الثلاثاء, يناير 21, 2025
0.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. بشير عصمت ـ كتاب مفتوح إلى فخامة الرئيس جوزيف عون… مصير الأمل يتحدد الأسبوع المقبل

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور بشير عصمت، متخصص في التاريخ الاجتماعي

فخامة الرئيس،

لقد أُوكلت إليك مهمة استثنائية في لحظة تاريخية غير مسبوقة. لبنان اليوم ليس فقط في أزمة عابرة، بل يواجه أزمة وجودية تهدد كيانه وهويته. من فساد الطبقة الحاكمة وتبديد الموارد، إلى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، ومن التدخلات الخارجية التي جعلت لبنان ملعبًا للصراعات الإقليمية والدولية، إلى غياب الرؤية الوطنية التي تُعيد بناء الدولة، ومن الشرق الأوسط الجديد إلى بلد في دول كثيرة.

إن القَسم الذي أدّيته أمام الشعب ومجلس النواب لم يره الناس مجرّد كلمات، بل تعهدًا واضحًا ببدء مسار تغييري يعيد الأمل لشعب أنهكته الأزمات. لكن الطريق نحو هذا التغيير محفوف بالعقبات، وأولها منظومة الحكم الراهنة التي أُجبرت على انتخابك، والأمر غير مخفي على أحد، لكنها ستسعى، بكل أدواتها الدستورية وغير الدستورية، إلى تعطيل أي محاولة حقيقية للإصلاح.

إن الدستور الذي يمنحك الصلاحيات، يمنحهم أيضًا القدرة على تسمية رئيس حكومة قد لا يشبه رؤيتك ولا يعكس روح القسم الذي أدّيته. هنا يكمن التحدي الأكبر: كيف يمكن أن يحدث التغيير ضمن إطار نظام لطالما استُخدم لإعادة إنتاج نفس الأزمات؟ الجواب بسيط لكنه صعب التنفيذ: لا يمكن التغيير بمن منع التغيير وافتعل الأزمات.

إن تشكيل الحكومة المقبلة هو الاختبار الأول لعهدك. فالوزارة الأولى ليست مجرد خطوة إجرائية، بل هي البيان الأول للعهد. إن استمرار النهج التقليدي في اختيار شخصيات من الطبقة السياسية ذاتها سيُفسّر كخذلان لآمال الناس الذين انتظروا هذا التغيير. الشعب الذي منحك دعمه بصورة عفوية ونظر إليك كمنقذ، ووضع ثقته فيك، لن يقبل، بل سيخذل أن يرى عهدك يبدأ بتسويات ومجاملات سياسية تعيد إنتاج نفس منظومة الفساد والمحاصصة.

إن الطبقة السياسية التي أُجبرت على انتخابك ستسعى للالتفاف حولك بالقانون، لتعطيل مسارك الإصلاحي أو تحريفه. لذلك، عليك أن تستفيد من الدعم الشعبي الحالي، والذي لا يدوم طويلًا، وأن تُشكل كتلة صلبة من أنصار الإصلاح، أفرادًا كانوا أم مؤسسات. يجب أن تكون الوزارة الأولى انعكاسًا لرؤية إصلاحية واضحة، خالية من المحاصصة السياسية، قادرة على اتخاذ قرارات جريئة تعكس طموحات الشعب و تتطابق مع خطاب القسم. والبلاد تعج بالكفاءات الشابة المحبطة المنتظرة توظيفها في ورشة النهوض… هو أعلى طموحاتها.

لا يمكن بناء لبنان جديد بنفس الأدوات التي دمرت مؤسساته. الشعب اللبناني، الذي يعاني من الفقر والبطالة وهجرة الكفاءات والسطو على مدخراته، لا يريد شعارات جديدة بل أفعالًا ملموسة. يريد حكومة كفاءات أو تكنوقراط قادرة، وسمّها ما شئت، تعيد الثقة بالمؤسسات، وتعمل على إصلاح القضاء، محاربة الفساد، وتحقيق العدالة. يريد رئيسًا يسعى لافتداء شعبه الذي يتعرض لأبشع أنواع الانتهاكات الإسرائيلية، رئيسًا يتحدى التقاليد السياسية الفاسدة، ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل السياق الإقليمي والدولي الذي يضع لبنان في قلب صراعات كبرى. التدخلات الإسرائيلية المتكررة، الأزمة السورية وتداعياتها، النفوذ الإيراني المتهاوي لصالح طموحات تركية في المنطقة، كل ذلك عوامل تزيد من تعقيد المشهد. أمام كل هذه التحديات، الرسالة اللبنانية واضحة: لبنان دولة سيدة، مستقلة، تعمل على بناء علاقات متوازنة تحمي مصالحها وتعيد مكانتها بين الدول.

إن المراهنة على الخارج لحل الأزمات الداخلية أثبتت فشلها مرارًا وتكرارًا. و طالما عقد اللبنانيون النية على أن يكونوا أسياد أنفسهم، ولكنهم تمادوا بالفشل بالطائفية بتجاهل الطائف، ببلد فيدرالية الطوائف. إن الحل يبدأ من الداخل، من إرادة وطنية صادقة تجمع بينكم والناس الذين يرغبون برؤية وعودكم تتحقق، في مشروع وطني جامع يعيد بناء الدولة. فالشعب اللبناني المهان ينتظر منك أن تكون قائدًا يعيد له كرامته، لا مجرد وسيط بين القوى السياسية.

فخامة الرئيس، الأسبوع المقبل سيكون لحظة حاسمة، ليس فقط لعهدك بل لمستقبل لبنان. تشكيل الحكومة المقبلة هو البداية، والقرارات التي ستتخذها ستحدد اتجاه العهد بأكمله. اختر فريقًا يعكس رؤية جديدة، يتسم بالكفاءة والنزاهة، ويعمل بروح وطنية جامعة. إجعل من هذه المرحلة نقطة انطلاق تُعيد الأمل وتُثبت أن لبنان قادر على النهوض من جديد.

الشعب اللبناني، الذي عانى سنوات من الأزمات المتلاحقة، يستحق قيادة شجاعة وواثقة، قيادة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. لا تخذل هذا الشعب الذي وضع ثقته فيك، ولا تسمح للمنظومة الفاسدة بأن تعيد إنتاج نفسها عبر عرقلة مشاريعك الإصلاحية. لبنان بحاجة إلى رئيس يعكس طموح أبنائه، ويؤمن بأن التغيير ممكن، بل ضروري، لإنقاذ البلاد وإعادة بناء دولتها.

المعركة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة. الشعب إلى جانبك بفرح و صدق، والدستور بين يديك، والإرادة في داخلك. إجعل من هذه الفرصة التاريخية بداية حقبة جديدة، تُكتب في تاريخ لبنان كعهد استعادة السيادة والكرامة، وبناء دولة حديثة تحقق العدالة وتضمن الاستقرار وتكون صورة واقعية لخطاب القسم.

الوقت ليس ليس لصالح البلاد وناسها، وبالتالي ليس لصالح عهدكم. الآمال معقودة عليكم.

 https://hura7.com/?p=41416

الأكثر قراءة