنية والشعبية.
  • سوريا: كانت سوريا تمثل محورًا أساسيًا في خطابات نصرالله، حيث ارتبط الحديث عنها بالتحالف الاستراتيجي مع النظام السوري كجزء من محور المقاومة. في الخطابات الأولى، برزت سوريا كحليف رئيسي وداعم لوجستي وسياسي للمقاومة. ومع تطور الحرب السورية وتزايد الانتقادات الدولية والإقليمية، باتت الإشارات إلى سوريا أكثر حذرًا. حاول نصرالله تبرير التدخل في سوريا بربطه بأمن لبنان والحفاظ على خطوط الدفاع الأمامية.
  • محور المقاومة: مصطلح مفتاحي في خطابات نصرالله، يعبّر عن الأيديولوجية الجامعة لحزب الله وحلفائه الإقليميين، مثل إيران وسوريا وبعض الفصائل الفلسطينية. يُستخدم المصطلح لتأكيد دور الحزب كجزء من تحالف إقليمي ضد الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية. في هذه الخطابات، يُظهر نصرالله المحور كإطار أيديولوجي واستراتيجي يدعم شرعية الحزب ويُبرز مكانته في المشهد السياسي الإقليمي.
  • النصر: يمثل النصر مفهومًا جوهريًا في خطابات نصرالله، حيث يتكرر بشكل دائم ويُربط بالصبر والجهاد. في المراحل الأولى، كان النصر يُقدّم كإنجاز عسكري مباشر يرمز إلى هزيمة إسرائيل. ومع تزايد التحديات، تغيرت النبرة لتقديم النصر كمفهوم معنوي يعكس الثبات والصمود رغم التضحيات الكبيرة. هذا التحول يُظهر محاولة الحزب الحفاظ على روح المعنوية العالية في وجه الأزمات.
  • النازحون: برزت هذه الكلمة في خطابات نصرالله خلال الأزمات الإنسانية الناتجة عن الحروب، خاصة في الجنوب اللبناني. أشار نصرالله إلى النازحين كجزء من البيئة الحاضنة للمقاومة، مع التأكيد على التزام الحزب بدعمهم. في الخطابات الأخيرة، أصبحت الإشارات إلى النازحين وسيلة لتخفيف الاحتقان الشعبي وتعزيز صورة الحزب كمدافع عن المتضررين.
  • إيران: تحتل إيران مكانة رمزية واستراتيجية في خطابات نصرالله، حيث يُقدمها كالداعم الأول للمقاومة في لبنان والمنطقة. في الخطابات الأولى، كان الحديث عن إيران يرتبط بالدعم المادي والعسكري المباشر. ومع زيادة العقوبات الدولية، تراجعت الإشارات المباشرة إلى إيران لصالح التركيز على المقاومة كحركة لبنانية مستقلة، مما يعكس محاولة لتجنب الانتقادات الداخلية والخارجية.

التحولات في الخطاب العام

في الخطابات الأخيرة، خاصة قبل اغتياله، يظهر تحوّل ملحوظ في خطاب نصرالله. كان هناك تراجع في استخدام المصطلحات ذات الطابع الهجومي لصالح كلمات تعكس التحدي والبقاء، مثل “الصمود” و”الثبات”. كذلك، أعيد تعريف مفهوم النصر ليركز على النصر المعنوي أكثر من النصر المادي. برزت الأبعاد الإنسانية بشكل أكبر، مع زيادة الإشارات إلى النزوح والإعمار، مما يُظهر محاولة الحزب لتقديم نفسه كقوة اجتماعية إلى جانب دوره العسكري. كما لوحظ تقليل الحديث عن التحالفات الإقليمية، مثل سوريا وإيران، لصالح التركيز على القضايا الداخلية اللبنانية.

تحليل الكلمات المفتاحية في خطابات حسن نصرالله يكشف عن تطور جذري في خطابه، من التركيز على الانتصارات العسكرية والتحالفات الإقليمية إلى تسليط الضوء على الأزمات المحلية ومحاولة الدفاع عن شرعية المقاومة. يعكس هذا التحول الضغوط المتزايدة التي واجهها الحزب داخليًا وخارجيًا، ومحاولته تكييف خطابه مع المتغيرات السياسية والإنسانية في المنطقة.

البعد الديني الشيعي التعبوي في خطابات حسن نصرالله ونعيم قاسم

يشكّل البعد الديني الشيعي أحد الركائز الأساسية في خطابات كل من حسن نصرالله ونعيم قاسم، حيث يتم استغلاله لتعزيز شرعية المقاومة وتعبئة الجماهير وربطها بالمشروع الأيديولوجي والسياسي لحزب الله. رغم اشتراك القائدين في توظيف الدين كأداة للتعبئة، تختلف طريقة استخدامه وتوجيهه بينهما، ما يعكس تباينات واضحة في الأولويات والسياقات التي قيلت فيها الخطابات.

البعد الديني في خطابات حسن نصراللله: القداسة كأداة للتعبئة والشرعية

تشكّل خطابات حسن نصرالله جزءًا محوريًا من الخطاب السياسي لحزب الله، حيث يتمتع بقدرة فريدة على المزج بين الإقناع السياسي والتأثير الجماهيري. الكلمات المفتاحية المستخدمة في خطاباته لا تعكس فقط أولويات الحزب، بل تُظهر أيضًا التوجهات السياسية والاستراتيجية التي يتبناها الحزب في ظل التحولات الإقليمية والمحلية.

شكّل الدين العمود الفقري لخطابات حسن نصرالله، حيث يتم تقديمه كقوة محورية تمنح شرعية لمواقف الحزب وسياسته، وتربط بين أبعاده الأيديولوجية والعسكرية. يتجاوز الدين في خطاب نصرالله حدود المعتقد الشخصي، ليصبح أداة للتعبئة الشعبية، وتعزيز الانتماء الجماعي، وترسيخ المقاومة كواجب ديني مقدس. من خلال استحضار النصوص المقدسة والرموز التاريخية، يُحوّل نصرالله المقاومة إلى امتداد لمشروع إلهي لا يقبل الفشل. يستشهد بالآيات القرآنية لتبرير الأزمات التي تواجه الحزب، مقدمًا إياها كاختبارات إلهية تعزز من إيمان البيئة الحاضنة.

اتّسم خطاب نصرالله بتوظيف مكثّف للمفاهيم الدينية مثل الجهاد والنصر الإلهي. يستحضر شخصيات تاريخية مثل الإمام الحسين وثورة كربلاء ليضع المقاومة في سياق تاريخي يعزز رمزية التضحية والشهادة. الشهداء، في هذا الإطار، ليسوا مجرد أفراد قدموا أرواحهم في سبيل القضية، بل رموز للكرامة الإلهية والانتماء المقدس. يصبح الجهاد في خطاب نصرالله ليس فقط وسيلة للدفاع، بل واجبًا دينيًا يرتبط بالإيمان بالله وبالولاء للأمة.

علاوة على ذلك، فإن خطاب نصرالله لا ينفصل عن ولاية الفقيه، التي تُقدم كمرجعية دينية وسياسية للحزب. من خلال هذا المفهوم، يتم دمج الطاعة للقيادة الإيرانية مع الالتزام الديني، مما يمنح الحزب تماسكًا داخليًا ويربطه بمحور المقاومة الإقليمي. إيران ليست فقط داعمًا سياسيًا وعسكريًا، بل أيضًا شريكًا عقائديًا يعزز شرعية الحزب على المستوى الإقليمي.

إحدى أهم استراتيجيات نصرالله في توظيف الدين تكمن في قدرته على تحويل التحديات والهزائم إلى اختبارات إلهية. الهزيمة العسكرية أو الأزمات الاقتصادية يتم تأطيرها كجزء من إرادة الله، حيث يُطالب الجمهور بالصبر والثبات حتى يأتي النصر الإلهي. هذا التأطير يسمح للحزب بالحفاظ على المعنويات المرتفعة، حتى في أصعب الظروف.

خطاب نصرالله أيضًا يتجاوز الطابع المحلي إلى الإقليمي، حيث يُصوّر الصراع مع إسرائيل كمعركة دينية لا سياسية فقط. “العدو الصهيوني” يُقدم كخصم ديني وعقائدي، مما يعزز شرعية الصراع ويضعه في إطار أبعد من المصالح السياسية. الدين في خطاب نصرالله ليس فقط وسيلة للتعبئة، بل أداة لتقديم رؤية استراتيجية متماسكة تربط بين التاريخ والمقدس والواقع السياسي.

الرمزية الدينية والتعبئة العقائدية

يمتاز خطاب حسن نصرالله بالقدرة الكاريزمية التي تمزج بين النصوص الدينية وإثارة العواطف لدى الجمهور. يستند في خطاباته إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، مستخدمًا إياها لتبرير المقاومة كواجب ديني مقدس. يستشهد كثيرًا بآية “إن تنصروا الله ينصركم” لترسيخ فكرة أن القتال والجهاد هما جزء من العقيدة.

يربط نصرالله المقاومة بقيم عاشوراء ونهضة الإمام الحسين، حيث يُصوّر معارك الحزب على أنها امتداد لتلك النهضة. هذا الربط يجعل المقاومة قضية دينية وشعبية في آنٍ واحد، مما يعزز الولاء للبيئة الحاضنة ويحفزها على التضحية

ولاية الفقيه والترابط مع إيران

يشدد نصرالله بشكل دائم على الالتزام بمبدأ ولاية الفقيه كمرجعية دينية وسياسية للحزب، مما يعكس عمق العلاقة الأيديولوجية والتنظيمية مع إيران. يقدم إيران كحليف ديني واستراتيجي داعم للمقاومة، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضًا كواجب ديني تجاه مشروع إسلامي أوسع.

يتكرر الحديث عن التحالف مع إيران وسوريا كجزء من جبهة “مقدسة” تهدف لمواجهة الهيمنة الغربية والاحتلال الإسرائيلي، مما يعزز موقع الحزب في محور المقاومة.

التعبئة الشعبية والتضحية

استخدم نصرالله البعد الديني لتبرير التضحيات الكبيرة التي تقدمها البيئة الحاضنة للمقاومة. يُبرز الشهداء كرموز دينية وقومية، حيث يقدم استشهادهم كجزء من سردية إيمانية عن النصر الإلهي. يؤكد أن التضحيات ليست خسائر، بل هي شكل من أشكال الربح الروحي والمعنوي الذي يُمهّد لانتصارات أعظم.

ماذا عن البعد الديني في خطابات نعيم قاسم؟ التفاصيل في الجزء الثالث والأخير.

للتواصل مع كاتب المقال: osmatbachir@outlook.com 

https://hura7.com/?p=41969

الأكثر قراءة